لم تجد إسرائيل ردا مناسبا على فشل نظامها الشهير للدفاع الجوي (القبة الحديدية) في إسقاط طائرة استطلاع مسيّرة لـ«حزب الله» اللبناني سوى إرسال طائرات مقاتلة حربية إلى أجواء لبنان لتطير على علوّ منخفض فوق العاصمة بيروت، في نوع من التهديد الذي لا يغيّر من واقع مستجدّ عبر عنه زعيم الحزب في خطاب قبل يومين من الحادثة أشار فيه إلى البدء بتصنيع مسيرات في لبنان وتحويل الصواريخ التي يملكها حزبه إلى صواريخ دقيقة.
تعود برامج تطوير المسيّرات إلى السنوات التي تلت الحرب العالمية الأولى التي حصدت أرواح قرابة تسعة ملايين جندي في حروب الخنادق، وكانت الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا، خلال العهد النازي، قد بدأتا التجارب الأولى على هذه الفكرة، واستعملها الأمريكيون، في صيغها الأولى، أثناء حرب فيتنام للمشاركة في القتال وإطلاق الصواريخ والاستطلاع ورمي المناشير.
كانت القوى العسكرية العظمى وحدها القادرة على إنتاج واستخدام هذه المسيّرات، وتطويرها إلى درجة كبرى من الدقة، واستخدمها الأمريكيون في «الحرب ضد الإرهاب» كونها تسمح لهم باختراق الأجواء السيادية للدول، وبعد 56 هجوما في عهد جورج دبليو بوش، قامت إدارة باراك أوباما باستخدامها في 560 هجوما، وأدت كثافة هذه الهجمات، وضعف المعلومات الاستخبارية الأمريكية إلى وقوع ضحايا مدنيين، كان منهم 15 قتلوا في قافلة عرس في اليمن عام 2013، و10 أشخاص قتلوا في هجوم على مركبة في أفغانستان العام الماضي.
شهد هذا السلاح نقلة هائلة تمثّلت في التوسع الهائل لعدد مستخدميه من الدول والمنظمات، وبعد أن كان سلاحا محصورا بقوى تكنولوجية كبرى فقد أصبحت هناك دول أشبه بقوى عظمى في هذا المجال، كما هو الحال في تركيا وإيران. هناك 102 دولة لديها برامج مسيّرات في العالم، وهناك 63 منظّمة عسكرية تمتلك هذا السلاح.
كانت هجمات جماعة الحوثي في اليمن على السعودية والإمارات إحدى الإشارات الكبيرة لأثر المسيّرات في تغيير المعادلات العسكرية في العالم، وهناك مظاهر أخرى تدلّ على اتساع دائرة تأثيره العالمية، كما حصل في محاولة اغتيال الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو عام 2018، وكذلك الهجوم على منزل رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي العام الماضي، وفي أذربيجان ضد أرمينيا، وفي أثيوبيا ضد قوات التيغراي المتمردة، وقد فشلت منظومات الدفاع الروسيّة في صد المسيّرات التركية في سوريا وليبيا.
ليس هناك إحصاء دقيق لعدد الهجمات بالمسيّرات كل عام، ومن الصعب، في كثير من الظروف، معرفة من الذي استخدم تلك المسيّرات أو الموقع الذي أطلقت منه (كما حصل في الهجوم على مواقع النفط السعودية عام 2019). يضاف إلى ذلك أن التصدّي لهذا السلاح مكلف جدا وغير مجد ولا يمكن وقفه بشكل كامل، وحسب قادة عسكريين أمريكيين، فإن الغرب خسر الحرب الجوية تكتيكيا، وهو إقرار أن إحدى معادلات الحروب قد تغيّرت.
القدس العربي