الدبيبة يجمد اتفاقية للمساواة بين الجنسين تزامنا مع يوم المرأة العالمي

الدبيبة يجمد اتفاقية للمساواة بين الجنسين تزامنا مع يوم المرأة العالمي

طرابلس – في خطوة مفاجئة للكثير من النساء الليبيات ومرضية لأخريات، قرر رئيس الحكومة الليبية عبدالحميد الدبيبة توقيف العمل مؤقتا بمذكرة التفاهم مع منظمة الأمم المتحدة حول اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة “سيداو”.

وقال المكتب الإعلامي للحكومة إن مجلس الوزراء ناقش التقرير المتعلق “بالتحقيق الإداري مع وزيرة الدولة لشؤون المرأة حورية طرمال، بشأن توقيعها مذكرة التفاهم المتعلقة باتفاقية المساواة بين الجنسين”.

وأضاف أن التقرير خلص إلى صحة الإجراءات التي اتبعتها الوزيرة، مشيرا إلى تحفظ الدولة الليبية مسبقا على بعض بنود المذكرة التي تتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية.

كما أعلن أن مجلس وزراء الحكومة أقر إيقاف العمل بالمذكرة احتياطيا (مؤقتا) لتجنب أي شبهات.

الحكومة أوضحت أن الدولة الليبية تتحفظ على بعض بنود المذكرة الموقعة التي تتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية

ومنتصف أكتوبر الماضي، وقّعت الوزيرة طرمال على مذكرة تفاهم مع هيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين، حول اتفاقية سيداو، ما أثار جدلا كبيرا في البلاد.

وبينما هاجم عدد من الليبيين والليبيات الوزيرة طرمال، معتبرين أن الاتفاقية تتعارض مع أحكام الدين الإسلامي والأعراف والتقاليد الليبية، حيث رفع عدد منهم ومن بينهم حقوقيون دعوى قضائية ضد إجراء الوزيرة، آلت إلى صدور حكم ببطلان الاتفاقية، دافعت منظمات حقوقية أخرى، ومنها مكتب شؤون المرأة والطفل باللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا، عن الوزيرة معتبرين أن الاتفاقية الدولية لا تلغي القوانين المحلية، ومشددين على أن طرمال تبذل جهودا كبيرة للرفع من مستوى دور المرأة الليبية وحضورها في كافة المجالات، وبشكل خاص في العمل على حماية وصون حقوق المرأة الليبية.

ودافعت الوزيرة عن توقيعها المذكرة آنذاك، بالقول إنه تم “بشرط عدم المساس بالقوانين الوطنية الليبية وتحفظات ليبيا السابقة حول الاتفاقية”.

وأكدت طرمال التي ترأس أيضا المجلس الأهلي لمنظمة المرأة العربية، في تصريحات سابقة، أن قضايا تمكين المرأة والمساواة بين الجنسين هي من أبرز القضايا على أجندة حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا، ووضع المرأة ودورها فيها من أبرز القضايا التي تعمل عليها الحكومة.

وفي ظل الجدل الذي أثاره التوقيع، أعلن الدبيبة في التاسع عشر من الشهر ذاته، تشكيل لجنة تحقيق مع الوزيرة حول الإجراءات والخلفيات التي أدت إلى توقيع المذكرة.

لكن الضجة التي رافقت توقيع اتفاقية “سيداو” ثم إلغاءها ولو مؤقتا تقول عكس ذلك، فمن شأن التراجع عن هذه الخطوة الضامنة لحقوق النساء أن تبعث برسائل عكسية للمجتمع الليبي، قد تكون سببا في تزايد الانتهاكات ضدّ المرأة الليبية مستقبلا.

وتعكس هذه الضجة أيضا أنّ المجتمع الليبي مازال غير مستعد ليمنح نساءه حقوقا لم يتمتعن بها سابقا، رغم مرور عقد بأكمله على سقوط نظام الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، وتعدد الوعود السياسية بإقامة دولة تحترم حقوق الإنسان بمفهومها الشامل، وعلقت النساء آمالا كبيرة على تلك الوعود.

رئيس الحكومة الليبية عبدالحميد الدبيبة قرر توقيف العمل مؤقتا بمذكرة التفاهم مع منظمة الأمم المتحدة حول اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة سيداو

وسيداو، اتفاقية دولية اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1979، وجاءت مسبوقة باعتراف وإقرار دوليين بأن المرأة تتعرض للتمييز ولا تتمتع بنفس الحقوق التي يتمتع بها مواطنوها الرجال في عدة دول في العالم، وتعتبر من منظور حقوقي نسوي بمثابة الأداة التشريعية لتحقيق العدالة بين الجنسين، وقد جاءت في شكل وثيقة دولية لضمان حقوق النساء تلزم الدول الموقّعة عليها بتحقيق المساواة بين المرأة والرجل على جميع المستويات، وتتكون من ديباجة و30 بندا.

وتشمل بنود الاتفاقية المساواة بين المرأة والرجل، وأمورا متعلقة بالزواج والعلاقات العائلية. كما تشمل إحالة النزاع إلى محكمة العدل الدولية للتحكيم في أي خلاف بين دولتين أو أكثر من الدول الأطراف حول تفسير أو تطبيق الاتفاقية. ولم توقّع بعض الدول على هذه المعاهدة، فيما وقّع عليها البعض الآخر بتحفظات على عدد من بنودها.

ورفضت مجموعة من الدول الإسلامية، وليبيا واحدة منها، البعض من بنود الاتفاقية، التي رأوا أنها تناقض أو تتعارض مع المعطيات الثابتة في هذه الدول، خاصة منها ما يمس الجانب الديني والثقافة المحلية، وما يمكن أن يؤثر على الهوية.

وكانت جل وجهات نظر الدول المسلمة للاتفاقية متقاربة من حيث تأثير بنودها على الثقافات المحلية المحافظة على ملامح كل مكوناتها، وعلى رأسها الدين والتاريخ والثقافة الاجتماعية بعاداتها وتقاليدها، وإرثها الثقافي والاجتماعي الذي يكاد يتداخل في مفهومه لدى الغرب بالإرث المبني على العقلية الذكورية.

ومن أبرز التحفظات على بنود الاتفاقية تلك التي رفعت ضد المادة 9 التي تمس إما الثوابت في الشريعة الإسلامية أو قوانين الأسرة، مثل الزواج وجنسية الزوجة ومنح الجنسية للابن ومشاكل الإرث والحضانة والوصاية والولاية والقوامة وتعدد الزوجات والطلاق إلخ.

كما انتقدت الدول المسلمة بنود الاتفاقية التي تراعي مقومات العولمة وتهمل كل ما يتعلق بالهوية والثقافة والخصوصية، وهذا ما يخص المادة 2 التي تطرح قراءاتها إشكالية العلاقة بين الخصوصية الثقافية ومبادئ الاتفاقية التي تقوم أساسا على إلغاء التمييز كليا.

العرب