قبل أقل من أسبوع تعطل أحد أزرار الطباخ، جهاز رقابة ذكي يطلق الغاز ويشعل اللهب. بحثت عن حل ما، حتى اهتديت إلى “علي إكسبرس”، تلك الدكان الصينية التي تبيع عن بعد، والتي هي كيان موازٍ يضم كل شيء. في غضون ثلاث دقائق من البحث الكسول، وجدت ما أحتاجه. دقيقة أخرى للتوصية، فإذا به في الطريق، وانخفض مستوى الضغط لدي.
الصينيون في كل مكان، لا في مواقع المبيعات فحسب، فالإمبراطورية الصينية الحديثة نمت وتستثمر مئات مليارات الدولارات في البنى التحتية لعشرات الدول، بشكل سينتج في المستقبل القريب نظاماً اقتصادياً عالمياً جديداً. في شرق أوسطنا، تشارك الصين في مشاريع عظمى لمدن ذكية. الرب يعرف أي كميات من المعلومات جمعت فيها، وما الذي يمكن عمله بها. في إسرائيل الصغيرة أيضاً ثمة مشاريع مشتركة مع الصين لمدن مختلفة، وهناك شبكات ائتمان إسرائيلية تشتري تكنولوجيات صينية، وهذه مجرد بداية.
في الحياة الإسرائيلية العامة يميل الناس إلى التركيز على المداولات التي حول الاتفاق النووي في محادثات فيينا. في يوم ما نسمع عن تراجع إيراني عن التفاهمات، وبعد أسبوع عن تقدم من جانب الولايات المتحدة وهلم جرا. أما الصين، حسب توقعات مختلفة، فستصبح الاقتصاد الأكبر في العالم وستتجاوز الولايات المتحدة حتى العام 2020، للتو حقاً.
لا حاجة لأن يكون المرء خبيراً في الشؤون الصينية كي يفهم بأن علاقات القوى العالمية آخذة في التغير أمام ناظرينا. ما كان ليس ما سيكون. ونشهد مناظر وكأنها مأخوذة من العالم القديم، في صيغتها الحديثة. إمبراطورية سيطرت لسنوات، ها هي تخلي مكانها إلى ثقافة أخرى ولغة غريبة وعجيبة، وإلى مال وقوة سياسية. ومع ذلك، فالاهتمام يتركز على فيينا.
قبل ثلاثة أيام فقط، بلغت وسائل الإعلام في العالم العربي عن أن اتفاق التعاون الصيني – الإيراني الذي وقع قبل نحو سنة، والذي يعنى بالعمل المشترك في مجالات كثيرة ومتنوعة – الاقتصاد، الأمن والاستراتيجيا – يتسارع. كل هذا حصل في الوقت الذي تفرض فيه على شركتي النفط الجديدتين عقوبات من جانب الرجل المريض على المسيسبي.
الاتفاق آنف الذكر، الذي كان على الورق، دخل الآن مرحلة التنفيذ. والمعنى: صين أنشط في منطقتنا ومهددة لمصالح حليفنا العم سام، منذ سنين.
أما عندنا، فتسير الأعمال كالمعتاد… الاتفاق النووي، ومرة أخرى الاتفاق النووي. يدور الحديث تقريباً عن “انحراف معرفي جماعي”، وانحراف سمعي. الميل لمنح الانتباه إلى أمور معينة، في ظل تجاهل معايير أخرى، ربما تغير الصورة بكاملها. إن الانشغال المهووس في علاقات الولايات المتحدة – إيران على خلفية الاتفاق النووي هو الآن في منطقة الاتصال ذاتها. ولن يكون عبثاً القول إن الوصول الصيني إلى معلومات حساسة جداً عن الشبكات الإسرائيلية، المدنية والتكنولوجية، هو خطر على الأمن القومي. يجدر بنا أن ننتبه لذلك، وألا نبث فيما ليس له صلة. فهذا القطار غادر المحطة.
اشتريت جهازاً جديداً للطباخ، لكني لم أنتبه إلى أي مستوى هو من الأمانة، وفقاً لكل توصيات الموقع الصيني. قد أكون أنا أيضاً أعاني من انحراف في الإنصات. لشدة الحظ، لن يقودني هذا إلى الهوة. أما الهوة الإيرانية – الصينية فهي أقرب بكثير.
القدس العربي