نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريرا أعده آدم تايلور، قال فيه إن عزلة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا تترك أمامه إلا قلة من قادة العالم لكي يقنعوه بالسلام.
وأضاف أنه مع دخول الحرب يومها الـ12، هناك سباق لتحقيق سلام بين روسيا وأوكرانيا. ولكن أين هو الزعيم الدولي الذي يستطيع الحصول على ثقة الرئيس بوتين الذي أمر قواته في 24 شباط/ فبراير بغزو أوكرانيا والذي وصف بأنه يعيش حالة من الرهاب، ولديه تظلمات، ونظيره الأوكراني فولدومير زيلينسكي الذي عبّر عن استعداده للقتال حتى النهاية من أجل بلده؟
يقول الكاتب إنه عندما اندلعت الحرب بين روسيا وأوكرانيا عام 2014 بعد ضم موسكو شبه جزيرة القرم ودعمها للانفصاليين في دونباس، لعبت ألمانيا وفرنسا دور الوسيط فيما عرف بإطار نورماندي. وتحولت العاصمة البيلاروسية إلى مركز للمفاوضات، بشكل قاد إلى اتفاقيات مينسك. ولكن هذه الاتفاقيات توقفت؛ لأن كييف شعرت أنها غير منصفة، وتفاوضت عليها من موقع الضعيف.
وبعد ثمانية أعوام تقريبا، فإن فكرة لعب بيلاروسيا دور المحايد تثير السخرية. وبات رئيسها ألكسندر لوكاشينكو، يعتمد في بقائه على روسيا بعد التظاهرات التي اندلعت ضده عام 2020، وأصبحت بلاده منطقة انطلاق للغزو الروسي ضد أوكرانيا. ولهذا السبب، أصر المسؤولون الأوكرانيون الذين شاركوا في محادثات سابقة مع الروس في مينسك، على عقد المفاوضات الأخيرة قريبا من الحدود الأوكرانية- البيلاروسية.
ولن تقبل موسكو وساطة من باريس أو برلين بسبب الدعم الذي تقدمانه لأوكرانيا. وترسل ألمانيا شحنات مهمة من السلاح إلى القوات الأوكرانية، بما في ذلك صواريخ مضادة للدبابات وصواريخ ستينغر المضادة للطائرات. وفي الوقت نفسه، قدمت فرنسا إلى كييف معدات دفاعية ودعما عاما لها. وظل ماكرون الزعيم الوحيد في أوروبا الغربية الذي حافظ على تواصل مع بوتين، لكنه قدم إشارات قادمة عن استعداد الرئيس الروسي للتفاوض. وكتب ماكرون على تويتر يوم الخميس: “في هذا الوقت، يرفض (بوتين) وقف الهجمات على أوكرانيا”.
لكن، هل هناك قادة آخرون يمكنهم التأثير على بوتين؟
زار رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت موسكو في زيارة غير معلنة نهاية السبت، وقال يوم الأحد إنه يتواصل مع روسيا وأوكرانيا على أمل التوصل لسلام. وقال قبل لقائه الحكومة الإسرائيلية: “حتى لو لم تكن الفرصة عظيمة، ففي أي وقت كانت هناك انفراجة صغيرة، ولدينا المنفذ على كل الأطراف والقدرات، ونرى أن هذا واجب أخلاقي ونبذل كل الجهود”.
وفي الوقت نفسه، اتصل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع بوتين يوم الأحد. وبحسب الإيجاز الصادر عن مكتبه، فقد قال الزعيم التركي إن “وقفا فورا لإطلاق النار لن يخفف من مظاهر القلق الإنسانية في المنطقة، ولكنه يعطي فرصة للحل السياسي”. وكرر دعوته: “دعنا نعبد الطريق معا للسلام”. وتأمل تركيا باستقبال كل من وزير الخارجية الروسي في مؤتمر الدبلوماسية الذي سيبدأ في أنطاليا، الجمعة. وحسب وكالة أنباء “رويترز” فقد قبل وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف والأوكراني ديمتري كوليبا الدعوة، وليس من الواضح إن كان أي منهما يستطيع حضور المؤتمر.
ولدى كل من أردوغان وبينيت مزايا تجعلهما طرفا ثالثا مرغوبا. فتركيا هي عضو كامل في حلف الناتو، أما إسرائيل فهي حليف قوي للولايات المتحدة. وكلاهما لديه مشاكله المتوترة مع الحلفاء الغربيين الآخرين. وأنقرة هي مشتر نادر للسلاح الروسي، بشكل أدى إلى غضب الأمريكيين. ولدى إسرائيل أعداد كبيرة من المهاجرين الروس والأوكرانيين. وتواجه تركيا مصاعب اقتصادية، ولا تريد انقطاعا جديدا للسياح الروس والأوكرانيين.
ولدى كل من تركيا وإسرائيل خلافاتهما مع روسيا بشأن دعم بوتين للرئيس السوري بشار الأسد. وما يعقد الأمر، تقديم تركيا طائرات مسيّرة استخدمتها أوكرانيا ضد القوات الروسية. وعبّرت موسكو عن قلقها قبل الحرب من بيع تركيا مسيرات “بيرقدار تي بي 2”لأوكرانيا، وهو فعل رأت فيه موسكو، أن دولة في “الناتو” تقوم بتزويد السلاح لعدوتها أوكرانيا. ورغم علاقة أردوغان مع بوتين، إلا أن طائرات مسيرة أخرى قُدمت إلى أوكرانيا الأسبوع الماضي.
ولا يوجد إلا عدد قليل من المرشحين للتوسط، ففي الأسبوع الماضي، صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار بالإجماع يدين الغزو الروسي لأوكرانيا، ووقعت عليه حركة طالبان والنظام العسكري في ميانمار وكذا تركيا وإسرائيل. وصوتت قلة من الدول ضد القرار، وهي كوريا الشمالية، سوريا، إريتريا، بيلاروسيا وروسيا نفسها. وامتنعت 35 دولة عن التصويت بما فيها الهند والصين، اللتين حاولتا تجنب دعم طرف في النزاع.
وعرضت الهند المساهمة في عمليات السلام، لكنها كمشترٍ كبير للسلاح الروسي، خائفة من إغضاب موسكو، لكن بعض الدبلوماسيين في أوروبا الغربية يرون أن الطريق للسلام لن يمر عبر نيودلهي ولكن عبر بكين.
وفي مقابلة مع صحيفة “إلموندو” الإسبانية أجرتها يوم الجمعة مع مسؤول السياسات الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل، قال إنه عندما يتعلق الأمر بتسوية سلمية “يجب أن تكون الصين، أنا متأكد من هذا”. وأضاف: “لم نطلب منها ولم يطلبوا منا، ولأنها يجب أن تكون قوة عظمى، فلا يمكن للولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي (التوسط) ولكن الصين تستطيع”.
وقال وزير الخارجية الأوكراني كوليبا، في تصريحات أثناء مؤتمر صحافي عبر الإنترنت نُظم يوم السبت، إنه تلقى تطمينات من المسؤولين في بكين من أن “الصين مهتمة بوقف هذه الحرب”. مضيفا أن الحرب هي ضد المصالح الصينية، وأن الدبلوماسية الصينية “يمكن أن تحدث فرقا”.
وحتى لو كان للصين تأثير على روسيا، إلا أنها مختلفة مع الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى في عدد من القضايا، ولم تلعب في الماضي دور الوسيط الدولي. وهناك محللون يشكّون في دعمها للمفاوضات.
وقال البرفسور جون ديلوري، أستاذ الدراسات الصينية في جامعة يونسي في سيؤول لصحيفة “فايننشال تايمز”: “ليسوا في وضع محايد.. هم قريبون لروسيا”.