قام تنظيم «الدولة الإسلامية» بهجومين متزامنين وذلك على سجن في مدينة الحسكة شمال شرق سوريا، وعلى مقر للجيش في محافظة ديالى العراق. تشير الأنباء إلى أن العملية الأولى كانت مستمرة حتى مساء أمس وأن الاشتباكات مستمرة بين عناصر التنظيم، من جهة، والقوات الكردية وحلفائها الأمريكيين، من جهة أخرى.
أدى الهجوم في مدينة العُظيم التي تبعد قرابة 120 كيلومترا شمال شرق بغداد، إلى مقتل أحد عشر جنديا بينهم ضابط، فيما سقط عشرات القتلى والجرحى في المعركة بين الأكراد ومقاتلي «الدولة» وتدل مشاركة المروحيات الأمريكية في عمليات صد الهجوم ومطاردة مقاتلي التنظيم على الحجم الكبير للعملية التي أدت أيضا إلى فرار عشرات السجناء ولحصول انقطاع للتيار الكهربائي وفوضى في المدينة ونزوح لمئات الأشخاص من المدينة.
ينشر تنظيم «الدولة» حيثما يحلّ جوا من الرعب، ويثير، في كل عملية يقوم بها، الكثير من الأسئلة المزعجة، وخصوصا بعد هجومه الهائل عام 2014، الذي أدى لإنشاء دويلة «جهادية» مخيفة تمتد على مساحات كبيرة من العراق وسوريا، وهو ما خلق موجة تأثير كبيرة له في قارات عدة، فالتحق به آلاف الشباب والفتيات من كافة أنحاء العالم، وقامت باسمه عمليات إرهاب فظيعة لم ينجُ من آثارها بلد في العالم، وساهم في تعزيز ظواهر كراهية الإسلام والمسلمين في العالم، وفي إعطاء دعم جديد لأفكار التطرّف السياسي والاجتماعي، العنصريّ والديني والطائفي في العالم.
تستعاد هذه الأسئلة المؤرقة في أوراق البحث الأكاديمية، وفي جلسات المخابرات ووزارات الداخلية، والجيوش، وخصوصا حين «يفاجئ» التنظيم جحافل المعنيين بمكافحته، بمن فيهم من يوفّر استمراره أسبابا لبقائهم ووجودهم هم أنفسهم!
سؤال «المليون» بين هذه الأسئلة هو عن كيفية استمرار التنظيم بالبقاء رغم أشكال الحصار عليه، سياسيا وعسكريا وأمنيا واقتصاديا، ورغم وجود إجماع دولي على الخلاص منه، ورغم تربّص قوات الدولتين العظميين، أمريكا وروسيا به والعمل على مطاردة فلوله وعناصره على مدى الساعة بكافة أشكال المراقبة والتجسس والطيران والأسلحة.
جمع هذا التنظيم أوسع جبهة ممكنة ضدّه، فهو يقف علنا مع أي عملية إرهابية تحصل في العالم بتأثير من دعايته أو يقوم بها شخص تمكن من التواصل معه أو رفع رايته أو قرأ «أدبياته». إنه تنظيم يعادي كافة الدول والنظم والأحزاب والقوى بما فيها التنظيمات الجهادية التي لا تدخل في طاعته، والأحزاب الإسلامية التي تقبل العمل في أطر السياسة والقوانين المرعية.
لكن الحقيقة التي يعرفها (أو يتجاهلها) هذا الطابور الطويل من الخصوم لهذا التنظيم هي أن استمرار وجود التنظيم ليس لغزا، وأن عملياته المفاجئة ليست مفاجئة لهم ولا لغيرهم.
دفع عدم التوازن الهائل بين الطرفين المعنيين كثيرين للإيمان بأن التنظيم هو مؤامرة خفية تشارك فيها أجهزة مخابرات الدول، فقد احتاج العالم، بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، إلى عدو كبير يبرّر ميزانيات الجيوش والاستخبارات الهائلة، ولبّت العمليات الإرهابية، كما حصل في هجمات «القاعدة» على نيويورك والبنتاغون، حاجات المحافظين الجدد للغزو والتدخلات العسكرية.
وجد الاحتلال الإسرائيلي غايته ووجّه البوصلة ضد الفلسطينيين باعتبارهم «إرهابيين» واهتبلت دول الطغيان العربي الفرصة لتبرر معاملتها الوحشية لمواطنيها، وأمسك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين زمام السلطة بمحق دعوات الاستقلال في الشيشان، وهاجم الصرب البوسنة والهرسك، ووجدت التيارات القومية والاستبدادية والعنصرية أسبابا لاضطهاد المسلمين في الهند والصين وميانمار، وساهم العنف الأمريكي وشهوة السلطة والفساد والانتقام في نشوب حرب طائفية في العراق.
تنظيم «الدولة الإسلامية» كان، بأكثر من طريقة، نتاجا هجينا لكل هذه الوحشيّة الفظيعة، وكذلك، وهذا الأهم، لاستمرار انغلاق الطرق أمام حلول سياسية للشعوب، واستمرار الظلم والاحتلال والاستبداد من دون أمل بالتغيير.
القدس العربي