ربط رئيس هيئة الحشد الشعبي في العراق فالح الفياض تسليم الميليشيات المسلحة لأسلحتها بانسحاب القوات الأميركية من البلاد، وأيضا بتشكيل حكومة جديدة، فيما بدا استجابة لأحد الشروط التي وضعها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر سابقا للانخراط في جهود مشتركة مع الإطار التنسيقي لتشكيل حكومة.
ويرى مراقبون أن موقف رئيس هيئة الحشد الشعبي، وبغض النظر عن مدى قابليته للتنفيذ على أرض الواقع أو عما إذا كان مناورة، هو محاولة جديدة من القوى الموالية لإيران لتليين موقف الصدر ومنحه سلما للنزول من الشجرة التي صعدها، في علاقة برفضه الدخول في شراكة معها لإدارة العملية السياسية في العراق.
ويشير المراقبون إلى أن تصريحات الفياض تندرج في سياق رفد جهود الإطار التنسيقي، الممثل للمكونات القريبة من إيران، لإحداث اختراق في الأزمة السياسية التي يشهدها العراق منذ إعلان نتائج الانتخابات التشريعية التي جرت في أكتوبر الماضي.
ويقود الإطار التنسيقي منذ أيام جهودا لإقناع القوى السياسية بما في ذلك التيار الصدري، بمبادرة سبق وأن طرحها قبل أيام، دون أن يتم الكشف عن تفاصيلها، وذلك بعد أن أعلن الصدر وفي خطوة مفاجئة عن قراره الانسحاب من جهود اختيار رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة، عقب فشل الجلسة النيابية الثالثة لإنجاز الاستحقاق الرئاسي. وعمد الصدر إلى إلقاء الكرة في ملعب الإطار التنسيقي لتحقيق ما عجز عنه، ممهلا الأخير أربعين يوما.
وقبل أن تدخل الأزمة العراقية في حالة من الانسداد كان الصدر قد رهن المشاركة مع الإطار التنسيقي بجملة من الشروط، من بينها استبعاد ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، وأيضا حل الميليشيات “المنفلتة” وتسليم أسلحها.
التحالف الدولي يعلن أن أنظمة الدفاع الجوي الأميركية أسقطت طائرة مسيّرة مفخّخة استهدفت قاعدة عين الأسد الجوية
وقال رئيس هيئة الحشد الشعبي إن الصدر “اشترط تسليم سلاح الفصائل لهيئة الحشد الشعبي خلال أشهر، ومن حيث المبدأ تمت الموافقة على هذا المقترح”، مستدركا أن “الفصائل تشترط تشكيل حكومة جديدة، وانسحاب القوات الأميركية لقاء تسليم سلاحها”.
والفصائل التي تعمل خارج إطار الدولة، مصطلح يطلق على ميليشيات مسلحة شيعية تندرج ضمن ما يسمى من أنصارها بـ”فصائل المقاومة”، وغالبيتها لها ارتباطات مع إيران.
ورغم إعلان الفياض عن شرط هذه الميليشيات لتسليم أسلحتها، إلا أنه أكد أن “لا علاقة لها بالحكومة أو هيئة الحشد الشعبي”.
و”الحشد الشعبي” هو مظلة لمجموعة من الميليشيات معظمها موال أيضا لإيران، تشكلت في العام 2014 على إثر اجتياح تنظيم داعش لمناطق واسعة في العراق، وقد تم اعتبارها لاحقا مؤسسة رسمية مرتبطة بمكتب القائد العام للقوات المسلحة، رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي.
ويقول المراقبون إن الميليشيات التي تطلق على نفسها “فصائل المقاومة” الجزء الكبير منها ينتمي إلى الحشد الشعبي، على غرار “كتائب حزب الله العراقي” و”عصائب أهل الحق” و”كتائب سيد الشهداء” و”حركة النجباء”، وبالتالي فإن الحديث عن تسليم أسلحتها للحشد ينطوي على مغالطة كبيرة.
ولهذه الميليشيات غطاء سياسي يتجسد في تحالف الفتح الذي يقوده زعيم منظمة بدر هادي العامري، والمنضوي بدوره ضمن الإطار التنسيقي.
وقال الفياض إن “الهيئة التنسيقية لفصائل المقاومة عبارة عن جهة معنوية تعلن عن نفسها وتتبنى عمليات معينة، ولا وجود لتداخل بين الحشد وهذه الفصائل، وربما تكون هناك اشتراكات فردية من قبل عناصر في الحشد الشعبي أو أمنية أو حتى قضائية، وهو أمر وارد”. وذكر أن “هيئة الحشد الشعبي أصدرت بيانات في أكثر من مناسبة نفت فيها علاقتها بأي عملية تنفذها الفصائل”.
ومؤخرا، تزايدت وتيرة الهجمات التي تستهدف قوات التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة، في جميع أنحاء العراق. وأعلن التحالف الدولي الجمعة أن أنظمة الدفاع الجوي الأميركية أسقطت طائرة مسيّرة مفخّخة استهدفت قاعدة عين الأسد، التي تضم قوات من التحالف.
الموقف الذي أعلن عنه الفياض هو فقط محاولة لإظهار أنهم على استعداد لعرض تنازلات على الصدر في مقابل قبوله تشكيل الكتلة النيابية الأكبر مع الإطار
وقال التحالف في بيان إن الطائرة أسقطت ليلا عند دخولها قاعدة عين الأسد الجوية غرب العراق، مضيفا أنه “لم يتم الإبلاغ عن أي إصابات أو أضرار”. وتأتي الهجمات بالتزامن مع تهديد ميليشيات مسلحة باستهداف القوات الأجنبية بالبلاد، بعدما شككت في إعلان انسحابها وتحويل مهامها إلى استشارية.
- ويرى متابعون أن الشرط الأول الذي رسمه الفياض لتسليم تلك الميليشيات لأسلحتها، هو في واقع الأمر شرط إيراني، فطهران تعمل جاهدة على إجبار الولايات المتحدة على إنهاء أي وجود عسكري أميركي في العراق، حتى وإن كان استشاريا.
- ويشير المتابعون إلى أن الموقف الذي أعلن عنه الفياض هو فقط محاولة لإظهار أنهم على استعداد لعرض تنازلات على الصدر في مقابل قبوله تشكيل الكتلة النيابية الأكبر مع الإطار، التي ستكون لها اليد الطولى في تحديد رئيس العراق المقبل ورئيس الوزراء، لكن هذه التنازلات يجب ألا تتعارض والحسابات الإيرانية.
ويلفت المتابعون إلى أنه من المستبعد أن يغير العرض موقف الصدر الذي يبدو أنه مستعد للذهاب بعيدا، بما في ذلك الدفع باتجاه حل البرلمان وإجراء انتخابات تشريعية جديدة، على أن ينخرط مع الإطار في تشكيل الكتلة الأكبر، حيث يعتبر أن ذلك سيعني خسارة الأسبقية التي حازها في الانتخابات الأخيرة.
وفي ديسمبر الماضي، أعلن العراق والتحالف الدولي انتهاء المهام القتالية لقوات التحالف رسميا في البلاد. وقادت واشنطن منذ عام 2014 تحالفا دوليا ضد تنظيم “داعش” الإرهابي في الجارتين العراق وسوريا، تولى مهمة تقديم الدعم اللوجستي والاستخباري والجوي للقوات العراقية في عملياتها العسكرية ضد التنظيم.
الغد