سور الصين العظيم يُلقي بظلاله على منطقة الشرق الأوسط

سور الصين العظيم يُلقي بظلاله على منطقة الشرق الأوسط

 

سمح الانسحاب الأميركي من الشرق الأوسط للصين بالتوغل في المنطقة في محاولة لجعلها هي الأخرى منطقة نفوذ خالصة لها، حيث دشنت في العام الجديد سلسلة من التحركات واللقاءات الدبلوماسية يبدو هدفها واضحا وهو تعزيز الشراكات التي أبرمتها مع دول المنطقة، وبالتوازي مع ذلك تجد إسرائيل نفسها في حيرة حيث لا يمكنها التفريط في الحليف الأميركي التقليدي وتحاول في نفس الوقت الانفتاح على بكين.

بكين – تعكس التحركات الصينية اللافتة في الشرق الأوسط مؤخرا الاهتمام الكبير الذي توليه بكين للمنطقة خاصة في ظل الانسحاب الأميركي منها واستراتيجية واشنطن الجديدة إزاء بعض العواصم الخليجية التي باتت تبحث عن التعاون المباشر مع بكين على غرار الرياض وأبوظبي.

واستهلت الصين العام الجديد بلقاءات دبلوماسية هامة في محاولة لتكريس شراكات في أفريقيا والشرق الأوسط ما قد يثير توجس الولايات المتحدة التي أفرغت الساحة أمام النفوذ الصيني في الشرق الأوسط.

توسيع التعاون

جوزيف دانا: البصمة الصينية بالمنطقة تتوسع بعد عقود من التخطيط

أنهى وزير الخارجية الصيني وانغ يي جولته في شرق أفريقيا في حملة مصممة لتعزيز الوجود الصيني على ساحل البحر الأحمر وترسيخ دور بكين في القرن الأفريقي. وفي الوقت نفسه تعمل الصين على ترسيخ مكانتها كلاعب كبير في الشرق الأوسط وتهدد الهيمنة الأميركية طويلة الأمد في المنطقة.

والسبت أعلن وزير الخارجية الصيني ونظيره الإيراني حسين أمير عبداللهيان بدء تنفيذ اتفاق الشراكة الاستراتيجية لتعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي بين البلدين الذي وقع بينهما العام الماضي وذلك خلال لقاء في ووشي شرق الصين، بحسب بيان لوزارة الخارجية الصينية.

ويقوم الصينيون بتوسيع دائرة مساعدتهم العسكرية للمزيد من دول الشرق الأوسط في وقت يتصاعد فيه التوتر بين المملكة العربية السعودية وإيران، ومع استمرار الولايات المتحدة في إعادة تقييم مبيعاتها من الأسلحة إلى الحلفاء الإقليميين مثل الرياض.

وتعمل الصين على زيادة صادراتها من التكنولوجيا والمعدات العسكرية وهو ما رأى فيه جوزيف دانا، وهو كاتب مقيم في جنوب أفريقيا والشرق الأوسط ومراسل من القدس ورام الله والقاهرة وإسطنبول وأبوظبي “تحولا تاريخيا وجزءا من إعادة صياغة الخطة الجيوسياسية للشرق الأوسط”.

وتابع دانا الذي سبق أن شغل منصب رئيس تحرير “إميرج 85″، وهو مشروع إعلامي مقره الإمارات العربية المتحدة يستكشف التغيير في الأسواق الناشئة أن “الاهتمام الصيني طويل المدى بالشرق الأوسط لا يعد بالشيء الجديد، ولطالما نظرت بكين إلى المنطقة كهدف استراتيجي، باعتبار الصين أكبر مستورد للنفط الخام من الشرق الأوسط في العالم”.

وأثناء المناقشات الساخنة حول الطرح العام الأولي لشركة أرامكو السعودية أعربت الصين عن اهتمامها بأن تصبح مستثمرًا رئيسيًا في أكبر شركة في العالم، وكان من المحتمل أن يسمح هذا الموقف للصين بإحداث تغيير في تجارة النفط العالمية القائمة على الدولار، ولم يُبرم ذلك الاتفاق لكن النية كانت واضحة.

بينما تعزز الصين حضورها بالمنطقة، تواجه إسرائيل حسابات معقدة في محاولة موازنة علاقاتها بين واشنطن وبكين

والتحول الحاصل الآن هو في مجال التكنولوجيا العسكرية والشراكة، فوفقا للمنظور التاريخي اعتمدت دول الخليج وإسرائيل على المعدات والتكنولوجيا العسكرية الأميركية، لكن هذا يتغير أمام أعيننا مما يثير استياء واشنطن، فمع مراجعة الولايات المتحدة لمبيعات أسلحة معينة بسبب الصراع الدائر في اليمن غيرت السعودية والإمارات حساباتهما وأصبحتا تفكران في مد جسور مباشرة مع الصين.

وفي الشهر الماضي ذكرت شبكة “سي.إن.إن” أن السعودية بدأت في تصنيع صواريخ باليستية بمساعدة الصين، وقد اشترت المملكة صواريخها الباليستية من الصين أكثر من مرة، لكنها لم تحاول بناء صواريخها بنفسها إلى الآن.

ولم يؤكد الصينيون أو ينفوا ما إذا كانوا ينقلون أي تكنولوجيا صاروخية باليستية حساسة إلى السعودية، وبدلاً من ذلك أشاروا إلى حقيقة أن البلدين يتمتعان “بشراكة استراتيجية شاملة” منذ فترة طويلة، وأن لهما “تعاونا وديا في جميع المجالات، بما في ذلك مجال التجارة العسكرية”.

ومن المحتمل أن يكون التحول نحو التعاون العسكري المفتوح في السعودية قد دفع إسرائيل إلى “وعد” إدارة بايدن بإخطار الولايات المتحدة بأي صفقات جديدة مهمة مع الصين، وتتمتع إسرائيل بتاريخ طويل من التعاون العسكري مع الصين، لكنها كانت تحت “عين الرقيب” حتى وقت قريب، على الرغم من أن الصين هي ثالث أكبر شريك اقتصادي لها.

بينما تعمق الصين علاقاتها مع دول الشرق الأوسط، تواجه إسرائيل حسابات معقدة في محاولة موازنة علاقاتها بين واشنطن وبكين اللتين تخوضان تنافسا محموما، فهل تفتح إسرائيل علاقاتها مع الصين أو تحاول مواصلة العمل معها وفق النمط المعتاد؟

ويرى دانا أن خيار إسرائيل هو فتح العلاقات مع الصين، مستشهدا برفض تل أبيب العام الماضي عرضًا قدمته الولايات المتحدة لتفتيش ميناء حيفا حيث شاركت الشركات الصينية في توسيعه، وكانت الولايات المتحدة قلقة من أن الصينيين يستخدمون مواقعهم لمراقبة العمليات العسكرية الإسرائيلية – الأميركية المشتركة.

وذكرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية أنه “تم إبلاغ المسؤولين الإسرائيليين أن الأسطول السادس الأميركي سيتوقف عن الرسو في ميناء حيفا نتيجة التواجد الصيني”، وعلى الرغم من الضغط المكثف من الولايات المتحدة إلا إن إسرائيل رفضت عرض التفتيش.

وقال دانا إن “المصالح القائمة على الجغرافيا السياسية لا تتوقف عند أي بلد، وسواء أحبت الولايات المتحدة ذلك أم لا، فإن البصمة الصينية في الشرق الأوسط آخذة في التوسع بسبب عقود من التخطيط الدقيق وربط للعلاقات بطريقة هادئة، ومع ارتفاع مشتريات الصين من النفط الخام من الشرق الأوسط وانقسام الولايات المتحدة بشأن طريقة تعاملها مع المنطقة في المستقبل، سوف يتعمق النفوذ الصيني في المنطقة ثم يظهر للعالم”.

الصين استهلّت العام الجديد بلقاءات دبلوماسية هامة في محاولة لتكريس شراكات في أفريقيا والشرق الأوسط ما قد يثير توجس الولايات المتحدة

ويرى مراقبون أن مفتاح النجاح الجيوسياسي للصين لا يزال يكمن في تطوير البنية التحتية، وسواء كان توسيع الموانئ في حيفا أو توفير البنية التحتية لصناعة الصواريخ في السعودية، فقد حقق الصينيون نجاحًا لا يُصدق في تصدير صناعة البنية التحتية إلى المنطقة وإلى معظم دول العالم. فإذا كانت تلك السياسة غير خاطئة، فلماذا نُصلحها؟

والسؤال هو كيف ستستجيب الولايات المتحدة لهذا التحول العميق الذي يحدث أمام أعين الجميع، فقد أعطت إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إسرائيل كل ما كانت ترغب فيه منذ فترة طويلة، من نسف لعملية السلام مع الفلسطينيين إلى نقل السفارة الأميركية إلى القدس، وبالنظر إلى عدم قدرة واشنطن الواضحة على وقف المساعدات العسكرية لإسرائيل، فما هي خيارات الترهيب والترغيب الأخرى التي يتعين على الولايات المتحدة استخدامها مع إسرائيل لمنعها من تعميق تعاونها مع الصين؟

ومنذ أن بدأت الولايات المتحدة في مراجعة نمط مساعداتها العسكرية للسعودية، يمكن للمرء فهم دافع الرياض إلى تعميق شراكة المملكة العسكرية مع الصين، وهي الشراكة التي تأتي من دون أي قيود أو التزامات تقريبًا.

وذهب دانا إلى أنه “يجب ألا نتوقع أن تفقد الولايات المتحدة مركزها المهيمن بين عشية وضحاها، لكن اتجاه المد يتغير، وما لم تتوصل إدارة بايدن إلى طريقة إبداعية جديدة لإشراك الحلفاء في الشرق الأوسط، فإن ظلال سور الصين العظيم ستستمر في تغطية المنطقة عن طريق خلق شراكات أعمق وتعاون أكبر، لقد بدأ التحول بالفعل”.

العرب