ذكرى اغتيال الحريري.. صمت يعكس تراجع دور السنة في لبنان

ذكرى اغتيال الحريري.. صمت يعكس تراجع دور السنة في لبنان

للمرة الأولى منذ 17 عاما تحل ذكرى اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق رفيق الحريري، في “صمت”، دون حفل سياسي ضخم كما جرت العادة، ما يعكس الحالة السياسية لـ”تيار المستقبل” بعد قرار زعيمه سعد الحريري مؤخرا بتعليق عمله السياسي.

عدم إحياء الذكرى يطرح علامات استفهام إضافية حول مصير دور المكون السني في البلاد، وتأثره بتعليق الحريري عمله السياسي، وهو رئيس كتلة “المستقبل” النيابية التي تضم أكبر تجمع للنواب السنة بالبرلمان.

واغتيل رفيق الحريري في 14 فبراير/ شباط 2005، جراء انفجار استخدمت فيه 1800 كيلو غرام من مادة “تي إن تي”، مع 21 شخصا آخرين، بينهم وزير الاقتصاد باسل فليحان، الذي كان برفقة الحريري في سيارته.

وعام 2020، أدانت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان غيابيا، سليم عياش، وهو عضو في “حزب الله” (حليف إيران والنظام السوري) بعملية الاغتيال، بينما برأت 3 متهمين آخرين ينتمون للحزب، ورأت أنه لا دليل على أن “قيادة حزب الله” كان لها دور في عملية الاغتيال.

وقبل اغتيال والده، لم يكن سعد الحريري معروفا، إلا أن الحادثة أدخلته معترك السياسية عام 2005، وأصبح حينها من أبرز شخصيات قوى “14 آذار” (المناهضة لمحور إيران – حزب الله – سوريا) ويتمتع بعلاقات دولية واسعة.

انتُخب سعد الحريري للمرة الأولى عام 2005 نائبا في البرلمان، ثم أعيد انتخابه في 2009، كما انتُخب للمرة الثالثة في 2018، مع تراجع شعبية كتلته من 35 إلى 20 نائبا، كما تولى رئاسة الحكومة 3 مرات آخرها عام 2019.

الدور السني واختلال التوازنات

الحديث عن تراجع الدور السني يفتح بابا لاختلال التوازن السياسي في البلاد وتأثيره على المنطقة، في ظل الخلافات بين بيروت ودول عربية عدة لا سيما الخليجية منها، حيث ترى جهات داخلية وخارجية أن لبنان تحت سيطرة النفوذ الإيراني.

وفي يناير/كانون الثاني الماضي، أعلن الحريري للمرة الأولى منذ 2005 “تعليق” نشاطه السياسي وعدم الترشح للانتخابات النيابية (في 15 مايو/أيار المقبل) أو تقديم أي ترشيحات من “تيار المستقبل” الذي يتزعمه.

وأعرب الحريري حينها خلال مؤتمر صحافي، عن اقتناعه، بأنه “لا مجال لأي فرصة إيجابية للبنان في ظل النفوذ الإيراني والتخبط الدولي، والانقسام الوطني واستعار الطائفية واهتراء الدولة”.

وبحسب مصادر مطلعة، فإن قرار عدم تنظيم حفل مركزي وجماهيري لإحياء “ذكرى 14 شباط”، ينسجم مع تعليق الحريري عمله السياسي.

لكن خبراء يرون أن غياب الحفل بهذه المناسبة، يصب في خانة استكمال تراجع الدور السني السياسي بالبلاد، فيما يؤكد آخرون أن هذا الدور لا يمكن أن ينتهي بالرغم من التقلبات الحاصلة.

طبيعة المرحلة المقبلة

قال المحلل السياسي علي حمادة، إن إحياء الذكرى السنوية لاغتيال الحريري لطالما كانت تحمل طابعا سياسيا، حيث كان يحتشد آلاف الأشخاص في بيروت تأييدا لـ”تيار المستقبل”، وهذا ما لم يحصل هذا العام.

وأوضح حمادة، أن عدم تنظيم حفل مركزي بهذه الذكرى كما جرت العادة، يتماشى مع قرار سعد الحريري بتعليق عمله السياسي.

ولفت أن هذا الواقع “يعكس طبيعة المرحلة المقبلة التي قد يكون فيها الحريري منكفئا عن السياسة وخارج البلاد”.

تشتت الدور السني

بدوره، أفاد المحلل السياسي، محمد سلام، بأن “عدم إحياء الذكرى بحفل شعبي وسياسي، هو استكمال لضياع الدور السني في لبنان مع الأسف”.

وقال سلام، إنه “لطالما شكلت ذكرى 14 شباط مناسبة للالتفاف بين اللبنانيين على بعضهم، إلا أن عدم إحياء هذه الذكرى بالشكل المطلوب يضعف القضية”.

وأردف: “هذا الواقع يؤسس لتشتت الدور السني وتراجعه في البلاد، ويضعف الساحة السنية ويجعلها غير متماسكة”.

بهاء الحريري

لكن جيري ماهر، المستشار الإعلامي لرجل الأعمال بهاء الحريري، الشقيق الأكبر لسعد، رفض الحديث عن تراجع للدور السني، مؤكدا أن مسيرة رفيق الحريري ستستمر مع نجله الأكبر بهاء.

وقال ماهر، إن “الدور السني في لبنان دائما موجود ولا يمكن أن ينتهي أو يتغير، صحيح يحصل بعض التقلبات في السياسة، إلا أن السنة في البلد موجودون على مر التاريخ”.

وأضاف: “صحيح أنهم (السنة) خسروا سندا كبيرا لهم باغتيال رفيق الحريري، إلا أن هذه الطائفة استمرت بعد استشهاده، وستكمل بإذن الله على نهجه ومسيرته مع نجله الأكبر بهاء الحريري”.

وأردف: “مشروع بهاء الحريري هو الذي تحدث عنه قبل أسبوعين، وهو استكمال مشروع ومسيرة والده، ولن يكون هناك أي ضعف أو تراجع عند الطائفة السنية في لبنان”.

وتابع: “الأهم أن بهاء الحريري يؤمن بطائفة “الوطن” التي تجمع كل اللبنانيين من كل الطوائف، وخسارة رفيق الحريري كانت خسارة لكل اللبنانيين وليس خسارة للطائفة السنية”.

وفي 28 يناير/كانون الثاني الماضي، قال بهاء الحريري: “سأستكمل مسيرة والدي، وأي تضليل أو تخويف من فراغ على مستوى أي مكون من مكونات المجتمع اللبناني يخدم فقط أعداء الوطن”.

وأضاف في تصريح صحافي: “بالشراكة والتضامن سنخوض معركة استرداد الوطن وسيادته من محتليه (دون تسميتهم)”.

(الأناضول)