حمّل نفتالي بينيت، رئيس الحكومة الإسرائيلية، العالم جميلا: لقد خرق حظر السفر (باعتباره يهوديا متدينا)، وذلك بسفره يوم السبت الماضي إلى موسكو. وصف أحد كتاب صحيفة “هآرتس”، الزيارة بأنها الأولى لزعيم “غربي”!، وهو توصيف يقصد طبعا أن إسرائيل، رغم احتلالها حيّزا على شرق المتوسط، هي دولة محسوبة على الغرب.
الزيارة مليئة بمفارقات كبيرة، فرغم احتساب إسرائيل تحت مظلة الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، لتمتعها بنظام سياسي ديمقراطي، وتشابك اقتصادها بشكل عضويّ بالاقتصاد الغربيّ، فإن سرديّتها الكبرى، القائمة على احتلال أراض مأهولة لشعب آخر بدعاوى تاريخية ودينية، وسيرورتها الحاضرة المستمرة القائمة على الاجتياحات والغزو والاستيطان، وخطابها اليومي، كلها عناصر تجعلها، حاليا على الأقل، أقرب إلى روسيا البوتينية، وكل ما يمثّله الطغيان الشرقيّ، منها إلى “الغرب” الذي تدعي الانتساب إليه.
من المفيد ملاحظة أن مصطلحات وتوصيفات تكرّرت في خطاب القيادة الروسية، قبل وبعد اجتياح أوكرانيا، تبدو مأخوذة، بقضها وقضيضها، من الترسانة الإسرائيلية: الحفاظ على المجال الآمن، لوصف علاقات القوة والاحتلال والغطرسة مع الفلسطينيين والبلدان العربية المجاورة، واعتبار المدافعين عن أرضهم مخربين وإرهابيين، واستعراض القوة النووية، والاستهزاء بمواقف الشعوب الأخرى، فكلتا الدولتين تحظيان، حين تحال شؤون اعتداءاتهما على الآخرين، إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، بتصويت دوليّ لافت ضدهما، وكلتاهما يتدخّل حق النقض لحمايتهما من قرارات مجلس الأمن.
لا يتعلّق الأمر إذن بترتيبات تكتيكية تتعلق بإطلاق يد إسرائيل في المجال السوريّ، الموجود تحت الغطاء الروسي، بل يتعلّق أكثر بالصراع على “روح” إسرائيل نفسها، التي تحوّلت إلى مزيج هجين (مسخ) من الديمقراطية الغربية والاستبداد الشرقيّ، وهو ما يؤهّلها، على ما استنتج بينيت، لتكون الوسيطة الأنسب بين هذين العالمين.
بعد الحصيلة البائسة للدول المتعاطفة مع الغزو الروسي، وزيارة شخصية مثل محمد حمدان دقلو، نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، يُناسب بوتين، الذي فوجئ بالعزلة الدولية التي تغرق بلاده في مستنقعها، أن يزوره زعيم دولة “نووية” ومحتلة شبيهة، فالمسؤول الإسرائيلي الكبير قادر على فهمه، والتعاطف مع نهجه العسكري والسياسي، أكثر مما يستطيع مستشار ألمانيا الغربية أو حتى رئيس فرنسا (رغم محاولاته الاستعادية الفاشلة لتجارب الاستعمار في أفريقيا).
الأغلب ضمن هذه السياق العام، ألا تحصل أوكرانيا (التي حاول رئيسها، بسذاجة، توظيف مكانة إسرائيل لدى الزعيم الروسي، بدعوى كونه يهوديا) فائدة فعلية من “الشفاعة” الإسرائيلية، فالحديث يدور على كيفية تيسير شؤون يهود أوكرانيين أو روس، ومحاولة تسليك مصالح بوتين مع ألمانيا (التي سافر بينيت إليها بعد موسكو) في استمرار شريان الغاز (والمال) متدفقا إلى أوروبا.
تعرضت مباحثات بينيت مع بوتين، على الأغلب، للمفاوضات الجارية في فيينا حول الاتفاق العالمي الجديد مع إيران حول مشروعها النووي، والذي يُتوقع أن يتم التوقيع عليه خلال أيام، ولروسيا، كما إسرائيل، اهتمام كبير بهذا الاتفاق، وقد انعكس عبر تأخير موسكو موافقتها عليه، بوضعها شرط عدم تطبيق العقوبات الدولية الجديدة عليها فيما يخصّ إيران، وهو تأخير ترى فيه إسرائيل بابا لإعادة الاتفاق الذي عملت كثيرا على تقويضه.
القدس العربي