من السابق لأوانه تقدير إنجازات الجيش الروسي في الحرب داخل أوكرانيا. فحتى ما تعرضه أوكرانيا كنجاح أولي في صد الهجوم الروسي، لا يسمح لبلورة تقدير مسنود عن ميول الحرب لاحقاً. عندما قرر الرئيس بوتين شن الحرب قبل ستة أيام، كان يدرك بأن الحرب ظاهرة حتى بالنسبة للجانب الأقوى، وقد تخرج عن السيطرة، ولا بد أنه كان يعرف أنه يقود الأمة الروسية إلى المجهول. فعقيدة الحرب الروسية منذ عهد حرب نابليون، تعترف بظاهرة الحرب كحدث مركب، يمكن بطبيعته أن يضلل من يسارعون بالقطع في نتائجها قبل انتهائها.
يسارع المحللون في الغرب لوصف إحباط وخيبة أمل روسية من وتيرة تقدم قواتهم. يجدر بنا أن نسأل: ماذا يعرفون عن المخططات الروسية؟ هذا لا يعني أني أعرف. ولكن لمعرفتي بعقيدة الحرب الروسية، بوسعي أن أفسر الوضع كتعبير عن مفهوم أساس في عقيدة الهجوم الروسية المعروفة بتعبير “توقف عملياتي”. ما يعرضه الأوكرانيون كتوقف زخم الهجوم الروسي، في ظروف القتال الناشئة في ميدان المعركة، ينبع أغلب الظن من مبادرة القيادة الروسية. وهو يستوجب الإنصات للاضطرارات اللوجستية المفهومة من تلقاء ذاتها في المجالات الأوكرانية الكبرى، والاعتراف بوصولهم إلى مفترق قتالي يستوجب استيضاحاً استراتيجياً حول ما سيأتي.
لقد جرى القتال الشديد في الأيام الأخيرة أساساً في المجالات المجاورة للحدود الأوكرانية، بما فيها مدينة خاركيف. فالقوات التي توغلت باتجاه كييف كانت صغيرة، تقوم أساساً على قوات خاصة. أما السؤال عن إذا ومتى سيكون إدخال قوات كبيرة في قلب المدن الكبرى، فيبقى أغلب الظن مفتوحاً. واضح للرئيس بوتين أنه لا يمكنه أن يعمل في كييف، عرش ولادة الكنيسة الروسية، وكأنها كانت حلب في سوريا، والتي دمرها بقصف شديد. ثمن خراب المدن في سوريا، والتي لا يوجد من يستثمر في إعادة بنائها، هو معطى بالتأكيد في جملة الاعتبارات الروسية في بلورة القرارات حول استمرار الحرب.
حالياً، تنقص لقيادة الجيش الأوكراني ولمحافل الاستخبارات في الناتو أيضاً، والذين ينظرون إلى المعركة، معلومات حول خطوات الجيش الروسي التالية. وحتى لو كانوا يعرفون كل ما يمكن معرفته، فهي معرفة ناقصة لأنها منوطة بقرارات القيادة العليا الروسية التي لم تتبلور نهائياً بعد. اعترفت عقيدة المعركة الروسية بمدى تحقيق واقع جديد من لحظة بدء القتال، يستوجب -بحسبها- إعادة تصميم ميول الحرب. هذه هي المرحلة التي يجري فيها حالياً نقاش روسي حول استمرار الحرب.
وإلى ذلك، فإن لقاء المفاوضات بين الوفدين الروسي والأوكراني يفترض أن ينخرط في الوضوح القتالي الذي يتبلور فيه القرار بشأن الميول اللاحقة. واضح للرئيس بوتين أنه رغم كل القوة العسكرية التي لم تستخدم حتى الآن إلا بجزء منها، لا يمكنه أن يعمل دون اضطرار لاجم. ومع ذلك، واضح له بأنه مهما يكن، لن يسمح لنفسه بالخروج من الحرب مهزوماً. بهذا الوعي، سيفعل كل شيء كي ينتصر.
القدس العربي