الدوحة – تكثّف الدول الأوروبية من جهودها لإيجاد بديل عن الغاز الروسي، لكن هذه الجهود تصطدم حتى الآن بعراقيل كثيرة أبرزها أن الدول المنتجة للغاز وبينها قطر لا تملك القدرة على سد احتياجات السوق.
وأعربت الدوحة عن تضامنها مع الدول الأوروبية حيال أزمة الغاز، لكنها جددت التأكيد على أنها لا تملك الكثير لفعله من أجلها، باستثناء أنها ستحافظ على إمداداتها من هذه المادة لأوروبا حتى لو دفع مشترون آخرون أسعارا أعلى.
وتتعاطى قطر ببراغماتية شديدة مع الأزمة الحالية للطاقة، ويرى متابعون أن الدوحة تعمد إلى إظهار حرصها الدائم على الوقوف بجانب حلفائها الغربيين من خلال اتخاذ بعض الخطوات، لكنها في الوقت ذاته تضغط من أجل تغيير قواعد التزويد مع الأوروبيين والتي كانت تقوم على عقود قصيرة الأجل.
ويشير المتابعون إلى أن الدوحة تضع في اعتبارها أن الدول الأوروبية تراهن على موارد الطاقة النظيفة على المدى المتوسط والبعيد، وبالتالي فإنها تتمسك بعملائها التقليديين في آسيا ولاسيما الصين، وفي ظل هذا الوضع فهي لا تستطيع الذهاب بعيدا في دعم الأوروبيين، وأن توفر البديل عن الغاز الروسي.
سعد الكعبي: وقف إمدادات الغاز الروسي غير ممكن عمليا
وقال وزير الطاقة القطري سعد الكعبي في مقابلة مع شبكة “سي.أن.أن” الأميركية الخميس إن بلاده ستتضامن مع أوروبا وستواصل تزويدها بالغاز بغضّ النظر عن استعداد عملاء آخرين للشراء بسعر أعلى.
وأوضح الكعبي “لن نحوّل العقود حتى لو كانت لدينا مكاسب مالية. سنحافظ على الإمدادات الحالية، وهذا تضامنا مع ما يحدث في أوروبا”.
وتزوّد قطر بعض دول أوروبا بالغاز الطبيعي المسال، ولكنها تملك حق تحويل الإمدادات إلى عملاء آخرين إذا كانوا مستعدين لدفع أسعار أعلى وذلك بموجب العقود المبرمة.
ويسعى الاتحاد الأوروبي لخفض استهلاك الغاز الطبيعي الروسي هذا العام في سياق رغبته في الانفصال التام عن أكبر مورّد للطاقة بسبب الحرب في أوكرانيا.
وتدفع الولايات المتحدة الأوروبيين بقوة في هذا الاتجاه في محاولة لمحاصرة روسيا وحرمانها من أهم مصادرها التمويلية.
وقال الرئيس الأميركي جو بايدن خلال مؤتمر صحافي مشترك الجمعة مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في بروكسل إن الاستقلال عن الغاز الروسي سيكون مكلفا لأوروبا، إلا أنه مسار استراتيجي أفضل.
لكن وزير الطاقة القطري يشكك في مدى فاعلية ذلك ويرى أن وقف إمدادات الغاز الروسي غير ممكن عمليا. وتقدر الصادرات الروسية من الغاز إلى أوروبا بنحو أربعين في المئة من احتياجاتها، في المقابل فإن قطر تصدر فقط نحو عشرين في المئة، فيما تذهب نحو ثمانون في المئة من صادرتها إلى آسيا.
وفي وقت سابق من الأسبوع الجاري زار وفد ألماني بقيادة وزير الاقتصاد روبرت هابيك الدوحة لإجراء محادثات بشأن زيادة إمداد أوروبا بالغاز.
الاتحاد الأوروبي يسعى لخفض استهلاك الغاز الطبيعي الروسي هذا العام في سياق رغبته في الانفصال التام عن أكبر مورّد للطاقة بسبب الحرب في أوكرانيا
وأعلن هابيك عقب الزيارة أن بلاده توصلت إلى شراكة طويلة الأمد مع قطر في مجال الطاقة. لكن وزير الطاقة القطري نفى حصول ذلك، وقال الكعبي “لم نبرم اتفاقية طويلة الأمد مع ألمانيا حتى الآن، لكننا على استعداد للمناقشة مع الشركات التي كنا نبحث معها وضع اتفاقية طويلة المدى للتنفيذ المحتمل”.
ويرى خبراء اقتصاد أن رغبة الأوروبيين في التحرر من موارد الطاقة الروسية تصطدم بعجزها عمليا عن تحقيق ذلك على المدى المنظور. ويشير المراقبون إلى أن روسيا تبدو مطمئنة إلى هذا الجانب، بل أنها تسعى لزيادة إحراج موقفهم من خلال وضعها مؤخرا لشرط دفع ثمن صادراتها من الغاز بعملتها المحلية الروبل.
وذكر الكرملين الجمعة أن الرئيس فلاديمير بوتين أمر شركة غازبروم بقبول الدفع بالروبل مقابل صادراتها من الغاز الطبيعي إلى أوروبا، وأن أمام شركة الغاز العملاقة أربعة أيام لتحديد كيفية القيام بذلك.
وكان بوتين صرح الأربعاء أن بلاده ستبدأ بيع الغاز إلى “بلدان غير صديقة” بالروبل، بعد أن تعاونت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون لفرض عقوبات على موسكو على خلفية عمليتها العسكرية في أوكرانيا.
ولا يعرف بعد ما إذا كان الأوروبيون سيقبلون في النهاية الخضوع لشرط بوتين، خصوصا وأن العقود المبرمة مع موسكو تتضمن الدفع باليورو أو بالدولار الأميركي وليس بالروبل الروسي.
العرب