الكويت- عاد الجدل بشأن الفساد الذي علق بصفقة طائرات يوروفايتر في 2015 إلى الواجهة بقوة، ما يوفر فرصة أمام ولي العهد الكويتي الشيخ مشعل الأحمد ليقود مواجهة قوية ضد الفساد مستفيدا من دعم شعبي كبير لتجاوز الأداء الحكومي المتعثر الذي تحكمت فيه اعتبارات كثيرة من بينها ارتباط تلك المواجهة بحسابات شخصية وسياسية أكثر من كونها معركة ضد الفساد.
وأحالت هيئة مكافحة الفساد (نزاهة) ضابطين في الجيش على النيابة العامة للاشتباه في ارتكابهما جريمة الإضرار الجسيم بالمال العام فيما يتعلق بهذه الصفقة، في وقت سعت فيه مجموعة ليوناردو الإيطالية للصناعات الدفاعية والفضائية -التي باعت يوروفايتر من طراز تايفون للكويت- لتبرئة ذمتها، وذلك بعد وقت قصير من تراجع أسهمها بنحو ثمانية في المئة بسبب الشكوك التي أحاطت بالصفقة.
وقالت المجموعة إن عقدها مع الكويت “لطالما كان قائما على أقصى حد من الشفافية والعدالة”، وإن كل صفقة تخضع لفحوصات صارمة.
ويقول مراقبون إن عدم تحرك السلطة بسرعة لكشف تفاصيل الموضوع منذ إثارته سيمنح نواب المعارضة فرصة إضافية للنيل من مصداقية الحكومة ومكانة الأسرة الحاكمة، وذلك بالتزامن مع الوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به الكويت.
وأشار المراقبون إلى أن الشارع السياسي في الكويت الذي تغذيه تيارات ودول متضاربة المصالح لن يقتنع بأن فسادا في صفقة بالمليارات يمكن أن يُلامَ عليه ضابطان متوسطا الرتبة في القوات المسلحة الكويتية.
ويرى هؤلاء أن موضوع يوروفايتر سيكون اختبارا صعبا لولي العهد الشيخ مشعل الأحمد، لكنه يوفر له فرصة سياسية نادرة يمكن أن يستغلها لبسط السيطرة على أجنحة الأسرة الحاكمة وإسكات المعارضة في البرلمان وخارجه، بالإضافة إلى طمأنة الكويتيين بأن مسار مواجهة الفساد قد بدأ.
وكان التوقيع النهائي على صفقة شراء الكويت لـ28 مقاتلة يوروفايتر بقيمة تبلغ نحو تسعة مليارات دولار قد اصطدم بتمسّك ديوان المحاسبة بتدقيق قيمة الصفقة وخصوصا البند المتعلّق بالصيانة والتدريب والدعم اللوجستي، والذي بدا باهظا جدّا بتجاوزه سقف الملياري يورو.
وفي يناير 2020 قدم وزير الدفاع الكويتي السابق الشيخ أحمد المنصور الصباح شكوى إلى المدعي العام يتهم فيها مسؤولا سابقا في الوزارة وعدة أشخاص آخرين بتلقي رشاوى تتعلق بالصفقة.
وجاءت إحالة الضابطين على أنظار النيابة الكويتية في موضوع تايفون بعد أيام من حكم بالسجن لفترات طويلة على ستة قضاة بتهمة “الرشوة والتزوير وغسيل الأموال”، لترسل من خلاله السلطات إشارات عن جديتها في جعل مكافحة الفساد أولوية حكومية.
لكن المعارضة تقول إن الضابطين ومجموعة القضاة أكباش فداء للتغطية على شخصيات أكثر وزنا في البلاد، وإن مواجهة الفساد أكبر من أن تقتصر على التضحية بمجموعة محدودة من الأفراد من كل قطاع.
وخلال السنوات الأخيرة تحوّل تفجّر قضايا فساد كبيرة تتعلّق بنهب مبالغ طائلة من أموال الدولة إلى ظاهرة في الكويت. ومثّل تورّط شيوخ من الأسرة الحاكمة ومسؤولين كبار في تلك القضايا صفّارة إنذار بشأن تغلغل الفساد في مفاصل الدولة، في مقابل البطء الشديد في تفكيك هذه الظاهرة، والذي حقق نتائج مخيبة للآمال.
وعلى الرغم من أن هيئة “نزاهة” لمكافحة الفساد (التي تأسست عام 2016) قد تلقت ما مجموعه 424 شكوى بحلول نوفمبر 2020، إلا أن 54 منها فقط هي قيد التحقيق، مع إحالة 40 فقط على المدعي العام (بمن في ذلك ثماني حالات فقط في 2020).
الشيخ جابر المبارك الحمد الصباح الموقوف على ذمة قضية صندوق الجيش يحصل على خدمات في مستوى الخدمات الفندقية
وكان السؤال الأهم بالنسبة إلى الكويتيين يتعلق بجدية المحاكمة التي تطال عناصر من الأسرة الحاكمة أو من كبار الشخصيات المرتبطة بها، وهل أنها ستخضع للضغوط والحسابات؟ خاصة بعد الضجة التي أثارتها مسألة الامتيازات التي يحصل عليها الشيخ جابر المبارك الحمد الصباح رئيس الوزراء السابق الموقوف على ذمة القضية الشهيرة المعروفة باسم صندوق الجيش والمتورّط فيها أيضا وزير الداخلية الأسبق الشيخ خالد الجراح الصباح.
وانتشرت شائعات على وسائل التواصل الاجتماعي تفيد بأنه بينما ظل مسؤولون آخرون رهن الاحتجاز كان الشيخ جابر في جناح مستشفى خاص مزيّن ويحصل على خدمات في مستوى الخدمات الفندقية.
وبقطع النظر عن مصداقية تلك الإشاعات والشكوك من عدمها، فهي تكشف عن انعدام ثقة الكويتيين في أن السلطات تتابع القضية بجدية، وأنها يمكن أن تعامل شخصية بارزة من الأسرة الحاكمة بالمعاملة نفسها التي تتعامل بها مع شخصية أخرى متورطة في الفساد وليس لها نفوذ أو وساطات قوية مع الأسرة الحاكمة ومحيطها.
وأيّا كان التعاطي القضائي مع ملف الشيخ جابر فإن مراقبين يقولون إن ما بعد القضية ليس كما قبلها، وإنها فتحت بابا لا يمكن إغلاقه في محاربة الفساد والتلاعب بالمال العام داخل المؤسسة السياسية.
كما يكشف الجدل الذي حف بهذه القضية أن معظم الكويتيين متفقون على الحاجة إلى إنجاز شيء ملموس يظهر أن القضاء الكويتي يتجه إلى التعافي وأن الإرادة السياسية قوية وجادة في فتح هذا الملف من أجل حماية المال العام والحافظ على تكافؤ الفرص بين الكويتيين في تحصيل الخدمات أيا كان حجمها من خلال القنوات المشروعة.
ويقول متابعون لجدل الفساد في الكويت إن المطلوب الآن من السلطة السياسية ليس إطلاق تصريحات الطمأنة أو التعهد بالإصلاح، فهذه مسائل سبق أن تم الحديث عنها من الجهات العليا وباتت مكررة، وإنما إظهار نتائج عملية للحرب على الفساد -خاصة ما تعلق بإعادة الأموال المختلسة من الدولة بطرق ملتوية- وإصدار أحكام قاسية ضد شخصيات كبيرة بعد ثبوت تورطها في الفساد بما لا يقبل مجالا للشك أو التوظيف السياسي.
ويشير هؤلاء المتابعون إلى أن هذه الخطوات ستكون مهمة بالنسبة إلى صورة الكويت في الداخل والخارج، فهي ستجعل الكويتيين يأملون في إمكانية حدوث التغيّر وتشعرهم بأن البلاد قادرة على تجميع كل قوتها ومالها للنهوض ومواجهة مرحلة ما بعد النفط كما يفعل جيرانها. كما ترسل إشارات إيجابية جاذبة للمستثمرين والشركات العالمية الكبرى للرهان على الكويت ضمن دائرة مشاريعها المستقبلية مثلما يجري في الإمارات والسعودية.
العرب