ما من بيت شيعي ولكن المشكلة في السلاح

ما من بيت شيعي ولكن المشكلة في السلاح

ليس صحيحا أن هناك بيتا سياسيا شيعيا في العراق. تلك واحدة من فكاهات أحمد الجلبي الذي مات بعد أن رأى كذبة تحرير العراق تتهاوى أمام عينيه.

منذ أن فرض الأميركان على العراقيين نظاما سياسيا قائما على المحاصصة شبيها بالنظام القائم في لبنان استولى مرشحوهم على السلطة باعتبارهم ممثلين لما سُمي بـ”المكونات” التي حلت محل الشعب العراقي الواحد الذي اختفى.

كان مقدرا بالنسبة إلى الأميركان أن يحتل الشيعة باعتبارهم المكون الأكبر الجزء الأكبر من الدولة. ذلك يعني أن الأحزاب الشيعية القديمة والمستحدثة ستكون لها حصة الأسد في ثروة العراق بعد أن صار الفساد هو الميزان الذي يضبط العلاقة بينها. صار لكل حزب من تلك الأحزاب حصته المقررة.

◙ المالكي هو زعيم حزب الدعوة. ولكنه السياسي الوحيد الذي يمكن تقديمه للمحاكمة بيسر بسبب تخليه عن الموصل

ومن أجل ألا تحدث خلخلة في عمل ذلك الميزان نشأ سلام قيل إنه نوع من التضامن العقائدي في ظل دولة الطوائف التي يحاول ممثلو كل طائفة أن يزيدوا من نسبة مكتسباتهم وهو ما نجح الأكراد فيه مستغلين الصراع المفتعل بين الشيعة والسنة والذي كان ذات يوم محور حرب أهلية طحنت الجانبين.

وإذا ما بدأت المقال بإنكار وجود ما يُسمى بالبيت الشيعي فلأن ذلك البيت لم يكن قائما إلا على مستوى الوهم. ذلك لأن الأحزاب الشيعية ومن خلفها الميليشيات التابعة لها أو التابعة بشكل مباشر للحرس الثوري الإيراني لا يربطها مزاج عقائدي واحد وإن كانت تنتسب إلى المذهب الديني نفسه وهو إطار خارجي لا علاقة له بالسياسات التي يتبعها كل حزب.

ولست هنا في حاجة إلى التوضيح في ما يتعلق بامتزاج الشخصي بالعام بحيث تبدو المسافة القائمة بين حزب وآخر كما لو أنها تفصل بين عقيدة وأخرى. وهو ما يمكن خياليا أن يمهد لولادة عقائد جديدة ولكن ذلك في حقيقته مرتبط بالمزاج الشخصي لزعماء تلك الأحزاب. وما الدين أو المذهب سوى واجهة يحتمي بها الجميع.

الشيعة في العراق وفق التوصيف الحزبي ليسوا طائفة واحدة. صحيح أن الطقوس الحسينية تجمعهم غير أن كل شيء آخر يفرقهم. هناك سخرية داخلية من مراجعهم الدينية. حتى علي السيستاني هناك مَن يسخر منه ولا ينظر إليه بطريقة جادة.

الشيعة في العراق هم شيع مختلفة ويمكن أن يؤدي ذلك الاختلاف إلى اقتتالهم إن تضاربت مصالحهم. وقبل الاحتلال وظهور الشيعية السياسية إلى العلن واستلامها السلطة كان هناك اختلاف معلن بين شيعة إيران في العراق والشيعة العرب.

حاولت الأحزاب والميليشيات أن تطوي خلافاتها مؤقتا، فالفريسة لا تنتظر. ومن أجل تلك الفريسة تستحق أن تُطوى تلك الخلافات البكائية. ذلك ما نجحت فيه عبر السنوات الماضية وهي مطمئنة إلى أن الحماية الأميركية ــ الإيرانية ستبقيها في حالة استرخاء. لقد وقعت أحداث يمكن اعتبارها استثناء مثل خروج السيد مقتدى الصدر غاضبا بجماهيره من أجل احتلال المنطقة الخضراء وهي منطقة الحكم.

ذلك ما لا يمكن القياس عليه اليوم.

◙ الأحزاب الشيعية القديمة والمستحدثة ستكون لها حصة الأسد في ثروة العراق بعد أن صار الفساد هو الميزان الذي يضبط العلاقة بينها

انتصار التيار السياسي الذي يتزعمه مقتدى الصدر لا يعتبر انتصارا للبيت الشيعي. بل هو هزيمة للجزء الأعظم من ذلك البيت. تلك الهزيمة فضحت الكذبة. بالرغم من أن ميليشياتهم تحتل الشارع فإن الحزبيين الشيعة المقربين من إيران سيكون عليهم أن يغادروا المنطقة الخضراء في وقت قريب. ذلك ليس توقعا مجانيا بل هي الفكرة التي تُخيف الأحزاب والميليشيات التابعة لإيران. هل سنعود إلى الصراع بين شيعة إيران والشيعة العرب في العراق؟

أعتقد أننا اليوم في خضم ذلك الصراع.

لا يحتاج الصدر إلى تذكير العراقيين بفساد نوري المالكي بالرغم من أنه لم يذكره بالاسم حتى هذه اللحظة. ولكن الأحزاب والميليشيات الشيعية التي خسرت في الانتخابات لا تتخلى عن المالكي مخافة أن يتم استضعافها. فالمالكي هو زعيم حزب الدعوة. ولكنه السياسي الوحيد الذي يمكن تقديمه للمحاكمة بيسر بسبب تخليه عن الموصل بعد أن أمر الجيش العراقي وهو القائد العام للقوات المسلحة بالانسحاب من غير قتال وترك أسلحته الحديثة هدية للتنظيم الإرهابي.

يتصرف الصدر اليوم كما لو أنه ليس هناك شركاء شيعة. هم في الحقيقة لم يكونوا شركاء سوى في اقتسام الفريسة. سمحت له السياسة أن يقف وحده أمامهم باعتباره خصما. “لن أبحث عن ند بينكم” تلك جملته وهو يستعد لإحالتهم إلى التقاعد. ما من أحد يصلح للحكم ولكن المشكلة تكمن في السلاح. ما من أحد يضمن الصلح مع السلاح.

صحيفة العرب