بحر الصين الجنوبي تحول إلى منطقة نفوذ صينية بالمطلق. الحرب في أوكرانيا كانت فرصة ذهبية لبكين لكي تستكمل مد نفوذها طالما العالم منشغل بتداعيات الحرب.
واشنطن – ترى المحللة السياسية الأميركية جوديث بيرغمان أنه بينما ينشغل العالم بأحداث أوكرانيا، تواصل الصين القيام بخطوات عدوانية في بحر الصين الجنوبي، الذي تزعم الصين أنه كله جزء من أراضيها. ووفقا لتصريحات للأدميرال جون سي. أكويلينو القائد الأميركي في منطقة المحيط الهندي – الهادي، فإن ثلاث جزر على الأقل هناك أصبحت “مسلحة تماما” حيث نشرت فيها الصين أنظمة صواريخ مضادة للسفن ومضادة للطائرات، وأجهزة ليزر وتشويش، وطائرات مقاتلة، مما يزعزع استقرار المنطقة.
وذكرت بيرغمان في تقرير نشره معهد غيتستون الأميركي أن بحر الصين الجنوبي يغطي مساحة 3.5 مليون كيلومتر مربع ويقدر بأنه يتمتع بمخزونات في قاع البحر تبلغ حوالي 190 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي و11 مليار برميل من النفط، بالإضافة إلى مخزونات سمك يقدر أنها تحقق 100 مليار دولار سنويا (يتم استنفادها بسرعة). وكانت محكمة التحكيم الدائمة في لاهاي عام 2016 قد رفضت بشدة مزاعم الصين بشأن سيادتها على بحر الصين الجنوبي.
ومع ذلك، لم تقبل الصين مطلقا حكم المحكمة، وتواصل سيادتها على البحر، الذي تطالب بأجزاء منه أو كله دول أخرى في المنطقة من بينها بروناي، وإندونيسيا، وماليزيا، والفلبين، وتايوان، وفيتنام.
وصرح المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانج ويبين في مطلع هذا العام بأن “الحكم غير قانوني وباطل. والصين لا تقبله أو تعترف به”. وأضاف أن “للصين حقوقا تاريخية في بحر الصين الجنوبي. فسيادة الصين وحقوقها ومصالحها ذات الصلة في بحر الصين الجنوبي تم ترسيخها على مدى فترة طويلة من التاريخ وتتوافق مع القانون الدولي”.
جوديث بيرغمان: الصين لا تعلن عن حقيقة ميزانيتها العسكرية الفعلية
وأشارت بيرغمان، وهي من كبار زملاء معهد غيتستون، إلى أن تصريحات وانج كانت ردا على تقرير لوزارة الخارجية الأميركية بعنوان “الحدود في البحار”، تضمن وجهة النظر الأميركية بأن زعم الصين بأحقيتها في بحر الصين الجنوبي يتعارض مع القانون الدولي وليس له أساس قانوني.
ورغم تصريح الرئيس الصيني شي جين بينغ في عام 2015 بأن نشاط التشييد الذي تقوم به الصين في جزر بحر الصين الجنوبي لا يستهدف أي دولة أو يؤثر عليها وليست هناك نية لتسليحها، قال الأدميرال أكويلينو إن مهمة تلك الجزر هي توسيع نطاق القدرة الهجومية للقوات الصينية لتشمل ما وراء سواحلها القارية؛ إذ بإمكانها نشر مقاتلات وقاذفات بالإضافة إلى كل الإمكانيات الهجومية للأنظمة الصاروخية.
وتضيف بيرغمان أنه على الرغم من أن تسليح الجزر جانب مهم لتحقيق الهيمنة، لا تقتصر خطوات الصين العدوانية للسيطرة على بحر الصين الجنوبي على الجزر. ففي الشهر الحالي نفذت الصين تدريبا عسكريا لمدة أسبوع في أجزاء من المنطقة الاقتصادية الخاصة لفيتنام، حيث منعت دخول كل الآخرين إلى منطقة التدريب.
وقال نائب الأدميرال يوجي كودا، القائد السابق لأسطول الدفاع الذاتي الياباني إن التدريب البحري الصيني كان أكثر من مجرد تدريب عسكري معتاد؛ فقد كان أيضا محاولة لعدم الاعتراف بالمنطقة الاقتصادية الخاصة لفيتنام. وأضاف كودا أن “الصين تقوم بتجميع أكبر قدر من السوابق التي يمكن أن تدعم مزاعمها التي لا أساس لها في نزاعات الأراضي والمناطق الاقتصادية الخاصة في بحر الصين الجنوبي”.
وقال هوانج فايت، المحاضر بجامعة هو شي منه للقانون في فيتنام إن الصين تستغل التدريب العسكري لتعزيز مزاعمها في بحر الصين الجنوبي، بينما يتركز الاهتمام الدولي على الحرب في أوكرانيا، “وهذا ما فعلته الصين في عام 2020 عندما كان كثير من الدول يركز على التعامل مع فايروس كورونا، فقد قامت بكثير من الأنشطة لتأكيد مزاعمها في بحر الصين الجنوبي”.
وذكرت بيرغمان أن التدريب تصادف مع إعلان الصين عن ميزانيتها العسكرية لعام 2022، التي وفقا لها سوف تزيد من إنفاقها العسكري بنسبة 7.1 في المئة ليبلغ 230 مليار دولار. وتتمتع الصين بثاني أكبر ميزانية عسكرية في العالم بعد الولايات المتحدة التي تبلغ ميزانيتها 715 مليار دولار لعام 2022.
ومع ذلك، كشف معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام أن الصين لا تتسم بالشفافية بشأن ما تشمله وما لا تشمله ميزانيتها العسكرية، كما أن الصين لا تعلن عن حقيقة ميزانيتها العسكرية الفعلية.
الصين تقوم بالعشرات من العمليات في المناطق الاقتصادية الخاصة للدول المجاورة لها كل عام
وأوضح تقرير نشره مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية هذا الشهر أن الصين تواصل أيضا القيام بعمليات تنقيب أو أنشطة مسحية غير قانونية في كل أرجاء بحر الصين الجنوبي بغرض القيام ببحث علمي بحري، وتنقيب عن النفط والغاز، وبحث عسكري.
ووفقا للتقرير فإن “التأثير الفوري والهدف الواضح لهذه الأبحاث هو إظهار السيطرة الصينية على المياه التي تزعم أنها ملكا لها”.
وترى بيرغمان أن التقرير أوضح أن الأبحاث التي تقوم بها الصين أدت بانتظام إلى دخول سفنها إلى المناطق الاقتصادية الخاصة للدول الأخرى في المنطقة، وهو نشاط غير مسموح به بدون تصريح قانوني.
وتقوم الصين بالعشرات من العمليات في المناطق الاقتصادية الخاصة للدول المجاورة لها كل عام، وهي غير قانونية إن كانت عمليات ذات طابع مدني، وإن كانت عسكرية فهو ما تزعم الصين تماما أنه غير مسموح للدول الأخرى القيام به في منطقتها الاقتصادية الخاصة.
العرب