مع دخوله إلى البيت الأبيض قبل نحو سنة، وضع الرئيس جو بايدن تجديد الاتفاق النووي مع إيران على رأس سلم أولويات إدارته. وأوضح الناطقون بلسانه أنه بحاجة إلى اتفاق يزيل المسألة الإيرانية عن جدول الأعمال، حالياً على الأقل، كي يتمكن هو وإدارته من التفرغ لمعالجة المواضيع المهمة لواشنطن، وعلى رأسها الخصومة مع الصين في الشرق الأقصى.
النظام الإيراني هو الآخر يبدو متحمساً، وإن كان أقل بكثير من بايدن كما ينبغي الاعتراف، للوصول إلى اتفاق نووي متجدد ومحسن يؤدي إلى رفع العقوبات الاقتصادية، ويسمح باستقرار وتعزيز مكانته في الداخل.
لكن، رغم شروط البدء هذه، في أثناء السنة الأخيرة، لم يتحقق أي اختراق للطريق، وطالت المفاوضات وامتدت وشهدت أزمات كان يخيل أنها أبعدت واشنطن عن طهران. للحقيقة، فإن الإيرانيين هم الذين أحدثوا الأزمة تلو الأخرى، بل وأوقفوا المحادثات وكأن ليس لهم أي مصلحة أو رغبة في تحقيق اتفاق متجدد. أما واشنطن من جهتها، فقد وجدت نفسها تنجر وترد بتردد على خطوات إيران واستفزازاتها.
في لحظة ما، قبل شهر – شهرين، كان يخيل أن الأمريكيين يئسوا، وأنه قضي على إمكانية الوصول إلى اتفاق. بل إن تصريحات سُمعت في واشنطن تقضي بأن كل الخيارات مفتوحة وموجودة على الطاولة، وهو تلميح مؤكد وغير مصداق على نحو خاص لإمكانية هجوم عسكري.
غير أنه وبعصا سحرية، وفي ظل توتر متصاعد بين واشنطن وبكين، وموسكو أيضاً التي فتحت جبهة جديدة في أوكرانيا ضد الولايات المتحدة – استؤنفت المحادثات، ويتنبأ متحدثون إيرانيون وأمريكيون باختراق قريب يؤدي بالطرفين إلى الاتفاق المنشود. وحتى زعيم إيران، عليّ خامينئي، أعطى ضوءاً أخضر للاتفاق حين أعلن بأن “المحادثات، وضمناً أيضاً الاتفاق، مع العدو لا تعني استسلام إيران”.
يبدو أن المفاوضين يستحقون جائزة نوبل، لكن ليس للسلام بل لمسرحية مميزة. فبعد كل شيء، يحتاج الإيرانيون إلى الاتفاق حاجتهم إلى الهواء للتنفس، أكثر بكثير مما هم مستعدون للاعتراف بذلك. غير أنهم ينجحون في إثبات عدم الاكتراث، وكأن كل الموضوع لا يهمهم. أما الأمريكيون بالمقابل، فيبثون تردداً وضعفاً وأساساً حماسة لتحقيق اتفاق بكل ثمن.
الإيرانيون فنانون في المفاوضات، ويعملون حسب المبدأ القائل بأنه ينبغي التوقيع على الاتفاق في الدقيقة الـ 91 وليس قبل لحظة واحدة من ذلك، وهذا ما سيحصل أغلب الظن.
لا حاجة لانفعال زائد من تهديدات الطرفين وأجواء الأزمة التي يتكبدان أحياناً عناء بثها. فمعايير الاتفاق تقررت في اليوم الذي دخل فيه بايدن البيت الأبيض، ومنذئذ حسّنها الإيرانيون، وهم في وضع أكثر تقدماً مما كانوا قبل سنة في كل ما يتعلق بمشروعهم النووي.
يبدو أنه اتفاق لن يكون ممكناً منعه أو تحسين شروطه، وبالتالي ستبقى إيران على مسافة لمسة من قنبلة نووية برعاية الاتفاق. ولكن ما يمكن عمله هو تشديد الكفاح ضدها في أرجاء الشرق الأوسط، في سوريا والعراق، والآن في اليمن أيضاً. هذا صراع يحقق نجاحاً، وبخاصة في سوريا، ويتمتع بتأييد إقليمي ودولي، ويمكن الانتصار فيه.
القدس العربي