خلال أسبوع فقط من يوم الأرض، الذي دخل أمس، 30 آذار/مارس، عامه السادس والأربعين، جرت ثلاث عمليات مسلحة في أراضي الداخل الفلسطيني (المعروفة باسم “مناطق 48” أو “الخط الأخضر”)، في مدينة الخضيرة، في منطقة حيفا، وأسفرت عن مقتل عنصرين من الشرطة الإسرائيلية، وفي مدينة بئر السبع، في النقب، وقُتل فيها أربعة إسرائيليين، وفي بني براك، إحدى ضواحي تل أبيب، وقتل فيها خمسة إسرائيليين، وانتهت العمليات الثلاث بتصفية منفذيها الفلسطينيين الأربعة.
تشكّل العمليات الأخيرة تطوّرا كبيرا في حيثيات الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، كونها حصلت داخل المناطق التي سيطرت عليها إسرائيل إثر نكبة عام 1948، ورغم طابعها المسلح والعنيف فلا يمكن أن نبعد هذه العمليات عن سياق الصراع على الأرض، والذي يشكل جوهر النضال الفلسطيني داخل وخارج “الخط الأخضر”، كما يشكل همزة الوصل بين قضايا الشعب الفلسطيني كافة.
يفكك الصراع على الأرض سرديّات الدولة الإسرائيلية عن نفسها ويكشف تناقضاتها القاتلة.
لقد نجح فلسطينيو 48 عبر عقود من النضال في إجبار المنظومة الإسرائيلية على إعطاء الفلسطينيين بعضا من حقوقهم، لكن تلك المنظومة، التي أعطتهم جنسيتها، تابعت، بفعل طابع تأسيسها العنصري والإحلالي، إنكار فلسطينيتهم (عبر تسميتهم “عربا” وحسب)، وكان أكبر “إنجازاتها” في مجال استهداف وجودهم وحقوقهم أنها جعلت “يهودية الدولة” قانونا، بحيث لم يعد أصحاب الأرض الأصليون “أقلية” فحسب، بل أصبحوا بحكم “القانون” مواطنين من الدرجة الثانية (أو الثالثة بعد اليهود غير الأوروبيين).
كان طبيعيا، وحال إسرائيل كذلك، أن تؤدي جهود تصعيد التطرف والعنصرية والغطرسة الدينية والقومية ضد فلسطينيي الداخل، مع ممارسات نهب الأراضي والمياه وتجريف الأشجار وإنشاء المستوطنات ونصب الجدار العازل العنصري في مناطق احتلال 1967، وكذلك استهداف المقدّسات الدينية الإسلامية والمسيحية، إلى ما نراه اليوم من بوادر انفجار كبير يشترك فيه الفلسطينيون في كل مواقع تواجدهم ضد إسرائيل.
يدفع يوم الأرض الأخير هذا إلى التفكر في معنى ما جرى قبل أيام قليلة حين تعانقت أيادي وزراء خارجية مصر والمغرب والإمارات والبحرين مع أيادي وزيري الخارجية الإسرائيلي والأمريكي، وذلك في صحراء النقب، التي تشهد حربا خطيرة لانتزاع أراضي سكانها الفلسطينيين، وفي كيبوتس، رمز المستوطنين المزارعين اليهود، وعلى مقربة من قبر بن غوريون، أحد أعلام تأسيس الدولة العبرية.
هل يعني حدث الاجتماع “التاريخي” الآنف، بين وزراء خارجية أربع دول عربية وازنة انتهاء الصراع العربي – الإسرائيلي، وهل يمكن أن تكون العمليات المسلّحة الأخيرة أحد الأجوبة على هذا السؤال؟
إذا كانت إسرائيل قد اكتشفت، بعد 74 عاما من إعلان تأسيسها، أن تقسيم الشعب الفلسطيني مستحيل، بحكم الواقع والجغرافيا والتاريخ، فهذا يعني أن الأنظمة العربية المطبّعة ستكتشف أيضا، أن فصل شعوبها عن التاريخ والجغرافيا غير ممكن أيضا.
لقد قالت الأرض، كما كتب محمود درويش يوما، أسرارها الدموية، وما علينا سوى أن نفهمها!
القدس العربي