في عمليتين متزامنتين، هاجم تنظيم “داعش” سجنا يضم عناصر له في مدينة الحسكة شمال شرقي سورية وقاعدة للجيش العراقي في محافظة الأنبار، ليثير بذلك مخاوف من عودة ظهور التنظيم بعد التأكيدات على دحره في العراق وانحساره في سورية.
وقد هاجم العشرات من عناصر “داعش” المسلحين بأسلحة رشاشة ثقيلة وعربات مفخخة سجن الصناعة في حي غويران، بهدف تهريب سجناء تابعين للتنظيم ورفع معنويات مقاتليه والمتعاطفين معهم في سورية والعراق.
وسجن الصناعة بالحسكة هو الأكبر من بين عشرات المنشآت التي تديرها “قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، ويضم بضعة آلاف من السجناء، من بينهم قادة “داعش” البارزين وشخصيات متطرفة أخرى.
وعلى الرغم من عدم وجود ما يشير إلى أن هذه الهجمات كانت منسقة، يرى محللون أن “داعش” يحاول من خلالها تعزيز صفوفه وترسانته في محاولة لإعادة تنشيط التنظيم في كلا البلدين.
ووُصف الهجوم على سجن الصناعة بأنه أكبر هجمات التنظيم منذ الإعلان عن هزيمة ما تسمى بـ”دولة الخلافة” قبل نحو ثلاث سنوات، في حين كان الهجوم في العراق، الذي شهدته ناحية العظيم بمحافظة ديالى وأسفر عن مقتل 11 جنديا، هو الأكثر دموية من بين هجمات “داعش” في البلاد هذا العام.
في مقاومة الهجوم في سورية، احتاجت قوات سورية الديمقراطية نحو أسبوع ودعما عسكريا من طائرات التحالف حتى تمكنت من استعادة السيطرة الكاملة على المنطقة ومطاردة سجناء “داعش” الذين تمكنوا من الفرار بعد مهاجمة السجن.
ويوجه مراقبون سهام النقد إلى دول الغرب ويلقون عليها باللائمة فيما حدث في الحسكة، مشيرين إلى أن “الغرب تجاهل سجون الجهاديين، لكن لا يمكنه أن يتجاهل هجوم الحسكة”.
وتقول صحيفة “تايمز” البريطانية: “لا أحد يستطيع أن يقول إنه لم يكن على دراية بالأمر، فتلك السجون كانت مكتظة وكانت تضم آلاف الجهاديين، وكانت فضيحة منذ لحظة هزيمة تنظيم ما يعرف بالدولة الإسلامية”.
وتضيف الصحيفة: “ما يزال أكثر من 12 ألف أسير في عهدة قوات سورية الديمقراطية التي يقودها الأكراد، 2.000 منهم على الأقل من الأجانب. وبالإضافة إلى ذلك، هناك 70 ألفاً من النساء والأطفال في مخيمات للنازحين تحت الحراسة”.
واعتبرت الصحيفة أن بريطانيا ودولا أوروبية أخرى” أدارت ظهرها ورفضت السماح للمتشددين أو زوجاتهم وأراملهم بالعودة إلى ديارهم حتى لمواجهة المحاكمة”.
وحمّلت الصحيفة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب جزءا كبيرا من المسؤولية، قائلة إنه “قدم إسهاما كبيرا في أواخر العام 2019، عندما قام بسحب نصف القوات البرية الأميركية القليلة التي يبلغ عددها 2.000 جندي والتي تساعد في حراسة منطقة سيطرة قوات سورية الديمقراطية في شرقي سورية”.
وطالت سهام الانتقاد أنقرة وموسكو أيضا، حيث أكدت الصحيفة أنه “لا ينبغي لأحد أن ينسى إسهام الأتراك في الاستمرار في مهاجمة الأراضي التي تسيطر عليها قوات سورية الديمقراطية، بناء على شكواهم الخاصة من الأكراد، ولا الروس، لافقار شرقي سورية من خلال استخدام حق النقض ضد مساعدات الأمم المتحدة عبر الحدود”.
ويقول خبراء أن الزج بفلول مثل هذه التنظيمات الإرهابية في زنازين مكدسة وتجميعهم لسنوات فيها من دون الاكتراث بتحولها إلى ما يشبه المستنقعات، يجعل هؤلاء بمثابة نواة لتهديد خطير آخر، مستشهدين بما فعلته الولايات المتحدة في العراق بعد غزو العام 2003.
وعبرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، عن قلقها من تقارير ظهرت عن تسجيل وفيات بين الأطفال في سجن غويران، ودعت المديرة التنفيذية للمنظمة، هنرييتا فور، جميع الأطراف في سورية، إلى “تحمل مسؤولياتها تجاه حماية المدنيين وأولئك الذين لا يقاتلون، وإعطاء الأولوية لسلامة جميع الأطفال داخل سجن غويران”.
وأعربت، في بيان، عن “القلق العميق إزاء التقارير التي تفيد بأن الأطفال المحاصرين داخل السجن قد يجبرون على لعب دور نشط في الاشتباكات الجارية بين المعتقلين وقوات الأمن”، مشددة على ضرورة أن “تضمن جميع الأطراف في شمال شرق سورية الحماية الجسدية والعيش للأطفال الموجودين في مرفق الاحتجاز”.
وأوضحت اليونيسف، أن ما يقرب من 850 طفلا، بعضهم لا تزيد أعمارهم على 12 عاما، محتجزون حاليا في شمال شرق سورية، معظمهم في سجن غويران، وهم من السوريين والعراقيين، والبقية من 20 جنسية أخرى.
ويخشى الخبراء من أن تكون معركة سجن غويران مؤشرا على أن تنظيم “داعش” في طور إعادة التأهيل وأن يشكل قريبا تهديدا خطيرا في سورية والعراق من جديد.
ودفع الهجوم في العراق الذي استهدف مقرا للجيش العراقي، رئيس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة مصطفى الكاظمي، إلى القيام بجولة تفقدية للشريط الحدودي العراقي السوري، والاجتماع مع قيادات عسكرية وأمنية في رسالة “للتأكيد على حضور الدولة القوي، وجاهزية قواتنا المسلحة للتصدي لأي محاولة تستهدف العبث بأمن بلدنا واستقراره”.
وشدد الكاظمي على التصدي “لحماقات إرهابيي الخارج والداخل، الساعين إلى تكريس الفوضى، وتقويض مؤسسات الدولة، لخدمة مصالحهم الشخصية”.
وخاطب الكاظمي مسلحي “داعش”، قائلا: “لا تجربونا فقد حاولتم كثيرا وفشلتم، وستحاولون كثيرا وستفشلون. تعلمون جيدا أننا نلاحقكم، داخل العراق وخارجه، وتعلمون جيدا أن دم العراقيّين بالنسبة لنا غال جدا وستدفعون ثمن كل حماقة ارتكبتموها، وأنتم مجموعة عصابات لا مكان لكم بيننا، هذا قرارنا وقرار كل عراقي شريف قبل أن يكون قرار الدولة والحكومة والمؤسسة الأمنية، لن نقبل إلا بالقضاء عليكم، وحماية أرضنا وأعراضنا”.
الغد