قد تكون الحرب في أوكرانيا -والتي تتكشف أحداثها أمام عيوننا الآن- أكثر الأحداث قدرة على إحداث تحول في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية وأخطر مواجهة يشهدها العالم منذ أزمة الصواريخ الكوبية.
قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتن اليوم السبت إن العقوبات التي فرضها الغرب على بلاده أشبه بإعلان حرب، ودافع عن غزو أوكرانيا قائلا إن موسكو بحاجة للدفاع عن الناطقين بالروسية في شرق أوكرانيا وكذلك المصالح الروسية.
وتابع بوتين أن أي بلد سيسعى إلى فرض منطقة حظر طيران فوق أوكرانيا ستعتبر موسكو أنه أصبح طرفا في النزاع.
وأوضح بوتين خلال اجتماع مع موظفي شركة الطيران الروسية “إيروفلوت” التي أعلنت السبت تعليق رحلاتها الدولية اعتبارا من 8 آذار/مارس “أي تحرك في هذا الاتجاه سنعتبره مشاركة في نزاع مسلح من قبل ذلك البلد”.
وذكر أن روسيا تريد “نزع سلاح” أوكرانيا و”التخلص من النزعة النازية” بها، مضيفا أنه يتعين أن يكون لأوكرانيا وضع محايد.
وأكد بوتين مجددا شروطه لإنهاء الحرب الروسية في أوكرانيا، وقال: “مقترحاتنا مطروحة على طاولة مجموعة من المفاوضين من كييف. نأمل أن يردوا عليها على نحو إيجابي”.
وأوضح بوتين أن أهم مطلب هو نزع السلاح من أوكرانيا، وقال: “نحتاج أن نعرف بوضوح نوعية الأسلحة ومكانها ومن يسيطر عليها”، مضيفا أنه تُجرى حاليا مناقشة خيارات مختلفة مع الوفد الأوكراني.
وذكر بوتين أن “تدمير البنية التحتية العسكرية” في أوكرانيا “كجزء من العملية (…) قد اكتمل عمليا”، وأشار إلى مستودعات أسلحة وذخائر.
ستشهد مرحلة ما بعد الحرب تغيرات جيوسياسية واسعة حول العالم ستحدث إذا انتصر بوتين في أوكرانيا.
وإن التغييرات ستشمل أوروبا وحلف الناتو والنظام العالمي القائم؛ إذ ستؤدي هزيمة أوكرانيا إلى بداية حقبة تسيطر فيها الصين على تايوان وجنوب شرق آسيا، حيث سيشجع الانتصار الروسي الصينَ على غزو تايوان والسيطرة عليها لتهيمن على المنطقة.
أن ذلك يعني خلق 3 كتل في العالم (أمريكية، وروسية، وصينية)، لكنه يحذر من أن تعم الفوضى حول العالم؛ لأن كل منطقة في العالم ستحاول التكيف مع التشكيل الجديد للقوة.
وفي تداعيات العملية العسكرية إن روسيا إذا انتصرت في الحرب ستكون قد أصبحت قادرة على نشر قوات عسكرية غربي أوكرانيا. ومع قدرتها على فعل ذلك في بيلاروس أيضا، ستصبح موسكو قادرة على نشر قواتها الجوية والبرية والبحرية على حدود بولندا الشرقية التي يبلغ طولها 650 ميلا، وكذلك على الحدود الشمالية لرومانيا، إضافة إلى الحدود الشرقية لسلوفاكيا والمجر.
أما التهديد الأكبر فسيكون على دول البلطيق، التي ستعمل روسيا على فك ارتباطها بحلف شمال الأطلسي (الناتو) عبر البرهنة على أن الحلف لا يمكنه حماية هذه الدول بشكل فعال، خصوصا في ظل تشارك “روسيا الموسعة” مع 7 دول أوروبية.
ويرى توماس فريدمان أن هناك 3 سيناريوهات محتملة لنهاية الحرب، بعضها كارثي وبعضها ينطوي على تفاهمات يصفها بـ”القذرة”، وذلك على النحو التالي:
السيناريو الأول: كارثة مكتملة الأركان
يقول فريدمان إن ما يحدث الآن يشير إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مستعد لقتل أكبر عدد ممكن من الناس وتدمير أكبر قدر ممكن من البنية التحتية الأوكرانية للقضاء على استقلال البلد وحريته وثقافته ومحو قيادته.
وأشار إلى أنه إذا لم يغير فلاديمير بوتين تعاطيه أو يتمكن الغرب من ردعه فإن هذا السيناريو -الذي يتكشف الآن- قد يقود إلى ارتكاب جرائم حرب لم تشهد أوروبا مثيلا لها منذ عهد النازيين، ومن شأن تلك الجرائم أن تجعل بوتين وأعوانه وروسيا كدولة بلدا منبوذا في شتى أنحاء العالم.
ويرى الكاتب أن كل يوم يواصل فيه بوتين رفض وقف عملياته العسكرية في أوكرانيا يقرب العالم خطوة نحو أبواب الجحيم، على حد تعبيره، وأن مقاطع الفيديو في مواقع التواصل الاجتماعي التي تظهر وحشية الجيش الروسي في أوكرانيا ستجعل من الصعب على العالم تجاهل ما يحدث هناك.
لكن التدخل -والكلام لفريدمان- قد يشعل أول حرب يستخدم فيها السلاح النووي في قلب أوروبا، وفي المقابل فإن السماح للرئيس الروسي بتحويل كييف إلى أنقاض وقتل آلاف المدنيين على النحو الذي جرى في حلب وغروزني سيمكنه من إنشاء أفغانستان أخرى في أوروبا، مما يؤدي إلى انتشار الفوضى وتدفق اللاجئين.
ويشير المقال إلى أن أهداف الرئيس الروسي من الحرب لا تقتصر على الحيلولة دون انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي “ناتو” (NATO)، بل يسعى إلى خلق “عالم روسي” يكون فيه الأوكرانيون والروس “شعبا واحدا”، وأن مهمته هي “إعادة جمع كل الناطقين باللغة الروسية في مختلف الأماكن التي كانت تنتمي في وقت ما إلى روسيا القيصرية”.
ويرى فريدمان أنه إذا حاولت الولايات المتحدة وحلفاؤها الوقوف في طريق بوتين أو إذلاله بالطريقة التي انتهجوها مع روسيا في نهاية الحرب الباردة فإن الرئيس الروسي قد صرح بأنه مستعد للرد، فقد حذر قبل أيام -قبل أن يعلن وضع قوته النووية في حالة تأهب قصوى- من أن كل من يحاول الوقوف في طريقه فإن عليه أن يكون مستعدا لمواجهة “عواقب لم يرها من قبل”.
وفي هذا الصدد، أشار الكاتب إلى التقارير التي تشكك في سلامة بوتين العقلية، وكلها عوامل تشير إلى سيناريو مرعب.
السيناريو الثاني: تسوية قذرة
السيناريو الثاني الذي قد تؤول إليه نهاية الحرب -وفق توماس فريدمان- هو أن يتمكن الجيش والشعب الأوكرانيان من الصمود لفترة كافية ضد الحرب الروسية الخاطفة، وأن تتمكن العقوبات الاقتصادية من إلحاق ضرر بالغ بالاقتصاد الروسي على نحو يحمل كلا طرفي الحرب على السعي للتوصل إلى تسوية “قذرة”، على حد وصف الكاتب.
ويتوقع أن تشمل تلك التسوية وقف إطلاق النار وانسحاب القوات الروسية مقابل تنازل أوكرانيا رسميا عن المناطق الأوكرانية الشرقية الواقعة الآن تحت سيطرة روسيا، إضافة إلى تعهد رسمي صريح من كييف بعدم الانضمام إلى الناتو.
وفي السياق نفسه، توافق الولايات المتحدة وحلفاؤها على رفع جميع العقوبات الاقتصادية التي فرضوها مؤخرا على روسيا.
ولا يرجح فريدمان أن يتحقق هذا السيناريو نظرا لعدة عوامل، منها: أنه يتطلب إدراك بوتين عدم قدرته على تحقيق رؤيته القاضية بإعادة استيعاب أوكرانيا في الوطن الأم روسيا رغم الثمن الباهظ الذي دفعه على صعيد اقتصاده ودماء جنوده الذين سقطوا في الحرب.
السيناريو الثالث: الخلاص
أما السيناريو الثالث والأخير -والذي يراه فريدمان الأفضل رغم كونه الأقل احتمالا- فهو أن يهب الشعب الروسي بشجاعة دفاعا عن حريته كما فعل الشعب الأوكراني، ويخلص المنطقة من الحرب من خلال عزل بوتين من منصبه.
ويتوقع الكاتب أن العديد من الروس قلقون من أنه طالما أن بوتين زعيم بلدهم فلن يكون لديهم مستقبل مشرق، وقد عكس ذلك نزول آلاف منهم إلى الشوارع، للاحتجاج على حربه المجنونة ضد أوكرانيا رغم ما ينطوي على ذلك من مخاطر على سلامتهم الشخصية.
وكانت صحيفة “واشنطن بوست” نشرت مقالا للمعلق ديفيد إغناطيوس، قال فيه إن هجوم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الشامل على أوكرانيا أنهى فترة ما بعد الحرب الباردة وسيشكل النظام العالمي، مضيفا أن معمارا جديدا للعلاقات الدولية يجب أن يبنى إلا أن شكله يعتمد فيما إن نجحت حملة بوتين أم فشلت.
وحدة الدراسات الدولية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية