في الأسابيع المقبلة سيزور رئيس الدولة هرتسوغ ثلاث دول مجاورة في شرق البحر المتوسط: اليونان، وقبرص، وتركيا، سيكون مطالباً، مثل الدبلوماسية الإسرائيلية كلها، بتجنيد كل كفاءاته كي يتصرف مع الجيران الذين بينهم علاقات مشحونة ومتوترة.
تركيا لاعب إقليمي بارز، نشاطها يلمس، وأحياناً يتناقض، مع المصالح الإسرائيلية. حتى 2010 اتسع التعاون الأمني بين الدولتين، بل وأودعت إسرائيل في أيدي الأتراك وساطة سياسية بينها وبين سوريا. قضية مرمرة في أيار 2010 وضعت حداً لهذا الفصل الغني والمشوق في العلاقات بين الدولتين، حيث إنه إلى جانب الانخفاض في صفقات السلاح، والتدريبات الجوية المشتركة والسياحة، شطب عن جدول الأعمال مشروع تسويق الغاز الطبيعي من شواطئ إسرائيل إلى أوروبا بواسطة منظومة تسيير موجودة في تركيا. اليونان تعوض بقدر كبير عن ضياع تركيا كشريك استراتيجي، أمني واقتصادي؛ فهي (اليونان) وقبرص عضوان في الاتحاد الأوروبي، وفي العقد الأخير، حيث توقف الحوار على المستوى السياسي الأعلى بين بروكسل والقدس على نحو شبه تام، أصبحت اليونان وقبرص شرياناً التفافياً حمانا من قرارات معادية لإسرائيل في الاتحاد الأوروبي. كما أن حكومة اليونان صادقت لسلاح الجو الإسرائيلي أن يتدرب في مجالها الجوي، ووسعت وصناعة الأمن نشاطها في الدولة.
ينبغي أن يضاف للبعد الإقليمي للعلاقات بين اليونان وقبرص منتدى الغاز لشرق البحر المتوسط، الذي أنشئ بشكل رسمي في 2020 وضم أيضاً إيطاليا، ومصر، والأردن، والفلسطينيين، وتعمل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي كمراقبين. المنظمة مبنية على مصلحة مشتركة لمنتجات الغاز؛ أي إسرائيل ومصر والفلسطينيين أيضاً مستقبلاً، لنقل الغاز الطبيعي الذي في حوزتهم للمستهلك الأوروبي، في ظل استخدام منشآت التسييل في مصر أو في الأنبوب البحري الذي سيمدد من شواطئ البحر المتوسط إلى اليونان، ومن هناك إلى مقاصد في أوروبا. في العقود القادمة؛ أي حتى يكف العالم عن استخدام النفط والغاز، سترغب الدول المنتجة لهذه المقدرات في استغلال معظم المخزونات التي تحت تصرفها دون أن تتورط في سياقات إنتاج ونقل، تكون جدواها الاقتصادية والأمنية والسياسية موضع شك. خطوط النقل عبر تركيا هي الأسلم من ناحية اقتصادية، ولكن السلوك السياسي التركي الإشكالي – في نظر إسرائيل وفي نظر مصر أيضاً – قلل الجدوى السياسية، وربما المالية أيضاً، لهذا البديل.
إن زيارة مستشار الرئيس أردوغان ونائب وزير الخارجية التركي إلى القدس، تدل على استعداد أنقرة لإعادة النظر في العلاقات مع إسرائيل، بعد أكثر من عقد من العلاقات العكرة. ومع ذلك، لن ننسى تصريحات رؤساء الحكم التركي ضد إسرائيل، والنشاط التركي المعادي في البؤرة الدينية والسياسية الحساسة مثل الحرم، ولكن ثمة فحص يستوجب إمكانية ترميم العلاقات. مثل هذا التحسن، إذا ما حصل، يجب ألا يأتي على حساب الذخائر الاستراتيجية، والسياسية، والاقتصادية، والأمنية التي بنتها إسرائيل مع جيران آخرين في شرق البحر المتوسط في أثناء سنوات الدرك الأسفل في علاقات إسرائيل وتركيا. هذه رسالة يفضل أن ينقلها الرئيس هرتسوغ إلى مضيفيه في أثينا في نهاية الأسبوع.
بقلم: عوديد عيران
القدس العربي