النساء أداة النظام الإيراني لفرض القمع الديني على النساء

النساء أداة النظام الإيراني لفرض القمع الديني على النساء

لندن – سلطت الاحتجاجات التي اجتاحت إيران في جميع أنحاء البلاد، منذ وفاة مهسا أميني البالغة من العمر 22 سنة في سبتمبر بعد اعتقالها لعدم ارتدائها الحجاب، كما يجب الأضواء مجددا على انتهاك حقوق المرأة في البلاد.

لكن ما يتواصل التغاضي عنه هو الطريقة التي يستمر بها النظام في حشد المساعدة والتحريض على النساء من نساء يعملن لصالحه.

واختارت أنشال فوهرا كاتبة العمود في مجلة “فورين بوليسي” تسليط الضوء في مقال نشر في المجلة على استخدام النظام الإيراني للنساء في فرض القمع الديني عليهن.

وانطلقت فوهرا في مقالها من إحياء إيرانيات كل سنة ليوم “الحجاب والعفة”.

ففي 12 يوليو، أقامت أكثر من اثنتي عشرة امرأة يرتدين الحجاب الأخضر الطويل وأردية بيضاء متدلية، مراسم في طهران بمناسبة يوم الحجاب والعفة، وهي عطلة اخترعها النظام الإسلامي الإيراني.

تحركت النساء في حلقات وأذرعهن مرفوعة بينما تلت امرأة مكسوة بتشادور أسود آيات قرآنية عن أهمية تغطية المرأة.

ملايين من أصل 25 مليونا من أعضاء الباسيج، بما في ذلك جنود الاحتياط، هم من النساء

وينظر إلى هذه المناسبة السنوية كتهديد وتحذير للمعارضين المحليين للنظام الإسلامي.

ومع ذلك، أطلقت مجموعة من الإيرانيين حملة على الإنترنت بعنوان “لا للحجاب” للسخرية من هذه المناسبة. وذكر أحد المشاركين الروائية مارغريت أتوود، مشيرا إلى أن على مؤلفة رواية “قصة الخادمة” أن تستلهم من إيران أحداث روايتها القادمة.

ويُذكر أن الرواية المذكورة تصور ديستوبيا نظاما كارها للمرأة ينخرط مع نساء أخريات في حملة ممنهجة لكراهية النساء.

أمر آية الله الخميني بتشكيل الباسيج، وهي ميليشيا مدنية أصبحت الآن ذراعا داخليا للحرس الثوري الإسلامي، للقتال في الحرب الإيرانية العراقية.

وأسس في الثمانينات “أخوات الباسيج” أو “الباسيج الخاهران” كفرع لتوفير المؤن للرجال الذين يقاتلون في الحرب العراقية الإيرانية بالإضافة إلى رعاية الجرحى. ولم يُحل الباسيج بعد انتهاء الحرب.

وتسرب رجاله ونساؤه إلى مختلف الهياكل الحكومية والمجتمعية للحفاظ على النظام الاجتماعي لصالح السلطات، وذلك بالقوة في الكثير من الأحيان. وترسخت “نساء الباسيج” بقوة في كل جزء من المجتمع كمعلمات في المعاهد الدينية ومؤسسات التعليم العالي وباحثات في مراكز الفكر وكحارسات في دوريات التوجيه أو شرطة الآداب كما هي معروفة على نطاق واسع.

وتشير بعض التقديرات إلى أن 10 ملايين من أصل 25 مليونا من أعضاء الباسيج، بما في ذلك جنود الاحتياط، هم من النساء. ويقال إن أخوات الباسيج يدرن 20 ألف قاعدة حول إيران و100 ألف مجموعة تصنف بأنها “دوائر فاضلة” لنشر أيديولوجيا النظام على من يمكن اعتباره امرأة مسلمة جيدة.

وقالت فاطمة شمس، الأستاذة المساعدة في الأدب الفارسي في جامعة بنسلفانيا “لعبت هاته النساء، خلال الثمانينات وإلى جانب إخوانهم من الباسيج، دورا رئيسيا في تحديد جماعات المعارضة السياسية واستجواب أفرادها وتطهيرهم. وأصبح الإشراف على لباس المرأة في المجتمع في فترة ما بعد الحرب إحدى مسؤولياتهن الرئيسية. توجد فروع لأخوات الباسيج في المدارس والجامعات ومؤسسات القطاع العام”.

مركز أبحاث المرأة والأسرة في قم ومكتب شؤون المرأة والأسرة في إيران يمثلان جزءا من البنية التحتية التي يستخدمها النظام لإضفاء الشرعية على سياساته المناهضة للمرأة

وكلّفت أخوات الباسيج في الواقع بإحالة المرأة إلى مرتبة ثانوية باسم الإسلام. وكانت مهمتهن فوق كل هذا حماية النظام الاجتماعي والسياسي الجديد الذي فرضه المرشد الأعلى.

وقالت آسيا أميني، ناشطة حقوق المرأة الإيرانية، لمجلة “فورين بوليسي” من النرويج إن “الباسيج التابعين للأخوات يخبرن النساء بأن التغيير ليس جيدا، والنسوية هي العدو، ويجب على جميع النساء البقاء في المنزل وإنجاب الأطفال”.

وأضافت أن النساء اللاتي وضعهن النظام في مناصب عليا في الدولة يدعين علانية إلى العودة إلى التقاليد التي كانت قائمة قبل 1400 سنة.

وقالت رئيسة سابقة في جماعة “أخوات الباسيج” إن المساواة بين الجنسين غير قانونية. كما عارضت علنا ​​وجود المرأة في البرلمان، وقالت إن الخطوات المتخذة للحد من العنف الأسري ترقى إلى مستوى الاعتداء على المجتمع والقيم العائلية التقليدية في إيران.

واستبعد رئيس مكتب شؤون المرأة والأسرة الإيراني توقيع إيران على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.

ويعد مركز أبحاث المرأة والأسرة في قم ومكتب شؤون المرأة والأسرة في إيران من بعض المؤسسات التي تشكل جزءا من البنية التحتية التي يستخدمها النظام لإضفاء الشرعية على سياساته المناهضة للمرأة.

في 2005، أطلقت حملة “ثقافة التواضع” في محاولة أخرى لإخضاع المجتمع من خلال السيطرة على النساء. وقال خبراء لمجلة “فورين بوليسي” إن النظام أمر الهيئات الحكومية والجامعات والمؤسسات الممولة من القطاع العام بفرض ممارسات صارمة لارتداء الحجاب ومعاقبة النساء اللاتي أظهرن حتى خصلة شعر واحدة. ودعت هذه الحملة إلى غرس الهوية الدينية لدى الفتيات ونشر “ثقافة العفة” واستخدام أموال الدولة ووسائل الإعلام لفرض “الحجاب الصالح أو المناسب”.

اتبع الرئيس الإيراني المتشدد إبراهيم رئيسي هذه السياسة منذ انتخابه في العام الماضي، وأصبحت شرطة الأخلاق أكثر نشاطا في قمع النساء اللاتي يرتدين “حجابا غير لائق”.

وفي تطبيق لهذه السياسة، اعتقل فريق من شرطة الأخلاق مهسا أميني في 13 سبتمبر، ودخلت في غيبوبة في وقت لاحق من ذلك اليوم وتوفيت بعد ثلاثة أيام. وتقول عائلتها إنها تعرضت للضرب حتى الموت.

يهدف وجود ضابطات شرطة إلى ضمان كرامة النساء أثناء إلقاء القبض عليهن وحمايتهن من الأذى أثناء اتباع القانون. لكن العكس يحدث في إيران، حيث تشارك ضابطات الشرطة في إذلال النساء أو يسهلنه.

واندلعت الاحتجاجات في المدن والبلدات في جميع أنحاء إيران منذ مقتل أميني. وفي المقابل، واصلت العديد من عميلات النظام وأنصاره تهديد المتظاهرين.

وتحدث شاهين قبادي، وهو المتحدث الصحفي باسم منظمة “مجاهدي خلق” الإيرانية (جماعة معارضة في المنفى)، عن تسجيل سرّب على وسائل التواصل الاجتماعي لمديرة مدرسة علي شريعتي في بندر عباس في إيران وهي تهدد الطالبات وحذرتهن من أنهن إذا لم “يصلحن الحجاب” فإن ضباط المخابرات سوف يعتقلونهن ويعذبونهن.

وقالت وفقا للنسخة التي قدمها قبادي إلى “فورين بوليسي” “مثل المدارس الأخرى، سيأخذ قسم المخابرات عائلاتكن بأكملها. بمجرد أن ينتزعوا أظافركن ويمزقوا أفواهكن، ستفهمن تماما. هل تعتقدن أن البلد لا يحكمه القانون؟”.

لكن هناك الكثير من مقاطع الفيديو الأخرى على الإنترنت التي تظهر المتظاهرين وهم يتصدون لجاسوسات النظام وأنصاره اللاتي يحاولن الاندساس بين المتظاهرين.

في تطور شهير، خلعت ممثلة إيرانية شهيرة غطاء رأسها بعد أن كانت قد دعمت ارتداء الحجاب سابقا.

كانت الممثلة فاطمة معتمد آريا واحدة من 50 امرأة محجبة على لوحة إعلانية وضعها الإعلام الموالي للنظام في ساحة عامة، وكانت بعنوان “نساء أرضي”، وكان الهدف منها إظهار الدعم بين النساء للحجاب الإلزامي.

لكن الممثلة رفضت أن تكون جزءا من لوحة الإعلانات. وقالت في إشارة إلى الفتيات اللواتي قُتلن في الاحتجاجات الأخيرة “أنا والدة مهسا. أنا والدة سارينا (إسماعيل زاده). أنا أم كل الأطفال الذين قتلوا على هذه الأرض. أنا أم كل أرض في إيران ولست امرأة في أرض القتلة”.

وفي مقطع فيديو آخر، طلب ركاب آخرون من سيدة محجبة أساءت إلى امرأة بسبب حجابها النزول من الحافلة. وفي فيديو آخر، طاردت فتاة امرأة محجبة تصور محتجات غير محجبات. وعادة ما تسلم الجاسوسات المحليات للنظام مثل هذه المقاطع إلى شرطة الأخلاق لمساعدتهم في التعرف على المنشقين.

وقالت شمس لمجلة “فورين بوليسي” إنه وفقا لمحادثاتها مع شهود عيان، يوجد استياء متزايد بين عضوات شرطة الأخلاق. قالت لها فتاة قُبض عليها إن ضابطة شرطة الأخلاق ساعدتها على الهروب. وأضافت شمس أن الفتاة نفسها قالت إن الكثير من النساء اللاتي انضممن إلى “الباسيج” على وشك “ترك مناصبهن” لكنهن يجدن صعوبة في ذلك لأنهن لا يستطعن ​​إعالة أنفسهن ماليا. وقالت إن “النظام الحالي يعد أعضاء الباسيج بدخل شهري وأمن، ويجند بذلك العديد من الشابات اللاتي ينتهي بهن الأمر كقوى قمعية للنظام في المجتمع”.

توجد مؤشرات على وسائل التواصل الاجتماعي على أن كثافة الاحتجاجات الحالية وطولها قد أقنعا عددا كبيرا من الإيرانيات المتدينات اللاتي كن في السابق داعمات للحجاب الإلزامي بتغيير آرائهن. ومع ذلك، فمن غير المرجح أن يقال الشيء نفسه عن أخوات الباسيج.

العرب