نشر موقع مجلة “فورين بوليسي” تقريرا أعدته أنشال فوهرا قالت فيه إن التوصل لاتفاقية مع إيران أهم من رمزية وضع الحرس الثوريعلى قائمة الجماعات الإرهابية. ولهذا فقد حان الوقت لتقديم تنازلات بشأنه، ذلك أن الموضوع بات يعوق التوصل لإحياء الاتفاقية النووية التي وقعتها إدارة باراك أوباما في 2015 وألغتها إدارة دونالد ترامب في 2018 وترغب إدارة جو بايدن بإحيائها.
وأضافت أن الأسابيع الأخيرة الماضية شهدت تحولا في نبرة الدبلوماسيين من القول إن إحياء الاتفاقية النووية ستحصل في أيام إلى الاعتراف أن توقيع صفقة ليس مؤكدا. وبدأت المحادثات قبل عام ولكن الزمن يمثل الجوهر بالنسبة للغرب الذي يرى أن إيران في أقل من شهر ستحصل على قدرات تمكنها من صناعة القنبلة النووية. ولأن طهران شعرت أن لديها التميز فقد خاضت في عملية مقايضة أخيرة.
وبعد قرار ترامب تمزيق الاتفاقية ومن طرف واحد، بدأت طهران بتخصيب اليورانيوم إلى نسبة 60% وقريبا من عتبة 90% المطلوبة لبناء الأسلحة النووية. ووافقت إيران على تخفيض معدلات تخصيب اليورانيوم إلى نسبة 3.67% كما نصت الاتفاقية الأولى. وطلبت إيران بالمقابل التزام الحكومات الأمريكية المقبلة بالاتفاقية، وهو طلب رفض حالا.
ويشعر الإيرانيون بالعصبية حول طول أمد الاتفاق بسبب المعارضة الجمهورية له. وقال نائب الرئيس السابق مايك بنس إن الاتفاقية ستمزق لو عاد الجمهوريون إلى البيت الأبيض. وتم تطمين إيران باتفاق سيجنبها تدمير كل أجهزة الطرد المركزي (وليس من الواضح إن كانت إيران ستفصل الطاقة عنها أو تفككها أم أنها سترسلها لدولة ثالثة للحفاظ عليها).
وبدا وكأن كل شيء قد تم، معظمه، إلا أن إيران رمت مفتاح البراغي في أثناء العمل وقالت إنها لن توافق إلا في حال شطبت الولايات المتحدة الحرس الثوري من قائمة الجماعات الإرهابية والتي تشرف عليها وزارة الخارجية الأمريكية. وهناك الكثير من الانزعاج من الموقف الدبلوماسي الإيراني المتشدد، وبالنظر إلى السياق الحساس، فهذا تنازل كان على الولايات المتحدة أن تكون جاهزة لتقديمه.
وأكدت طهران بداية على تجنب طرح القضايا غير النووية في النقاشات المتعلقة بإحياء الاتفاقية. ووافقت الولايات المتحدة على عدم شمل الدور الإقليمي لإيران من خلال جماعاتها الوكيلة وبرامج الصواريخ الباليستية. وعبر حلفاء واشنطن في المنطقة عن خيبة أمل بهذا الاتفاق. ولو وافقت واشنطن على شطب الحرس الثوري من قائمة الإرهاب فسيفسر القرار على أنه إهانة للجميع.
وفرضت الولايات المتحدة في الأسبوع الماضي عقوبات على كيانات مرتبطة ببرنامج الصواريخ الباليستية لطمأنة حلفائها. وأكثر من هذا أكد المبعوث الأمريكي لإيران روبرت مالي ووزير الخارجية أنتوني بلينكن أنه بعيدا عن تصنيف الحرس الثوري كمنظمة إرهابية فإنه يظل كيانا غير شرعي وستظل العقوبات المفروضة عليه كما هي ومن أجل منعه من إدارة تعاملات تجارية في الخارج.جوفرضت على الحرس كل أنواع العقوبات منذ عام 2007، وتمنع البنوك والشركات الأمريكية من التعامل معه أو الكيانات المرتبطة به. وأضيف الحرس إلى قائمة الجماعات الإرهابية الأجنبية عام 2019 أثناء إدارة ترامب، إلا أن هذا لم يمنع الحرس من ممارسة كل أنواع النشاطات التي أحدثت الخراب في المنطقة، وواصل دعمه للجماعات الوكيلة في لبنان وسوريا والعراق واليمن، وظل يتحرك بحرية في المنطقة رغم تصنيفه كحركة إرهابية.
ويظل شطب الحرس عن القائمة خيارا غير مفضل لدى أي إدارة أمريكية في ضوء الضغوط الخارجية والمحلية. ومع ذلك فالتعامل مع إيران لم يكن أبدا عن الخيارات الجيدة. والسؤال إن كان التوصل لصفقة نووية مع إيران ومنعها من الحصول على اليورانيوم الكافي لإنتاج القنبلة النووية يتفوق على ثمن شطب الحرس الثوري من قائمة الإرهاب. ويناقش البعض أن الحرس سيظل عرضة للعقوبات من خلال عدة برامج للعقوبات الأمريكية، فشطبه من قائمة الإرهاب لن يغير من الوضع ولا يعتبر تنازلا كبيرا من إدارة بايدن.
ويرى علي فائز، مدير برنامج إيران في مجموعة الأزمات الدولية أن التصنيف الإرهابي لم يترك أثرا على نشاطات الجماعة العسكرية في المنطقة، بل على العكس، فقد كثفت الجماعة بعد وضعها على القائمة من هجماتها في المنطقة. و”بعد عدة أسابيع، حدثت هجمات يشتبه بوقوف إيران خلفها من الهجوم على السفن التجارية، وإسقاط مسيرة أمريكية والهجوم على منشآت تابعة لأرامكو وهجمات متكررة ضد القوات الأمريكية في العراق” و”من الصعب مناقشة أن التصنيف فعل الكثير للحد من تأثير الحرس الثوري، وفي الحقيقة جعله أكثر جرأة”.
وبحسب تقارير فقد أكدت إيران أنها ستلتزم بتخفيض التوتر في المنطقة مقابل شطب الحرس الثوري من قائمة الجماعات الإرهابية. ولا يوجد ما يؤكد أنها ستفي بوعدها، بشكل قاد لتحذير من البعض أن التصنيف يجب أن يظل قائما حتى يحد الحرس الثوري من دعمه للميليشيات المحلية التي ترتهن النظام السياسي في دول الجوار وبناء على نزوات إيران. وأوصى البعض أن أي التزام إيراني يجب أن يحدث بشكل علني.
وقال فرزين نديمي، الزميل في معهد واشنطن “لو تم ربط أي شطب بالتزامات جديدة من الجانب الإيراني، تؤثر مثلا على ترسانتها الصاروخية ونشاطاتها البحرية وسلوكها في المنطقة، فيجب أن يكون عاما وصريحا وعرضها للجمهور بشكل يحرمها من أي مجال للتفسير”.
وترى الكاتبة أن مطلب شطب الحرس الثوري على علاقة مع محاولة الرئيس المتشدد إبراهيم رئيسي استرضاء حلفائه. وتم تشكيل الحرس الثوري في عام 1979 كوحدة لحماية الثورة. وخاض حربا لمدة 8 أعوام مع العراق في الثمانينات من القرن الماضي. ولا يأخذ الحرس أوامره إلا من المرشد الأعلى للجمهورية، حاليا آية الله علي خامنئي.
وعلى مدى 40 عاما ظل الحرس الثوري أداة بيد الآيات ضد منافسيهم وقوى السوق من أجل الحفاظ على الهيمنة. وحسب بعض التقديرات فإنه يسيطر على ثلث اقتصاد إيران، مع أن النسبة قد تكون أكبر. وكل مبادراته التجارية سرية وتظل سرا. وحصلت شركة الإنشاءات الخاضعة له على آلاف من العقود التجارية المربحة. وحصل على عطاءات مزورة لخصخصة قطاع الاتصالات ويدير كل شيء من قطاع المعادن إلى صناعة الألعاب الإلكترونية والتجارة غير المشروعة. وسمح له الرئيس السابق محمود أحمدي نجادبدخول قطاع الطاقة. وعمل نجاد في وحدات الأمن والاستخبارات بالحرس.
ويظل شطب الحرس من قائمة الإرهاب أمرا يتعلق بالمكانة والشرف ولأنه يعتبر نفسه حاميا للجمهورية وقوة للخير في المنطقة ضد الجهاديين السنة. وتوافق المؤسسة الحالية في إيران على هذا الموقف، ونظرا للدعم السياسي الذي يحظى به فمن الصعب رؤية أي ضرر سيحصل على هذه المؤسسة نتيجة للعقوبات الأمريكية. والطريقة الوحيدة لإضعافه هي هيمنة المعتدلين على معظم النظام السياسي، وهناك القليل الذي يمكن للولايات المتحدة تحقيقه على المدى القصير وبالتأكيد في سياق المحادثات النووية. والقتال حول مكانة الحرس الثوري هي حرب أعصاب ومن غير المعروف من سيرمش أولا. وربما لا يكون من الحكمة أن يتنازل الغرب، لأن الوقت ليس في صالحه. ولو سمح لإيران أسبوعا أو شهرا لمواصلة نشاطاتها النووية فإنه قد يلغي الصفقة بشكل كامل.
ولخص فائز تصنيف الحرس الثوري بقوله “لا يساعد أمريكا ولا يضر بإيران”.
القدس العربي