إيران والخطوة الأخيرة

إيران والخطوة الأخيرة

تستمر المتابعات الإعلامية والمواقف السياسية لمعرفة آخر تطورات وتفاعلات نتائج الحولة الثامنة للحوار الجاري في العاصمة النمساوية فيينا بخصوص البرنامج النووي الإيراني والأبعاد الميدانية التي ستحقق بعد انتهاء جولة المفاوضات وانعكاساتها على الوضع الإقليمي والدولي في منطقة الشرق الأوسط والأبعاد السياسية التي تلقي بظلالها على طبيعة عودة إيران لدورها الاقتصادي في سوق الطاقة وكيفية معالجة انتهاء آثار الحصار على إمكانية ضخ كميات إضافية من النفط والغاز الإيراني للسوق العالمية في خضم الصراعات الدائرة في العالم خاصة بعد الحرب القائمة بين روسيا الاتحادية وأوكرانيا والعقوبات الدولية التي فرضتها الإدارة الأمريكية والدول الأوربية على موسكو ، ورغم جميع هذه التداعيات ولكن الموقف الإيراني لا زال متمسكا بشروطه بعيدا عن كيفية إيجاد مفاتيح للخروج من هذه الأزمة السياسية والاقتصادية في ضوء المعاناة اليومية والعجز الواضح للميزانية المالية الإيرانية وسوء الظروف المعاشية التي يعيشها أبناء الشعوب الإيرانية، بحيث بدأت الأوساط الدينية المؤثرة تدعو إلى اعتماد مبدأ( الواقعية ) في إدارة دفة المفاوضات الجارية بين واشنطن والدول الأوربية وإيران، فهذا احمد حاتمي خطيب الجمعة في طهران بطلب يوم ٢٥ شباط ٢٠٢٢ من أعضاء الوفد الإيراني المفاوض التعامل وفق المصالح الإيرانية ومراعاة الوضع الاقتصادي والحاجة الإنسانية للايرانيين والعمل على رفع العقوبات الاقتصادية وتقريب وجهات النظر وصولا إلى اتفاق يرضي جميع الأطراف، والمعلوم لدينا أن مفردات ومواضيع خطبة الجمعة يحددها ويشرف عليها مكتب المرشد الأعلى علي خامنئي وتمثل رؤيته وطبيعة توجهاته في تحديد سياسة إيران الخارجية والداخلية .
يبقى الوفد المفاوض محدد في كثير من اتجاهاته حول المضي نحو الرفع الكامل للعقوبات مع اشتراط عدم انسحاب الجانب الأمريكي مستقبلا من أي اتفاق مشترك يتفق عليه المفاوضون والا فإن الجانب الإيراني سيمضي قدما في عملية زيادة نسبة تخصيب اليورانيوم واتساع كمية المخزون لديه، وأكد هذا المبدأ حديث( سعيد خطيب زادة) الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الإيرانية باشارته يوم ٢٥ شباط ٢٠٢٢ إلى أن هناك ثلاث قضايا لازالت عالقة في المباحثات الجارية بخصوص البرنامج النووي وهي عدم قبول إيران بتحديد مهلة زمنية نهائية لانهاء الاتفاق واستمرار المفاوضات حتى تحقيق النتائج المرضية لجميع المفاوضين وبما يعزز المصالح القومية الإيرانية والحفاظ على مكتسبات الشعوب الإيرانية في مجال الطاقة النووية واكتساب الخبرات واستخدامها للأغراض السلمية حسب ادعاء الوفد الإيراني، مع إسقاط جميع المزاعم ذات الدوافع السياسية التي تسعى إليها الوكالة الدولية للطاقة الذرية بخصوص نشاطات إيران النووية.
تبقى الأمور الجوهرية والأساسية في استمرار الحوار هي الاساس في تحديد وجهات النظر المختلفة، فالجانب الأمريكي لا يزال يرى أن المخزون من اليورانيوم المخصب وأجهزة الطرد المركزي تشكل خروجا عن بنود اتفاق العمل المشترك عام ٢٠١٥ بعد الإعلان الإيراني عن وصول نسبة تخصيب اليورانيوم إلى ٢٠% والاتجاه القادم إلى نسبة ٦٠% في حين أن اتفاق ٢٠١٥ قد حدد نسبة التخصيب ب٣،٦٧ ، وهذا ما عززه كلام مدير منظمة الطاقة الذرية ( محمد اسلامي ) من أن طهران ستواصل تخصيب اليورانيوم إلى درجة نقاء ٢٠% مؤكدا أن الإيرانيين مستمرين بعملية التخصيب بحد أقصى إلى نسبة ٦٠% .
ان سبب هذا الموقف المتصلب يعود إلى شعور الإيرانيين بأن إدارة الرئيس بايدن لم تعد تعتبر قضية الشرق الأوسط أولوية في سياساتها الدولية وإنما تعتبر التهديد الروسي الصيني هو مت يشكل عقبة رئيسية تواجه مصالحها واهدافها في منطقة المحيط الهادي والهندي ، وأنها تتعامل مع مسألة البرنامج النووي الإيراني على أنه أزمة سياسية وقضية نووية ولا تضعها في أولويات توجهاتها في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي، وهذا الانطباع سببه طبيعة السياسة الناعمة الراضخة التي اعتمدتها الإدارة الأمريكية وتنازلها عن المبادئ الرئيسية للحوار وابعاد مناقشة التمدد والنفوذ الإقليمي الإيراني وبرنامج تطوير الصواريخ البالستية معللة ذلك بأن الإيرانيين وصلوا إلى المستوى الفعلي الذي يؤهلهم خلال خمسة اسابيع لإنتاج القنبلة النووية وهذا ما يسارع على ضرورة الحد من هذه النشاطات والمعرفة العلمية بتوقيع اتفاق يلزم الجانب الايراني بالبقاء على نسبة ٢٠% من نقاوة وتخصيب اليورانيوم مقابل الرفع التدريجي للعقوبات وإطلاق بعض الأموال المجمدة للنظام الإيراني.
ينظر المفاوضون إلى أن الجولة الثامنة تشكل خطوة مهمة وانعطاف رئيسي واتجاه فعال على مستوى الاتفاق المنتظر معتبرين أن نتائج الحوارات السابقة هي الكفيلة بالوصول إلى الاعلان المشترك القادم الذي يحدد مسارات وملامح الخطوة الأخيرة.

وحدة الدراسات الإيرانية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية