شاركت في نهاية الأسبوع في ورشة عمل عبر “زووم” عن تهديد الإرهاب النووي في أوكرانيا وفي أماكن أخرى، وتبينت أن التهديد النووي الإيراني أصبح من ناحية المشاركين مسألة شبه ثانوية. لم تكن ورشة العمل شاذة من ناحيتي، كما أن الإعلام الأمريكي وضع النووي الإيراني في ظل الحرب في أوكرانيا. وسواء عن قصد أو بلا قصد، فإن هذا يعمل في صالح ميل الإدارة للتقدم في المفاوضات النووية في فيينا دون صب الانتباه على تفاصيله.
كتب المؤرخ البريطاني نيل فرغوسون، كاتب سيرة هنري كيسنجر، في الآونة الأخيرة، أن “الولايات المتحدة معنية باستمرار الحرب في أوكرانيا”، وأن “الهدف الوحيد الآن هو إنهاء نظام الرئيس بوتين”. وحسب فرغوسون، فإن هذا النهج يبين سبب عدم اتخاذ الولايات المتحدة مبادرة دبلوماسية لإحلال وقف النار. حتى لو كان الاستنتاج متطرفاً، لا يمكن تجاهل حقيقة أن الموقف الحازم الذي تتخذه إدارة بايدن في موضوع أوكرانيا يخدم جهداً لترميم مكانة الإدارة سواء في الساحة الدولية عقب الفشل في أفغانستان أم على المستوى السياسي الداخلي.
في فيينا تتواصل في هذه الأثناء أجواء “على التو”، بمعنى “الاتفاق سيوقع على التو”، “كل شيء متفق عليه، ولم يتبقَ سوى بنود “ثانوية” (كطلب طهران إلغاء تعريف الحرس الثوري كمنظمة إرهابية)”، ومندوبو الولايات المتحدة يتحدثون عن “اتفاق أقوى وأطول”، الأمر الذي ليس له احتمال؛ كون الاتفاق الموجود الآن على جدول الأعمال يعطي الإيرانيين كل ما يطلبونه.
أما إسرائيل فأمسكت بها التطورات الأخيرة في وضع غير مريح، سواء في موضوع أوكرانيا أم في الموضوع النووي؛ فثمة اضطرارات أمنية وسياسية تلزمها باتخاذ موقف مختلف عن الولايات المتحدة في الموضوع الأوكراني، وسيصعب عليها الامتناع عن المواجهات، على الأقل الخلافات حول الاتفاق النووي. الصمت الإسرائيلي الطويل في المسألة الإيرانية، والذي أملاه القرار المهووس لحكومة التغيير للالتصاق بإدارة بايدن بكل ثمن وتمييز نفسها عن الطريق الكدي المزعوم لحكومة نتنياهو -بعث للإدارة رسالة أنه يمكنها تجاهل هموم إسرائيل، ولأعضائها في الحزب الديمقراطي بأنه لا ينبغي لهم الخروج عن طورهم كي يشككوا بنوايا الإدارة في الموضوع الإيراني.
في حينه، انتقد خطاب نتنياهو الحازم الذي ألقاه عن التهديد النووي الإيراني أمام الكونغرس في عهد الرئيس أوباما. ما الذي لم يقولوه ولم يكتبوه: إنه يمس بأصدقائنا في الحزب الديمقراطي، إنه سيعطل مساعدة أمنية من الولايات المتحدة، وسيجعل إسرائيل موضع شجب في نظر الجمهور الأمريكي، وما شابه. ولكن في نظرة إلى الوراء، يتبين أنه وبخلاف خط معارضي نتنياهو ومعظم الصحافة في إسرائيل، فليس تأييد إسرائيل بين الجمهور والكونغرس الأمريكي هو ما تضرر فقط، بل إن حكومة نتنياهو وقعت مع إدارة أوباما على الاتفاق الأكبر في التاريخ للمساعدة الأمنية، وأن التحذير من النووي الإيراني أصبح بالفعل من نصيب كثيرين في العالم. لشدة المفارقة، تأييد أوساط الجمهور الأمريكي لإسرائيل قل بـ 5 في المئة منذ أن حل بينيت – لبيد محل نتنياهو. لن نبحث هنا في تفاصيل الاتفاق، فآثاره الخطيرة فصلتها وأوضحتها الحكومة الحالية أيضاً. لقد بات واضحاً اليوم أن إدارة بايدن لو واصلت خط إدارة ترامب وفرضت عقوبات حادة على إيران كتلك التي فرضتها على روسيا، لتراجعت طهران. الفصل الأخير في قضية النووي الإيراني لم يكتب بعد، ولا حتى الفصل ما قبل الأخير. وربما يكونون محقين أولئك الذين يبدو استنتاجهم كاستنتاج اللواء احتياط يعقوب عميدرور، حين قال إنه “لن يكون أمام إسرائيل خيار إلا القوة؛ إذ لا يمكنها الاعتماد على جهود سياسية من الغير”. هذا استنتاج لا ينبغي الاستخفاف بآثاره.
حسب أنباء مختلفة، فإن رئيس الوزراء في حينه نتنياهو، ووزير الدفاع في حينه إيهود باراك، بكرا آنذاك بخيار عسكري حين كان بالإمكان كبح برامج إيران النووية، ولكنها نية تعطلت نتيجة تسريبها لمحافل في واشنطن. وسواء كان لهذه الأمور أساس أم لا، فواضح أنه إذا ما وقعت الولايات المتحدة على الاتفاق النووي الجديد – القديم، فمن شـأن إسرائيل أن تعلق في مواجهات سياسية وعملية مقلقة مع حليفتها الأمريكية. قد نجد الآن تلميحاً لذلك في أقوال الجنرال كينيت ماكنزي القائد المنصرف للقيادة المركزية في الجيش الأمريكي، الذي أعرب عن قلقه من التصعيد الحالي بين إسرائيل وإيران، وأن هذا قد يعرض القوات الأمريكية في المنطقة للخطر.
ولكن ثمة أنباء طيبة: قمة شرم الشيخ بين زعماء إسرائيل ومصر والإمارات، ولقاء هذا الأسبوع في “سديه بوكر” لوزراء الخارجية بحضور الوزير بلينكن، هما نتيجة إيجابية أخرى لاتفاقات إبراهيم من مبادرة نتنياهو وترامب، والتي قلبت وهم “الشرق الأوسط الجديد” للراحل شمعون بيرس إلى حقيقة ملموسة. فاللقاء يشكل جهداً من دول المنطقة لوضع واشنطن، حليفتهم جميعهم، عند الخطر الكامن في الاتفاق النووي، وعند تصميم هذه الدول على العمل ضده بكل الوسائل.
القدس العربي