تبنى الحرس الثوري الإيراني، يوم الأحد الفائت، قصفا على مدينة إربيل، باثني عشر صاروخا باليستيا، وقال في بيان له إن الهجوم الصاروخي استهدف «مركزا استراتيجيا إسرائيليا» في عاصمة إقليم كردستان العراقي، وأن المقر المستهدف من وجهة نظر إيرانية كان مسؤولا عن “عملية استخبارية وعدوانية ضد إيران”، وأنه في 14 شباط/ فبراير الماضي “انطلقت فيها 6 مسيّرات من قلب كردستان العراق واستهدفت معسكرا في كرمنشاه الإيرانية”.
وتحيط شكوك كثيرة بالمزاعم الإيرانية حول وجود مقرات إسرائيلية في إقليم كردستان، الذي أكدت حكومته أن المواقع التي تم استهدافها مدنية. وفيما بدا محاولة لزيادة إحراج الجانب الإيراني أعلن وزير الداخلية في إقليم كردستان ريبر أحمد الثلاثاء أنه “لا مانع” من مشاركة مسؤولين إيرانيين في التحقيقات التي تجرى بشأن القصف الصاروخي.
وأضاف ريبر خلال مؤتمر صحافي مشترك عقده في أربيل مع وفد لجنة التحقيقات في البرلمان الاتحادي “سنزود البرلمان الاتحادي بالمعلومات والتقارير المطلوبة واللازمة بشأن الأماكن المستهدفة وكلها مدنية”.
وأضاف أحمد “وجهنا دعوة للأمم المتحدة وكل الأطراف للاطلاع والتحقيق بحضور الإخوة في الجمهورية الإسلامية (الإيرانية)، ولا مانع لدينا من ذلك”.
وعلى الرغم من استهداف إسرائيلي منهجي للوجود الإيراني في سوريا، ومن تكرار مستمر من طهران بأنها سترد بشكل مباشر على إسرائيل، إلا أن الطرفين يتجنبان المواجهة المباشرة عبر تحويل سوريا والعراق إلى ساحة لمناوشات لا تجرّهما إلى صدام مباشر.
وقد وصف الرئيس برهم صالح، ما حصل بـ”عملية إرهابية”، وترأس رئيس الحكومة، مصطفى الكاظمي، اجتماعا للمجلس الوزاري للأمن الوطني، مصرحا أن «الاعتداء على إربيل هو اعتداء على شعبنا»، ورأى محمد الحلبوسي، رئيس مجلس النواب، الاستهداف “تعديا على سيادة العراق وأمن جميع مواطنيه”، فيما رأى رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود بارزاني، الهجوم «جريمة ضد الإنسانية». بين كل هذه التصريحات ذات الطابع العام، كانت تصريحات زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، الأكثر لفتا للانتباه برسائلها، فبعد إدانته الهجوم «وكأن الكرد ليسوا عراقيين»، دعا لرفع مذكرة احتجاج للأمم المتحدة والسفير الإيراني في بغداد، مضيفا أن الادعاء بوجود مواقع إسرائيلية «لا يجب أن يستعمل حجة لزعزعة أمن العراق وشعبه».
وندد رئيس الإقليم نجيرفان بارزاني بهجوم الأحد في بيان قائلاً إن “استهداف أربيل بهذه الصورة وتكراره، سابقة خطيرة وانتهاك صارخ لأمن واستقرار وسيادة العراق”. كما ندد الرئيس العراقي برهم صالح كذلك بالهجوم، داعياً إلى “الوقوف بحزم ضد محاولات زج البلد في الفوضى”.
تشير هذه التصريحات إلى أن الأطراف السياسية العراقية، باستثناء المحسوبة بشكل مباشر على إيران، اعتبرت أن الهجوم الإيراني، بغض النظر عن المعلن من أهدافه، يستهدف سيادة العراق، كما يستسهل توظيف تقسيمه إلى كرد وعرب (إضافة إلى الانقسام المعلوم بين الشيعة والسنة)، كما أنه يستصغر سيادة الدولة العراقية، ويزج سماء وأرض العراق (ومقدساته)، على حد ما يقول الصدر، في «الصراعات السياسية والأمنية والعسكرية».
وفي المقابل ، وانبرت القوى الموالية لإيران لتبرير الهجوم، متبنية وجهة النظر الإيرانية التي تقول إن ما جرى استهدافه هو منشآت إسرائيلية في الإقليم الواقع في شمال العراق، وبدل أن تطالب هذه القوى بضرورة اتخاذ موقف حازم تجاه التجاوز الإيراني، ركزت تصريحاتها على وجوب فتح تحقيق في حقيقة وجود مراكز إسرائيلية من عدمها في الإقليم.
ومن هنا، فان التفجيرات التي حدثت في اربيل تقع في صميم هذا كله وليست بعيدة عنه ، فهي تحاول ان تقلب المعادلة السياسية الراهنة لصالح ايران والاحزاب الموالية لها باسقاط المكون الكردي منها باثارة الشكوك والشبهات حول دوافعه من وراء علاقته المشبوهة باسرائيل واجهزة مخابراتها ، واعادة اللحمة الي المكون الشيعي المنقسم علي نفسه بشدة حاليا ببن جناحين شيعيين لا تجمعهما ببعضهما رؤية واحدة مشتركة ولكل منهما توجهاته وقناعاته وحساباته ، فهذه هي الحقيقة في كل ما يجري هناك إلى الآن حتي وان جاءت الذرائع المعلنة حول اسباب ما حدث في اربيل لتحاول ان تضع تلك التفجيرات في سياق آخر مختلف لابعاد الانظار عن هدفها الحقيقي، وهو السعي الي تمكين القوي الموالية لايران من الوثوب الي السلطة والقفز الي مقاعد الحكم من جديد بتفكيك الجبهة المعارضة من خلال التشهير بها ، واضعاف الارضية السياسية التي تقف عليها وانتزاع المبادرة منها ، وارباك المشهد السياسي العراقي كله بمثل هذه المناورات والتكتيكات التي يجري التخطيط لها في طهران، والتي يقوم الحرس الثوري الايراني بالدور الرئيسي فيها…
نقول انه في وجه كل تلك التدخلات السياسية الايرانية المستمرة والمستفزة في شئون العراق الداخلية ، فان الايرانيين يحتاجون لمن يخرج عليهم في العراق ليقول لهم وبكل شجاعة ان اتركونا في حالنا ، وارفعوا ايديكم عنا، وكفوا عن فرض وصايتكم علينا ، ودعونا نقرر مصيرنا بانفسنا ، ونختار مسارات الحكم في بلادنا بالطريقة التي تلائمنا ونجد فيها امننا واستقرارنا بكامل ارادتنا..فقد تعبنا ودفعنا ثمنا باهظا علي مدار سنوات طويلة لم يكن لنا..
الايرانيون بحاجة لمن يذكرهم بان العراق بتاريخه الوطني والقومي الطويل كان دوما اكبر من كل الطوائف والمذاهب والاعراق ، من سنة وشيعة وعرب واكراد وتركمان ومسيحيين وايزيديين وغيرهم من الاقليات العرقية والدينية ، فقد كان دائما عراقا واحدا متماسكا ،حتي جاءت ايران اليه مع الاحتلال الامريكي له لتغير له معالمه باثارة النعرات الطائفية المسمومة فيه ، ولتنزع عنه وجهه العربي الاصيل الذي كان ابرز سماته واجمل ما فيه والذي طالما تغني به الشعراء وقالوا فيه وعنه ما قالوه….
قولوا للايرانيين ومن يشايعونهم في الداخل ممن لا يعرفون حق وطنهم عليهم ان من حق العراق ان تكون له ارادته السياسية الحرة وقراره الوطني المستقل ودولته التي تستطيع بقوتها الذاتية ان توفر لشعبها الامن والاستقرار والازدهار الذي يفتقده ويتطلع اليه ، وان ابعدوا عن العراق ودعوه يدافع عن وجوده ويبحث عن حقه في الحياة الكريمة الآمنة علي اي نحو يجد فيه نفسه..فالعراق كبلد عربي كبير له وضعه ومكانته ، يستحق كل هذا واكثر.
من الصعوبة بمكان أن يقتطع هذا المشهد عن سياق الصراع الذي يحكم العراق اليوم، تحديدا فيما يتعلق بالانقسام الشيعي ـ الشيعي، ومحاولة إيران استعادة قدرتها على الإمساك مرة أخرى بزمام القوى الشيعية، وتوجيهها، بما يخدم المصالح الإيرانية خلال سنوات ما بعد 2003 لاسيما أن إيران بدأت تستشعر، بداية من حركة الاحتجاج التي بدأت في تشرين الأول/ أكتوبر 2019، أن ثمة رفضا شعبيا شيعيا صريحا لتغولها في العراق، ورفضا لدعمها للفاعلين السياسيين الشيعة الذين احتكروا التمثيل الشيعي خلال كل هذه السنوات.
إيران بقصفها مدينة أربيل إنما تبعث برسالة للجميع بأنها على استعداد لاستخدام كل الوسائل الأخلاقية وغير الأخلاقية للإبقاء على هيمنتها وتغولها في العراق، وأن أية محاولة لمواجهة ذلك ستواجه ايرانيا بشكل مباشر، وليس عبر أدواتها ووكلائها وحسب.
ووحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية