ليس جديداً أن تجد قوات الاحتلال الإسرائيلي في أي ظرف دولي حساس فرصة سانحة لممارسة المزيد من أعمال التنكيل الوحشية ضد المواطنين الفلسطينيين بصرف النظر عن مناطقهم وعلى طرفي «الخط الأخضر» المزعوم، وفي المخيمات أو القرى أو البلدات أو المدن ضمن الضفة الغربية وقطاع غزة أو في فلسطين الداخل والنقب. وإذا كان الاحتلال لا يحتاج إلى ذريعة كي يمارس سياسات القمع والاعتقال ومصادرة الأراضي والاستيطان وتخريب الاقتصاد الأهلي الفلسطيني، فإنه في الآن ذاته لا يتورع عن استغلال انشغال العالم بالاجتياح الروسي لأوكرانيا كي يذهب في تلك السياسات إلى مستويات أكثر عنفاً وهمجية.
وخلال الأيام والأسابيع الأخيرة شهدت فلسطين استشهاد شاب فلسطيني في مخيم قلنديا للاجئين شمال القدس المحتلة، واستشهاد آخر في مخيم بلاطة شمال الضفة، وذلك بعد قيام جنود الاحتلال باقتحام المخيمين لاعتقال ناشط فلسطيني، واستخدام الرصاص الحي والمعدني خلال الاشتباك مع المواطنين. وفي النقب شهدت بلدة رهط استشهاد شاب ثالث أثناء قيام وحدة سرية في جيش الاحتلال بتنفيذ عملية اعتقال اثنين من مواطني البلدة، واستخدام الرصاص الحي على غرار ما جرى في قلنديا وبلاطة.
وقبل أيام كانت هيئة شؤون الأسرى والمحررين في فلسطين قد نشرت شريط فيديو يصور جيش الاحتلال وهو يطلق كلباً بوليسياً على شاب فلسطيني يعمل حارساً ليلياً لدى إحدى المنشآت الصناعية في بلدة البيرة، ويظهر الشريط وقوف جنود الاحتلال متفرجين على الكلب وهو ينهش جسد الفتى الفلسطيني، قبل أن يقتاده الجنود إلى جهة مجهولة، ولم يتسنّ لأهله معرفة مصيره أو أي معلومات عن وضعه الصحي.
وكانت تقارير لمؤسسات حقوقية فلسطينية قد أشارت إلى أن الاحتلال اعتقل قرابة 8 آلاف فلسطيني خلال العام المنصرم وحده، كان في عدادهم نحو 1300 قاصر و184 امرأة و34 فتاة من القاصرات ونحو 160 طفلا، كما بلغ عدد المعتقلين الإداريين أكثر من 500. وهذه المعطيات الواضحة والفاضحة كانت دافع عدد من المنظمات الحقوقية العالمية إلى إدانة دولة الاحتلال بممارسة أكثر من طراز لجرائم الحرب.
تقرير منظمة العفو الدولية الأحدث بات معروفاً الآن وجاء تحت عنوان «نظام الفصل العنصري (أبارتهايد) الإسرائيلي ضد الفلسطينيين: نظام قاسٍ يقوم على الهيمنة وجريمة ضد الإنسانية». ولقد استند التقرير إلى “توثيق مصادرة الأراضي والممتلكات الفلسطينية على نطاق واسع، وعمليات القتل غير المشروع، والتهجير القسري، والقيود الصارمة على الحركة، وحرمان الفلسطينيين من حقوق الجنسية والمواطنة”، وكيف أنها «مكونات نظام عنصري تمييزي يرقى إلى جريمة ضد الإنسانية بموجب القانون الدولي». وكانت منظمة «هيومن رايتس ووتش» الدولية قد أصدرت بدورها تقريراً يتهم سلطات الاحتلال بارتكاب جريمتين بحق الإنسانية، عبر الفصل العنصري والاضطهاد، وأما المركز الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة «بتسيلم» فقد شارك بدوره في الإدانة واعتبر الاحتلال «دولة فصل عنصري».
وأن تكون السياسات هذه قديمة ومتكررة ومتجددة، أمر لا يحول دون انخراط الاحتلال في تنويع أفانينها وتشديد فظائعها حين تسنح الفرصة.
القدس العربي