رئيس الحكومة الليبية يتحرك بأثر رجعي: إجراء الانتخابات لم يعد مهمة مستحيلة

رئيس الحكومة الليبية يتحرك بأثر رجعي: إجراء الانتخابات لم يعد مهمة مستحيلة

طرابلس- يحاول رئيس الحكومة الليبية المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة إرسال رسائل إلى الليبيين والمجتمع الدولي مفادها أن تنظيم الانتخابات ليس مهمة مستحيلة وأنه قادر على تنظيمها خلال أشهر، وهو ما يدفع مراقبين إلى التساؤل عن سبب تأجيلها طالما أن الأمر بهذه البساطة؟ ولماذا لم يتخذ هذه الخطوة خلال فترة ولايته؟ وهو ما يعزز الشك في أنه تعمد تعطيلها بإصراره على المشاركة فيها رغم العراقيل القانونية ورغم تعهده بعدم الترشح.

وانتُخبت حكومة الدبيبة قَبْل نحو سنة مِنْ قِبَل ملتقى الحوار السياسي وأوكلت إليها مهمة التحضير للانتخابات التي كان من المفترض أن تجرى في الرابع والعشرين من ديسمبر الماضي.

خالد المشري يتهم الدبيبة بشنّ حملة موجهة ضد مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة

وقال الدبيبة السبت إن لديه خطة لإجراء الانتخابات التشريعية والاستفتاء على الدستور خلال تاريخ واحد، في حين لم يتطرق إلى الانتخابات الرئاسية، وهو ما أعاد إلى الأذهان محاولات سابقة اتهم الدبيبة بالوقوف خلفها للدفع باتجاه إجراء انتخابات تشريعية فقط لانتخاب برلمان جديد يقوم بانتخاب رئيس البلاد.

وحدد يوم السابع عشر من فبراير موعدًا للإعلان عن خطة سياسية تحت عنوان “عودة الأمانة للشعب” وتتعلق بالانتخابات التشريعية والاستفتاء على الدستور، مشيرًا إلى أنه بالإمكان أن “تجرى الانتخابات التشريعية والاستفتاء على الدستور في تاريخ واحد”. وقال الدبيبة “قطار الانتخابات انطلق ولن يتوقف إلا بسلطة شرعية منتخبة، استمروا في رفع الصوت عاليًا، لا للتمديد.. نعم للانتخابات”.

وأضاف رئيس حكومة الوحدة الوطنية أن “طبقة سياسية سيطرت على ليبيا خلال الأعوام العشرة الماضية واستحوذت على المال والقرار، وهي الوجوه نفسها التي تتحارب ثم تتقاسم الغنيمة”. وأعاد الدبيبة وصف ما حدث في البرلمان خلال جلسة الخميس بأنه “عبث يشوبه التدليس والتزوير من قلة من المجلس تسيطر عليه بالمغالبة وانعدام الشفافية والنزاهة”.

وقبل ذلك تحدث الدبيبة مساء الخميس عن مبادرة قال إنها عبارة عن “أفكار وتصورات” جمَّعها من خلال أحاديث مع العديد من الأطراف، وتقود إلى إجراء انتخابات قبل يونيو.

وجاءت مبادرة الدبيبة ردا على العملية السياسية التي قادها البرلمان ومجلس الدولة لتغيير الحكومة، حيث تم تكليف وزير الداخلية السابق فتحي باشاغا بتشكيل حكومة جديدة والذي تعهد بتنظيم الانتخابات خلال سنة كما تعهد بعدم الترشح للانتخابات.

ويقول مراقبون إن الدبيبة يدرك جيدا أن مصير مبادرته سيكون الفشل، لاسيما بعد أن أعلن رئيس مجلس الدولة خالد المشري أن المجلس يؤيد تغيير الحكومة، وهو ما يثير سؤال: لمن سيقدم الدبيبة مبادرته؟ ويتوقع هؤلاء أن يلجأ الدبيبة إلى استخدام أعيان وشيوخ بعض القبائل لإيهام العالم بأن الليبيين يقفون إلى جانبه، خاصة وأنّ من الواضح أنه يستغل التذمر الشعبي من تمترس البرلمان ومجلس الدولة في السلطة.

ويرى المراقبون أن تصريحات الدبيبة -خاصة التي ركز فيها على سعي البرلمان ومجلس الدولة للبقاء في السلطة- لا تقول إلا شيئا واحدا؛ إنه أيضا يحق له أن يستفيد من الفوضى ويبقى في السلطة لفترة أطول. ولفتوا إلى أن الدبيبة وإن قدم التمويلات اللازمة لمفوضية الانتخابات إلا أنه كان يتصرف هو وفريقه الحكومي بشكل يوحي بأنه باق في السلطة لسنوات.

وحاول الدبيبة حتى الساعات الأخيرة التي سبقت انتخاب باشاغا من قبل البرلمان اختراق التوافق بين البرلمان ومجلس الدولة على تغيير حكومته؛ حيث اجتمع مع عدد من أعضاء مجلس الدولة الأحد في محاولة لاستمالتهم وإقناعهم بوجوب الوقوف ضد تعيين باشاغا رئيسا للحكومة.

ودافع رئيس مجلس الدولة، وهو بمثابة غرفة ثانية للبرلمان ومقره طرابلس، السبت عن تعيين مجلس النواب المنعقد في الشرق رئيسا جديدا للوزراء. وأشار خالد المشري إلى أن النصّ المصاحب للتصويت بمنح الثقة لحكومة عبدالحميد الدبيبة في مارس الماضي “نصَّ في المادة الثانية على أن تكون مدة حكومة الوحدة الوطنية أقصاها 24 ديسمبر 2021”.

وأضاف في تصريح متلفز أن تعيين باشاغا خلفا للدبيبة يستند إلى ذلك النص وبناء على “توافق بين المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب”.

واتهم المشري حكومة الدبيبة بشنّ حملة موجهة ضد مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، متخذا بذلك مسافة بينه وبين الحكومة في طرابلس ومتجاوزا الانقسامات التقليدية بين شرق البلاد وغربها.

وينظر الليبيون إلى الدبيبة على أنه يعرقل فرصة تاريخية لتجاوز الخلافات بين الشرق والغرب وتوحيد البلاد تحت سلطة حكومة واحدة بقيادة باشاغا. ومنذ وصوله إلى السلطة حرص الدبيبة على افتعال المشاكل مع القائد العام للجيش المشير خليفة حفتر الذي صوت النواب المحسوبون عليه لصالح الدبيبة في محادثات جنيف لتشكيل سلطة تنفيذية جديدة، وهو ما بدد التفاؤل الذي أحاط بوصوله إلى السلطة حيث كان من المؤمل أنه سينهي الانقسام ويؤسس لوحدة ليبية حقيقية.

ولا يستبعد مراقبون أن يصل الارتباك بالدبيبة إلى حد الإعلان عن حرب ضد المجموعات المسلحة المحسوبة على فتحي باشاغا في العاصمة، وهو ما من شأنه أن يقطع مع ما روجه عن نفسه طيلة الأشهر الماضية بأنه رجل سلام وأن مهمته تحويل خيام العزاء إلى خيام أفراح.

ووصلت أرتال مسلحة تضم مقاتلين من مصراتة ومدن الجبل الغربي إلى العاصمة طرابلس السبت لدعم الدبيبة، وهو ما أوحى بأن الخطوة المقبلة ستكون منع باشاغا -الذي نزل مساء الخميس في مطار معيتيقة وظهر في مؤتمر صحافي من قاعة التشريفات في المطار- من العودة مجددا إلى العاصمة.

العرب