في يوم حافل لصناعة النفط العالمية، قرر الرئيس الأميركي جو بايدن استخدام احتياطي النفط الأميركي الهائل على نحو غير مسبوق في محاولة للجم ارتفاع الأسعار في السوق، وبينما اتفقت منظمة البلدان المصدّرة للبترول (أوبك) وحلفاؤها ومنهم روسيا على الالتزام باتفاق زيادة الإنتاج تدريجيا، رافضين ضغوطا لضخ المزيد، استبعدت مجموعة “أوبك بلس” وكالة الطاقة الدولية بوصفها مصدرا للبيانات، في مؤشر آخر على خلاف آخذ في الاتساع مع دول غربية.
وتصدّت المجموعة لدعوات متكررة من الولايات المتحدة ووكالة الطاقة بضخ عاجل لمزيد من الخام لتهدئة الأسعار التي صعدت لتقترب من أعلى مستوياتها على الإطلاق بفعل مخاوف من اضطراب الإمدادات الروسية عقب فرض واشنطن والاتحاد الأوروبي عقوبات على موسكو بعد غزوها لأوكرانيا.
خطوة أميركية
من جانبه، أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن زيادة كبيرة في إنتاج النفط وقال “أمرت اليوم بالإفراج عن مليون برميل يوميا من الاحتياطي الفدرالي البترولي لمدة 6 أشهر”، وأضاف “لا نريد لشركات النفط أن تزيد أرباحها على حساب الأميركيين”.
وأضاف بايدن الذي يواجه تضخمًا قياسيًّا يقوّض شعبيته “أتطلع إلى رؤية حجم النفط الذي سيسحبه حلفاؤنا من احتياطاتهم، وأتوقع أن يكون ما بين 30 و50 مليون برميل”.
وتابع “حجم هذه الخطوة غير مسبوق.. لم يقم العالم إطلاقًا باستخدام احتياطي نفطي بمعدل مليون برميل في اليوم لهذه الفترة الزمنية، سيوفر هذا الاستخدام القياسي كمية تاريخية من الإمداد لتكون بمنزلة جسر حتى نهاية العام عندما يزداد الإنتاج المحلي”.
والتخطيط لهذا الإغراق القياسي للسوق النفطية الأميركية أسهم في خفض الأسعار الخميس في لندن ونيويورك بنحو 5%، وهذه الكمية من النفط وفقًا لبيان صادر عن الإدارة الأميركية ستكون “إجراء انتقاليا حتى يزداد الإنتاج (الأميركي) في نهاية العام”.
وستستخدم الإدارة الأميركية عائدات بيع هذا الاحتياطي لتجديد المخزون “في السنوات القادمة”.
وتعهد البيت الأبيض الذي تتهمه المعارضة الجمهورية بالإضرار بالنشاط النفطي في الولايات المتحدة “ببذل كل ما في وسعه” لتشجيع عمليات الاستخراج على الأراضي الأميركية.
ويطلب جو بايدن مثلا الآن من الكونغرس فرض غرامات على الشركات التي لديها التصاريح والأراضي اللازمة من دون أن تستغلها.
وفي إطار تعزيز استقلالية موارد الطاقة الأميركية، سيطالب الرئيس بتفعيل “قانون الإنتاج الدفاعي” الموروث من الحرب الباردة، وذلك يسمح له باتخاذ قرارات اقتصادية بموجب مراسيم لتشجيع تطوير الطاقات الخضراء.
وأنشئ الاحتياطي النفطي الإستراتيجي الأميركي في عام 1975 لمواجهة صدمات النفط، وهذا الاحتياطي المدفون في كهوف ملحية ضخمة يبلغ عمقها 800 متر على طول ساحل خليج المكسيك قادر على تخزين ما يبلغ 714 مليون برميل نفط لكنه يضم حاليًّا 568 مليون برميل. وتستخدم الإدارة الأميركية باستمرار هذا الاحتياطي الإستراتيجي منذ الخريف، عندما ترسخ ارتفاع أسعار النفط، فقد أعلنت في نوفمبر/تشرين الثاني أنها تريد استخدام 50 مليون برميل ثم مرة أخرى 30 مليونا مطلع مارس/آذار.
خلافات منتجي النفط
ولم تستجب “أوبك بلس” لدعوات متكررة من الولايات المتحدة ووكالة الطاقة بضخ مزيد من الخام لتهدئة الأسعار التي زادت على خلفية الحرب الروسية على أوكرانيا وتبعاتها، وترفض السعودية والإمارات حتى الآن هذه الدعوات وقالتا إنه يتعين على المجموعة عدم التدخل في السياسة وينبغي أن ينصب تركيزها على تحقيق التوازن في سوق النفط وتلبية احتياجات المستهلكين.
وقال كالوم ماكفيرسون من “إنفستيك” إن السعودية ستحرص على تجنب الخلاف مع روسيا بضخ براميل إضافية “عندما يواجه الإنتاج الروسي صعوبات”.
وتضم “أوبك” 13 دولة منتجة ومصدرة للنفط بقيادة السعودية، في حين تضم وكالة الطاقة الدولية 31 دولة مستهلكة للخام، بقيادة الولايات المتحدة.
ويراوح نقص إمدادات النفط العالمية بين 5 و6 ملايين برميل يوميا، وهو ما يراوح بين 5% إلى 6% من الطلب العالمي، وفقا لحسابات رويترز، بعد أن أثرت العقوبات والصراعات ومشكلات البنية التحتية في الإمدادات.
وتعمل “أوبك بلس” على إلغاء تخفيضات الإنتاج القياسية المطبقة منذ عام 2020 مع تعافى الطلب من جائحة فيروس كورونا، لكن المجموعة لا تزيد الإنتاج بالسرعة التي يريدها الغرب والمستهلكون الآخرون.
وتجتمع وكالة الطاقة الدولية غدا الجمعة لاتخاذ قرار بخصوص سحب جماعي من احتياطيات النفط، وانخفضت العقود الآجلة لخام برنت 6% إلى 107 دولارات للبرميل في معاملات اليوم الخميس، وكانت “أوبك بلس” حذرت من تعرض الاقتصاد العالمي لضربة كبيرة إذا طال أمد الصراع في أوكرانيا.
وقالت “أوبك بلس” في تقرير داخلي اطلعت عليه رويترز “من المتوقع أن تتراجع معنويات المستهلكين والشركات، ليس فقط في أوروبا ولكن أيضا في بقية أنحاء العالم، عندما يقتصر الأمر على حساب التأثير التضخمي الذي تسبب فيه الصراع بالفعل”.
المصدر : الجزيرة + وكالات