كردستان العراق: هل تصبح “إسبرطة الصغيرة” في الشرق الأوسط؟

كردستان العراق: هل تصبح “إسبرطة الصغيرة” في الشرق الأوسط؟

عندما يريد مسؤولو الدفاع الأمريكيون الثناء على شريك عسكري ناشئ، غالباً ما يستعملون عبارة “إسبرطة الصغيرة” (أو سبارتا باليونانية)تيمّناً بدولة المدينة الإغريقية القديمة التي كانت محط احترام ووقار بفضل جيشها القليل العدد إنما العالي القدرة. ولكن هذه العبارة باتت تستخدم في الآونة الأخيرة للإشارة إلى الإمارات العربية المتحدة.

واليوم تسعى كردستان العراق جاهدة لتصبح “إسبرطة الصغيرة” التالية. فلطالما كانت القوات القتالية الكردستانية المعروفة بالبشمركة محط استحسان وثقة لدى الجيش الأمريكي. وها هي كردستان العراق تظهر كمنصة لا مثيل لها تنطلق منها العمليات التي يشنها الغرب ضد تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش») حيث توفّر لهذه العمليات قواعد آمنة مع سهولة النفاذ إلى الموصل وشرق سوريا وأكثر من ألف كيلومتر من الجبهة الأمامية لتنظيم «الدولة الإسلامية» داخل العراق.

وقد شهد الأسبوع الثالث من تشرين الثاني/نوفمبر الحالي جولةً قام بها وفد كردي رفيع المستوى في العاصمة واشنطن حيث مارس ضغوطاً على قادة الكونغرس ومراكز الأبحاث ملتمساً دعمهم لتوطيد أواصر العلاقات العسكرية بين الولايات المتحدة و «حكومة إقليم كردستان» بشكل جذري. وفي الوقت الحالي، تواصل واشنطن تقديم النسبة الكبرى من دعمها بالأسلحة والتدريب لـ «حكومة إقليم كردستان»، فقط بعد التشاور مع وزارة الدفاع العراقية وموافقتها. وفي الواقع أن هذا الاعتراف بالسيادة العراقية أتاح سابقاً لبغداد تأخير أو حتى عرقلة التعاون الأمني الأمريكي مع الأكراد.

“رأي الكونغرس”

في العاشر من تشرين الثاني/نوفمبر، قام أحد كبار أعضاء الكونغرس الأمريكي ورئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي إد رويس بطرح قرار يعبّر عن “رأي الكونغرس” حيث دعا الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى “تزويد «حكومة إقليم كردستان» مباشرةً بالأسلحة التقليدية المتقدمة وبالتدريب والخدمات الدفاعية بصورة عاجلة ومؤقتة.” ويحث مشروع القرار الرئيس بوضوح على “قبول شهادات المستخدم النهائي التي اعتمدتها «حكومة إقليم كردستان»” من أجل السماح لهذه الحكومة بأن تستلم مباشرةً المعدات الأمريكية من “أسلحة مضادة للدروع، وآليات مدرعة، ومدافع طويلة المدى، وذخائر ونظم أسلحة يستلزم تشغليها طاقم عمل، وتجهيزات آمنة للقيادة والتواصل، وخوذات، ودروع واقية للبدن، ومعدات لوجستية، ومعدات دفاعية فائضة، وغير ذلك من المساعدات العسكرية التي يعتبرها الرئيس مناسبة”، وذلك لمدة ثلاث سنوات.

ويشار إلى أن عضواً آخر من كبار أعضاء الكونغرس، هو دانا روراباكر، كان قد طرح تشريعاً مماثلاً في 19 أيلول/سبتمبر، علماً بأن هذا التشريع لا يزال بانتظار أن تراجعه لجنة الشؤون الخارجية لمجلس النواب الأمريكي. وفي حين أن أيّاً من هذه التطورات لن يرغم الحكومة الأمريكية على شيء، إلا أنها تزيد من صخب الأصوات التي تطالب الولايات المتحدة بالتخلي عن سيادة التحفظ التي تنتهجها حيال استقلالية كردستان العراق وبسلك الدرب المعاكس.

وجدير بالذكر أنه في السابع من تشرين الثاني/نوفمبر، طلب الرئيس أوباما من الكونغرس مبلغ 1،6 مليار دولار لتدريب تسعة ألوية من الجيش العراقي وثلاثة من البشمركة كمستهلٍّ للمساعي التي تهدف إلى استرجاع الموصل خلال العام 2015 بعد أن كانت «داعش» قد أعلنتها عاصمةً لها. هذا ويجري حالياً إنشاء موقع تدريب أمريكي يشمل قاعدة جوية في مطار باشور بالقرب من بلدة حرير في منطقة «حكومة إقليم كردستان».

جهود أمريكية أكبر

يريد الأكراد أن تقوم الولايات المتحدة ببذل جهود أكبر بكثير من أجل تدريب أكثر من 12 لواء من البشمركة، وفي جعبتهم ما سيلفت انتباه المشرعين الأمريكيين. فبين عامي 2003 و 2011، ساعدت الولايات المتحدة «حكومة إقليم كردستان» على تطوير ثمانية من ألوية البشمركة التابعة لها وذلك بمساعدة أمريكية قيمتها 92 مليون دولار فقط. وفي المقابل، أقامت الولايات المتحدة 109 ألوية في العراق الاتحادي بكلفة تجاوزت 25 مليار دولار.

ويعني ذلك أن المعدل المستثمر في كل لواء من ألوية «حكومة إقليم كردستان» بلغ 11،5 مليون دولار مقابل 229،3 مليون دولار لكل لواء من ألوية العراق الاتحادي. واليوم لا تزال الوحدات الكردية التي ساعدتها الولايات المتحدة بمنأى عن التدهور في حين تفكك نحو ربع القوات الاتحادية.

وفي هذا السياق، سيجادل المعارضون لسعي «حكومة إقليم كردستان» إلى إقامة علاقة أمنية مباشرة مع الولايات المتحدة بأن تجاوز سلطة بغداد قد يسرّع عملية تفكك العراق، حيث سيصبح على سبيل المثال سابقةً بالنسبة للمناطق السنية العراقية لاستلام الأسلحة والتدريب مباشرةً من الدول المجاورة. كما أن الحكومة الأمريكية ستتردد في إضعاف مكانة وزير الدفاع الجديد خالد العبيدي، وهو سني عربي من الموصل، الذي قام بزيارة إلى وزارة البشمركة التابعة لـ «حكومة إقليم كردستان» في الثالث من تشرين الثاني/نوفمبر من أجل التباحث في مسألة التعاون المتبادل. وقد أبدى الوزير العبيدي حتى الآن موقفاً مؤيداً للخطة الأمريكية الرامية إلى تدريب ألوية البشمركة وكذلك لالتزام ألمانيا بتقديم العتاد الكافي لتجهيز لواءين من البشمركة، مع العلم بأن الكمية الكبرى منها وصلت إلى أربيل دون أي عرقلة من بغداد.

ومن الممكن أن يحاول الأكراد التغلب على الاعتراضات الأمريكية من خلال عرض تعاونهم في المسائل الجوهرية. فأي تقدم مستقبلي للبشمركة لتطويق الموصل أو وضع حد للحركات الإرهابية على طول الحدود السورية العراقية قد يشترط زيادة المعدات والتدريبات التي تقدمها الولايات المتحدة. ولا بد للأكراد أن يوفروا أيضاً قواعد تدريب لواءين جديدين تابعين للحكومة الاتحادية يتم جمعهما من العناصر الذين تبقّوا من الجيش العراقي المدمر ووحدات الشرطة المشرذمة في المناطق الواقعة تحت سيطرة «حكومة إقليم كردستان».

الطريق إلى حكم ذاتي فعلي

إذا استغلت أربيل هاتين الحسنتين، قد تتمكن من التوصل إلى علاقة أمنية أكثر مباشرةً مع الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية الشريكة، الأمر الذي سيعتبر حدثاً هاماً آخر على الطريق نحو الاستقلالية الفعلية. وبموازاة علاقاتها الأمنية مع الدول الأجنبية، تخطو «حكومة إقليم كردستان» خطىً حثيثة لكي تصبح مستقلة اقتصادياً.

وتأتي الاتفاقية المؤقتة لتقاسم الإيرادات التي أعلن عنها رئيس وزراء «حكومة إقليم كردستان» نيجيرفان بارزاني ووزير النفط العراقي عادل عبد المهدي في 14 تشرين الثاني/نوفمبر لتبيّن أن بغداد ترى – على مضض – أن التعاون في تصدير النفط الخام من «حكومة إقليم كردستان» وكركوك أفضل من إبقاء عقوباتها الاقتصادية المفروضة على أربيل.

وعلى الرغم من أن الميزانية العراقية الاتحادية لعام 2015 ستستثير مفاوضات صعبة حولها، إلا أن الحصيلة المحتملة هي أن تخرج هذه المفاوضات باتفاق يسمح ضمنياً للأكراد ببيع نحو نصف مليون برميل من النفط يومياً بشكل مستقل خلال العام المقبل. وفي هذا الإطار تجهّز «حكومة إقليم كردستان» تشريعاً لتمويل الديون يدعم جهودها الحثيثة لأخذ القروض السيادية من المصارف الدولية مع طرح عائداتها النفطية كضمانة لتلك القروض.

وهذا أقرب ما يكون لكيان الدولة المستقلة، لكن التسمية مختلفة فحسب. وهذا أمر قد يكتفي به أكراد العراق في الوقت الراهن. بالإضافة إلى ذلك، قد تجد دول المنطقة أن هذا الترتيب أقل تهديداً من الاستقلال الكردي التام والشرعي.

مايكل نايتس هو زميل ليفر في معهد واشنطن. وقد نُشر هذا المقال في الأصل من على “موقع الجزيرة”.

http://goo.gl/VqH4MG

الكلمات المفتاحية: كردستان العراق،الحركات الإرهابية، داعش،الولايات المتحدة،المصارف الدولية.