منذ سنوات والإمارات تعاني من ممارسات تتعلق بغسل الأموال، وهو ما جعل منظمات دولية تراقب الوضع عن كثب، لما يتهدد الوضع المالي العالمي من مخاطر، وخاصة أن الإمارات تعد مركزا ماليا إقليميا، وتمتلك نظاما اقتصاديا أكثر انفتاحا في العديد من الأنشطة، وهو ما يترك الباب مفتوحا لممارسة أنشطة غير مشروعة، ومن بينها غسل الأموال.
ولكن خلال الساعات القادمة، ستكون الإمارات على موعد مع تقرير منظمة “فاتف” (FATF) الدولية، والذي يركز على مدى الجهود التي بذلتها أبو ظبي لمكافحة غسل الأموال، حيث امتلكت الإمارات سجلا مثيرا للشكوك، في مجال غسل الأموال، عبر سوقها للذهب والماس والأحجار الكريمة، وكذلك أنشطة أخرى.
والجدير بالذكر أن هناك مجموعة من السمات تميزت بها اقتصاديات منطقة الخليج، منها الاعتماد بشكل كبير على النفط، أو استقدام العمالة الوافدة، ولكن الإمارات من بين دول الخليج، صنفت منذ فترات طويلة بأنها أحد المناطق التي يمارس فيها نشاط غسل الأموال.
ما هي منظمة “فاتف”؟
في عام 1989 تأسست منظمة “فاتف”، وهي معنية بوضع المعايير اللازمة لمكافحة أنشطة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وتمويل انتشار التسلح، وتضم في عضويتها دولا ومنظمات إقليمية، وتتعاون مع منظمات دولية لتعزيز المراقبة على تلك الأنشطة، من أجل سلامة النظام المالي العالمي.
وتحظى بعضوية هذه المنظمة 35 دولة، ومنظمتان إقليميتان، هما اللجنة الأوروبية، ومجلس التعاون الخليجي، وتعمل المنظمة بشكل رئيس على وضع المعايير اللازمة لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وانتشار التسلح، كما تراقب إنفاذ تلك المعايير والاتفاقيات الخاصة بهذا المجال.
والمنظمة تصدر أكثر من قائمة، منها القائمة السوداء، وهي التي تضم الدول المتورطة بشكل مؤكد في غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وهناك القائمة الرمادية، وهي القائمة التي تضم الدول التي تعجز عن مواجهة نشاط غسل الأموال وتمويل الإرهاب، على الرغم من سعيها لمنع تلك الأنشطة عبر القوانين واللوائح التي تساعد على مواجهة الظاهرة، وتصنف دول القائمة الرمادية، بأن لديها قصورا إستراتيجيا في محاربة غسل الأموال.
ما نتائج مواجهة غسل الأموال في الإمارات عام 2021؟
نشرت وزارة الخارجية والتعاون الدولي بالإمارات في 21 فبراير/شباط الماضي، بيانا أوضحت فيه بعض الأرقام الخاصة بجهودها في مكافحة غسل الأموال، وهي معلومات مهمة، تظهر أن البلاد تعد مركزا لجريمة غسل الأموال، التي تشوه الوضع المالي للبلاد.
وأظهر البيان أن عمليات التفتيش الإشرافي لمكافحة غسل الأموال في الإمارات زادت عام 2021، بمقدار 6300 زيارة، مقارنة بـ2812 زيارة عام 2019. ونتيجة لهذه الزيارات، فقد تمت مصادرة أصول بنحو 625 مليون دولار، كما فرضت غرامات بنحو 64 مليون دولار لعدم امتثال الجهات أو الأفراد لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
أما من ثبتت إدانتهم في جرائم غسل الأموال فيشير بيان الخارجية الإماراتية إلى أن هناك عقوبات فرضت على الأفراد بقيمة 10.8 ملايين دولار، و5.3 ملايين دولار عقوبات فرضت على المؤسسات. وشملت نسبة الإدانة 98.3% ممن وجهت لهم تهم غسل الأموال. وثمة إجراءات وقائية اتخذتها الإمارات تجاه جريمة تمويل الإرهاب تمثلت في مصادرة 109 ملايين دولار.
ويعد نشاط تجارة الذهب والماس في الإمارات من أكبر الأنشطة التي تحظى بعملية غسل الأموال، حيث تأتي كميات كبيرة من الدول الأفريقية، بشكل غير قانوني، وتستقر بدبي، حيث رصدت العديد من التقارير تلك الظاهرة، منها التقرير السنوي للجنة الخبراء التابعة لمجلس الأمن الدولي، الذي رصد تهريب كميات من الذهب من جمهورية الكونغو في 2020، وكان للإمارات نصيب من تلك الأموال الخاصة بالذهب المهرب.
ما مخاطر الإدراج في القائمة الرمادية؟
تعول الإمارات بشكل كبير على أن تكون واجهة للاستثمارات الأجنبية، فضلا عن إعلانها مرارا وتكرارا عن تبني إستراتيجية للتنوع الاقتصادي، ولن يكون ذلك إلا عبر المزيد من الانفتاح على الاقتصاد العالمي، وإحداث نقلات نوعية في هيكلها الاقتصادي.
ولكن إدراج الإمارات على القائمة الرمادية لمنظمة “فاتف” يضعها أمام مجموعة من التحديات، على رأسها تحوط العديد من البنوك والمؤسسات المالية بالتدقيق الشديد تجاه كافة المعاملات المالية مع دولة الإمارات، عبر بنوكها وشركاتها ومختلف الأنشطة الاقتصادية الأخرى، ذات الطابع المالي، والتي يمتد نشاطها للخارج.
كما يتوقع أن يؤثر إدراج الإمارات على القائمة الرمادية لـ “فاتف” على تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة، والتي حققت فيها الإمارات 19.8 مليار دولار عام 2020، وبلغت الاستثمارات الأجنبية المباشرة التراكمية في الإمارات بنهاية عام 2020 نحو 174 مليار دولار. ومما يميز الاستثمارات الأجنبية المباشرة في الإمارات أن معظم تلك الاستثمارات يأتي من المملكة العربية السعودية.
وإدراج الإمارات على القائمة الرمادية يعرضها لإمكانية تخفيض تصنيفها الائتماني، وكذلك باقي مؤسساتها المالية، وعلى رأس تلك المؤسسات البنوك العاملة في البلاد، والجدير بالذكر أن الإمارات حتى الآن تحظى بتصنيف ائتماني عال، ففي مايو/أيار 2021 جاء تصنيف وكالة “موديز” (Moody’s) لدولة الإمارات عند “إيه إيه 2” ( AA2) مع نظرة مستقبلية مستقرة.
وكانت البنوك الإماراتية قد شهدت عمليات هروب لمستثمرين أجانب، هزت الصورة التي ترسمها مؤسسات تصنيف الائتمان لتلك البنوك، والتي كانت عند تصنيف “إيه إيه إيه” (AAA)، وكانت أبرز تلك العمليات ما قام به المستثمر الهندي راغورام شيتي، والتي ورط فيها نحو 12 مصرفا إماراتيا بنحو 6.6 مليارات دولار. فضلا عن أنشطة شركة “أبراج كابيتال” (Capital Tower)، والتي كشف عن مخالفاتها المالية العديد من مكاتب المحاسبة والمراجعة في بريطانيا وأميركا.
ولا تقتصر التداعيات السلبية على البنوك والشركات وباقي المؤسسات، بل قد تنال من البورصة وسوق المال في الإمارات، وهي نقطة تحرص أبو ظبي على أن تكون متميزة فيها بين باقي دول المنطقة، إلا أن دخول الإمارات تحت طائلة القائمة الرمادية لـ”فاتف”، سوف يجعل التعامل في بورصة الإمارات من قبل المستثمرين الأجانب محفوفا بالمخاطر، وغير مرحب به.
ترقب وانتظار
نحن أمام حالة من الترقب والانتظار، لما سيسفر عنه تقرير منظمة “فاتف”، ويوجد احتمالان؛ الأول أن يتم إدراج الإمارات على القائمة الرمادية، وذكرنا ما يمكن أن يسفر عنه ذلك من تحديات، على بلد لا يزال يعتمد بشكل كبير على العوائد النفطية، ويأمل أن يحقق حالة نجاح في مسيرة التنوع الاقتصادي، التي أعلن عنها منذ عقود، ولم تتحقق بعد.
والاحتمال الثاني، أن تنجو الإمارات من الإدراج على القائمة الرمادية، ولكن لا يعني ذلك انتفاء ممارسة نشاطات غسل الأموال هناك، فالبلاد من عقود تصنف على أنها أحد ملاذات غسل الأموال في المنطقة، بل والعالم، على الرغم من الجهود المبذولة من قبل الحكومة، حتى إن الأمر وصل إلى أن يكون هذا الملف أحد الملفات المعنية به وزارة الخارجية.
إن عجز دولة الإمارات عن مواجهة أنشطة غسل الأموال، للدرجة التي تعرضها لاحتمالات التصنيف للقائمة الرمادية لمنظمة “فاتف”، يجعلنا نقف كثيرا لنتحقق مما تعلنه الإمارات من مؤشرات التنافسية، وكذلك الحكومة الإلكترونية، وغيرها من المؤشرات التي يُبتغى منها إظهار حالة تقدم بالبلاد.
المصدر : الجزيرة