القفز على المشكلات الخلافية لتطبيع العلاقات المصرية – التركية

القفز على المشكلات الخلافية لتطبيع العلاقات المصرية – التركية

عاد الحديث حول تطبيع العلاقات بين مصر وتركيا ليحتل مساحة من الجدل السياسي عقب تصريحات أدلى بها وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو الخميس قال فيها إن بلاده “ستقدم قريبا على خطوات لتطبيع العلاقات مع مصر”.

وأوضح خلال مؤتمر صحافي عقده عقب مشاركته في اجتماع وزراء خارجية دول حلف شمال الأطلسي في بروكسل أن أنقرة أقدمت على عدد من الخطوات في إطار تطبيع العلاقات و”خلال الأيام المقبلة سنقدم على خطوات أخرى في هذا الخصوص”.

وربطت دوائر سياسية عربية بين ما قاله جاويش أوغلو وما أذاعته وسائل إعلام تركية أخيرا بشأن عزم أنقرة تعيين ممثلها السابق لدى منظمة التعاون الإسلامي صالح موتلو شين سفيرا لها في القاهرة وأنها تنتظر موافقتها على ذلك.

أحمد فؤاد أنور: التطبيع يتوقف على عدم تورط تركيا في ما يهدد مصالح مصر

ولأن أنقرة لم تتلق ردا حاسما على ترشيحها من القاهرة اضطر جاويش أوغلو لتقديم المزيد من التوضيح بالقول “عندما نتخذ قرارا متبادلا بتعيين السفراء سنعلن ذلك للرأي العام، لكن حتى الآن لم يتم اتخاذ مثل هذا القرار”.

وتلجأ الدبلوماسية المصرية عادة إلى الحذر كثيرا في التعامل مع الإشارات الإيجابية التي تتلقاها من تركيا، وهي علامة على عدم الوصول إلى مرحلة متقدمة من الثقة وحسن النوايا، على الرغم من الهدوء الذي يعتري العلاقات منذ نحو عام، وتقدم محدود قامت به أنقرة لتحجيم الدور السياسي والإعلامي لعدد من قادة جماعة الإخوان.

وتجمدت المشاورات الدبلوماسية الاستكشافية التي عقدت في القاهرة وأنقرة العام الماضي بشأن تسوية الملفات الخلافية، ووقفت الحوارات في منتصف الطريق، فلم تؤدّ إلى تنقية الأجواء تماما أو تعيدها إلى سيرتها السابقة من التصعيد المتبادل.

ووفّرت توجهات تركيا الإقليمية وتحسن علاقتها مع السعودية والإمارات وإسرائيل قاعدة صلبة لتطبيع العلاقات مع مصر التي لا تريد الدخول في تصعيد جديد مع أنقرة أو غيرها طالما أن هناك عدم تدخل في الشؤون الداخلية لمصر.

وذكر عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية أحمد فؤاد أنور لـ”العرب” أن الثقة في انفتاح تركيا الإقليمي وجدية تحركها في هذا السياق تتوقف على صدق ممارساتها مع ما أعلنته من توجهات سياسية نحو دول مختلفة من بينها مصر.

وأضاف أن العبرة تكمن في مدى تخلي أنقرة عن سياساتها السابقة بلا مناورات جديدة، فإذا أرادت أن تحقق نجاحا في علاقتها مع القاهرة عليها مراعاة الأطر الحاكمة للمحددات الأمنية والسياسية والاقتصادية في المنطقة وألّا تتورط في ما يهدد مصالح مصر، ولذلك يظل تجاوز العقبات التي وضعتها من قبل هو العنوان الأول الذي يشير إلى أي اتجاه ستمضي العلاقات بين البلدين.

وجاءت تحركات أنقرة نحو مصر في سياق سياسة تتبناها قيادتها لتصفير الأزمات، وهو توجه أعلنت عنه منذ نحو عقدين من دون أن تلتزم به، وأبدت رغبة في العودة إليه بعد أن تزايدت التحديات الداخلية والخارجية أمام النظام الحاكم.

ولاحظ متابعو الدراما المصرية التي تتناول فترة تدهور العلاقات بين البلدين خلوّ أحداثها من أية إشارة مباشرة إلى تركيا التي اتهمت سابقا بدعم جماعة الإخوان والمتطرفين والعنف في مصر، وهي دلالة على وجود تغير في التصورات وحرص على تجنب توتير العلاقات معها، بما يدفع إلى التفاؤل بإمكانية حدوث تحسن ملحوظ الفترة المقبلة.

المشاورات الدبلوماسية الاستكشافية التي عقدت في القاهرة وأنقرة العام الماضي تجمدت ووقفت الحوارات في منتصف الطريق

وتسببت تصريحات جاويش أوغلو في بروكسل في اعتذار عدد من قادة جماعة الإخوان عن تلبية دعوة مستشار رئيس حزب العدالة والتنمية ياسين أقطاي السنوية في اليوم نفسه الذي يجتمع فيه قادة الجماعة للإفطار في اسطنبول كنوع من الغضب على التحركات الدبلوماسية التركية حيال مصر التي قد يدفعون ضريبتها.

وجرى تجاوز الكثير من عُقد جماعة الإخوان من قبل مصر وتركيا، كأن هناك رغبة في عدم الوقوف عندها، خاصة أن الجماعة فقدت قوتها الأمنية وبريقها السياسي وضجيجها الإعلامي، ولم تعد ورقة مهمة في الضغط على النظام المصري الذي لا يريد لها أن تحول دون تطوير العلاقات مع تركيا طالما أنها لا تستهدف مصر.

وتسعى أنقرة للوصول مع القاهرة إلى المربع ذاته الذي سلكته مع الرياض وأبوظبي ويقوم على تعظيم المصالح المشتركة وعدم فتح قضايا شائكة ترى أن الزمن تجاوزها أو أن فتحها لن يساعد على تطوير العلاقات.

ويريد النظام التركي الاستفادة من تجربة مصر مع قطر والعمل على تكرارها، حيث جرى تطبيع العلاقات بين البلدين وتم تبادل السفراء من دون وضع شروط مسبقة أو الاستجابة لمطالب وضعتها القاهرة على الطاولة من قبل أمام الدوحة.

وتخلت القاهرة عن وضع قيود على العلاقات مع الدوحة بموجب ما فرضته تغيرات إقليمية عديدة وتحولات لحقت بالتفكير المصري في التعامل مع الخصوم بعد استقرار الأوضاع الداخلية في البلاد، وانكسار شوكة الكثير من الأدوات التي كانت تستخدمها قطر، وهو ما ينطبق على تركيا التي لم يعد وجود قواتها العسكرية في ليبيا يمثل أزمة وجودية للقاهرة بعد أن خفضت سقف مناوشاتها وطموحاتها.

الدبلوماسية المصرية تلجأ عادة إلى الحذر كثيرا في التعامل مع الإشارات الإيجابية التي تتلقاها من تركيا، وهي علامة على عدم الوصول إلى مرحلة متقدمة من الثقة وحسن النوايا

وقد لا تستغرق خطوة عودة السفراء بين البلدين وقتا طويلا، فما يجري من تطورات في العالم ومنطقة الشرق الأوسط يشير إلى أن هناك خارطة جديدة تتم هندستها لا تستطيع أن تستوعب التوجهات التي أدت إلى الصدام بين مصر وتركيا.

ويقول مراقبون إن طي الصفحة الماضية يمثل حاجة مهمة للقيادة السياسية في البلدين، ويسهم في عدم الوقوف عند تفاصيل العراقيل التي قادت إلى التباين بينهما، خاصة أن كليهما يحرصان على وضع أقدامهما في مشروعات إقليمية لم تختمر معالمها النهائية تماما، لكن في كل الأحوال لن تتواءم مع التصورات الخلافية السابقة التي هزت العلاقات بينهما.

ويضيف المراقبون أن هذه الترتيبات، حال اكتمالها، لن تسمح بصراع محتدم بين تركيا ومصر أو غيرها من الدول العربية المهمة، فإن لم يكن هناك تعاون لا يجب أن يصبح الصراع قاسما مشتركا في وقت قد تتحول فيه إيران إلى هدف إقليمي.

صحيفة العرب