عكس قرار إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن إعفاء إيران من العقوبات لتشجيعها على الاستمرار في مفاوضات الملف النووي رضوخا أميركيا للابتزاز الإيراني ورسالة سلبية تلقي بظلالها على الأمن في منطقة الخليج لتزامنها مع الهجمات التي نفذتها أذرع إيرانية من اليمن والعراق على الإمارات وقبلها على السعودية.
وقال محللون سياسيون إن تزامن الإعفاء من العقوبات مع الهجمات على الإمارات أظهر أن الولايات المتحدة حليف لا يوثق به بالنسبة إلى الخليجيين، وأن إدارة بايدن عليها أن تجيب حلفاءها في المنطقة بوضوح عن سؤال “هل أنتم معنا أم مع الإيرانيين؟” ليعيدوا تقييم علاقاتهم معها والبحث عن حلفاء جدد.
واستمرّت إيران باستفزاز الأميركيين على مدى السنوات الأخيرة مرورا بتهديد أمن الملاحة الدولية واستهداف مواقع النفط في السعودية، وحين لم تغير الضربات الحوثية في السعودية موقف الأميركان تحرك الإيرانيون ليتحرشوا بالإمارات من جهة الحوثيين ومن جهة الميليشيات في العراق.
ومن الواضح أن واشنطن فهمت الرسالة الإيرانية وبادرت إلى تقديم التنازلات بسرعة قياسية من خلال رفع العقوبات وتحقيق أهم شروط طهران وهو فصل الملف النووي عن الأمن الإقليمي لتصبح الميليشيات والمسيّرات والصواريخ وكأنها تفصيل صغير، وكأن الولايات المتحدة لا تهتم لمصالحها في مجال النفط ولا لأمن قواتها المنتشرة في المنطقة.
وأشار المحللون إلى أن الإمارات هي درة التاج في التنمية والاستقرار في الخليج، وأن استهدافها من الجنوب والشمال لم يكن اعتباطيا بالنسبة إلى إيران وأذرعها في المنطقة، محذرين من أن الخطوة الأميركية المفاجئة ستقود إلى تغييرات كبيرة على مستوى علاقاتها في الشرق الأوسط، وأنها تكون بهذه الخطوة قد رفعت الحرج عن حلفائها ومهّدت الطريق لدخول قوى أخرى مناوئة لملء الفراغ الذي تركته واشنطن.
وتعرضت الإمارات إلى ثلاث هجمات بطائرات مسيّرة وصواريخ خلال الأسبوعين الماضيين، أعلن المتمردون الحوثيون في اليمن مسؤوليتهم عن اثنتين منها، بما في ذلك هجوم استهدف قاعدة تستضيف قوات أميركية. وتم إحباط الهجوم بصواريخ باتريوت أميركية الصنع مضادة للصواريخ.
وتبنى فصيل عراقي يطلق على نفسه “ألوية الوعد الحق” الهجوم الثالث بطائرات مسيّرة واستهدف أبوظبي الأربعاء الماضي، في تحول وصفه محللون بالخطير على مستوى تحرك الميليشيات الموالية لإيران.
وقابلت إيران القرار الأميركي بشأن رفع العقوبات ببرود وقالت إنه ليس كافيا وإن على واشنطن تقديم المزيد من الضمانات.
وقال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان “لقد أبلغنا الجانب الأميركي عن طريق بعض من ينقلون الرسائل هذه الأيام إن عليهم إظهار حسن النية بالفعل”، وفق ما نقلت وكالة “إيسنا” للأنباء.
وأضاف أن “رفع بعض العقوبات بشكل عملي قد يعكس حسن نيتهم. الأميركيون يتحدثون عن ذلك، لكن يجب أن يُعرف أن ما يحصل على الورق هو جيد لكنه غير كافٍ”، وتابع قائلا “نحن نطلب ضمانات في المجالات السياسية والقانونية والاقتصادية”.
كون كوفلن: يتعين على إدارة بايدن أن تشعر بالخجل إزاء قراراتها
وكان مسؤول أميركي أكد ليلة الجمعة قرار بلاده “إعادة العمل بإعفاء من العقوبات من أجل السماح بمشاركة خارجية” لضمان “عدم الانتشار”، بسبب “مخاوف متزايدة” ناتجة عن التطوير المستمر للأنشطة النووية الإيرانية.
ويتناقض الفصل بين الملف النووي والأمن الإقليمي مع إجراءات كانت إدارة بايدن أعلنت عنها وهدفت من خلالها إلى تأكيد وقوفها في صف الحلفاء الخليجيين، حيث أعلنت اعتزامها نشر طائرات مقاتلة متطورة ومدمرة صواريخ في الإمارات، لدعمها ضد الهجمات.
وقالت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) إن القرار يشمل إرسال مدمرة الصواريخ الموجهة “يو.إس.إس كول” التابعة للبحرية الأميركية، وطائرات مقاتلة من الجيل الخامس.
ويتساءل المراقبون كيف يمكن لواشنطن التي تقول إنها تسعى لمنع إيران من استهداف الأمن الإقليمي أن تمكنها من تحصيل الأموال التي يتم توجيه الجانب الأكبر منها إلى تمويل الميليشيات في عدد من الدول العربية، والباقي يتم استثماره في تطوير الأسلحة واستعراض القوة، في الوقت الذي تطالب فيه الولايات المتحدة الخليجيين بضبط النفس وتعارض مسعاهم للحصول على أسلحة متطورة أو بناء برامج نووية لأغراض سلمية.
وقال المحلل السياسي والباحث البريطاني كون كوفلن، أحد كبار زملاء معهد جيتستون الأميركي ومحلل الشؤون الدفاعية بصحيفة ديلي تليغراف، إنه يتعين على إدارة بايدن أن تشعر بالخجل إزاء قراراتها، في أعقاب الهجمات الخطرة التي شنها الحوثيون ضد أحد أهم حلفاء واشنطن في الخليج.
وأضاف كولن في تحليل نشره معهد جيتستون أن خبراء الأمن في الخليج يقولون إن الحوثيين زادوا من هجماتهم ضد التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، والذي يضم الإمارات، والتي شملت مؤخرا استخدام الصواريخ والطائرات المسيّرة التي زوّدتهم بها إيران، الداعم العسكري الرئيسي لهم.
صحيفة العرب