مع أن رئاسة البرلمان العراقي أدرجت الفقرة الخاصة بانتخاب رئيس الجمهورية في جلسة أمس الاثنين، غير أن المقاطعة شبه الشاملة من الكتل السياسية حالت دون عقد جلسة كاملة النصاب. النواب الذين حضروا الجلسة بلغ عددهم 58 نائباً، وهم ينتمون في الغالب إلى المستقلين وبعض الكتل الجديدة التي لم تدخل بعد في تحالفات مع الكتل الكبيرة أو التي تنوي الذهاب إلى المعارضة.
وطبقاً لما يراه خبراء قانون؛ فإن إدراج فقرة انتخاب رئيس الجمهورية في جلسة الاثنين جاء انسجاماً مع المدة الدستورية المخصصة لانتخاب الرئيس والتي انتهت أمس. وطبقاً لهذا التفسير؛ فإنه في حال عدم إدراج هذه الفقرة لكانت رئاسة البرلمان قد خالفت الدستور والنظام الداخلي للمجلس. وبالإضافة إلى مقاطعة الكتل السياسية جلسة أمس بسبب عدم التوافق، فإن قرار المحكمة الاتحادية الولائي إيقاف ترشيح هوشيار زيباري لمنصب رئيس الجمهورية بسبب تهم بالفساد كان عاملاً معرقلاً لإمكانية المضي في انتخاب رئيس للجمهورية في ظل عدم حسم الدعاوى القانونية المقامة ضده.
التفسير الأخير للمحكمة الاتحادية العليا القاضي باعتماد نصاب الثلثين لانتخاب رئيس الجمهورية (220 نائباً من بين أعضاء البرلمان البالغ عددهم 329 نائباً) في الجولة الأولى، أمر شبه مستحيل في ضوء عدم قدرة أي تحالف سياسي على جمع هذا العدد من النواب. ولم يتوقف تفسير المحكمة الاتحادية عند الجولة الأولى؛ بل بات يمتد هذه المرة إلى الجولة الثانية التي كانت تشترط في كل الدورات السابقة الأغلبية المطلقة من عدد الحاضرين من أعضاء البرلمان؛ الأمر الذي يعني أنه بات من الصعب تمشية رئيس الجمهورية عن طريق الانتخاب؛ وإنما التوافق.
وكانت الدورة الماضية (عام 2018) شهدت أول خلاف جدي بين الحزبين الكرديين الرئيسيين في كردستان («الديمقراطي الكردستاني» و«الاتحاد الوطني») بشأن منصب رئيس الجمهورية عندما انفرط عقد التحالف الكردستاني. وكان التحالف الكردستاني الذي يضم «الديمقراطي» و«الاتحاد الوطني» وباقي الكتل الكردستانية الإسلامية وغيرها هو الذي يحسم من داخله المرشح لرئاسة الجمهورية؛ ففي عام 2014 تنافس كل من الرئيس السابق فؤاد معصوم والرئيس الحالي برهم صالح ليجري الاتفاق في اللحظات الأخيرة داخل البيت الكردي على اختيار معصوم للرئاسة بعد أن بدا أن «الحزب الديمقراطي الكردستاني» بزعامة مسعود بارزاني يدعم معصوم على حساب صالح داخل البيت الكردي.
ونتيجة لانفراط البيوت المكوناتية عام 2018؛ فقد انعكس ذلك على منصبي رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، فبسبب عدم التوافق بين «الديمقراطي» و«الاتحاد» على مرشح واحد، اضطرا إلى الدخول بمرشح لكل حزب («الديمقراطي الكردستاني» رشح فؤاد حسين وزير الخارجية الحالي. و(الاتحاد الوطني) رشح برهم صالح الرئيس الحالي). ومع أن الكتل الشيعية الرئيسية كانت قد تعهدت لزعيم «الحزب الديمقراطي» مسعود بارزاني بأنها سوف تدعم مرشحه، لكن النتيجة أن صالح هو من فاز وبفارق كبير على فؤاد حسين. وبينما عمق فوز صالح على حساب مرشح «الديمقراطي» الأزمة بين الحزبين داخل الإقليم وفي بغداد؛ فإن الأزمة الشيعية بدأت تتعمق حين تفتت البيت الشيعي وتحول إلى كتل عدة برؤى مختلفة، بينما انفردت كل من كتلة «سائرون» المدعومة من زعيم «التيار الصدري» مقتدى الصدر، و«الفتح» بزعامة هادي العامري، بتشكيل حكومة عادل عبد المهدي بعد أن جرى تجاوز العرف الدستوري الخاص بالكتلة الكبرى.
وخلال انتخابات 2021، التي أريد لها أن تكون مبكرة بهدف فك الانغلاق السياسي الذي راحت تعاني منه الكتل السياسية، أدت نتائجها إلى زيادة الخلاف والانغلاق، وترتب عليها بالنتيجة حدوث تحالفات سياسية يهدف بعضها إلى تشكيل حكومة أغلبية وطنية («التيار الصدري» و«الحزب الديمقراطي الكردستاني» و«تحالف السيادة» السني)، بينما يريد بعضها الآخر تشكيل حكومة توافقية («الإطار التنسيقي» و«الاتحاد الوطني الكردستاني»).
وفي هذا السياق، فقد بدأ في غضون اليوميين الماضيين ماراثون جديد من المفاوضات بين الكتل السياسية بهدف الوصول إلى تفاهمات، في وقت تتحدث فيه الأنباء عن جولات مكوكية يقوم بها قائد «فيلق القدس» الإيراني إسماعيل قاآني بين بغداد وأربيل بغرض الوصول إلى تفاهمات بشأن إمكانية استيعاب أكبر عدد من الكتل السياسية، لا سيما داخل «الإطار التنسيقي» الشيعي، في حكومة الصدر «الأغلبية». وطبقاً لشروط الصدر؛ فإنه يوافق على استيعاب قوى «الإطار» باستثناء زعيم «دولة القانون» نوري المالكي.
الشرق الأوسط