بغداد – توقعت أوساط سياسية عراقية أن يقود إزماع الشركة الحكومية للنفط (سومو) على تطبيق قرار المحكمة الاتحادية القاضي بأن تضع الحكومة المركزية يدها على نفط إقليم كردستان، إلى أزمة جديدة تزيد من تعقيدات الأزمة السياسية الحالية في ظل تمسك كل طرف بمصالحه الحزبية والطائفية كشرط لدعم مسار اختيار رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة.
وقالت هذه الأوساط إن التحالف البرلماني الثلاثي القائم بين الكتلة الصدرية والحزب الديمقراطي الكردستاني والسنة سيتلقى ضربة قوية من خلال قرار الشركة الحكومية باستلام حقول النفط والغاز في المناطق الواقعة تحت سيطرة الأكراد، وإن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر سيجد نفسه في وضع حرج إذ من الصعب أن يكون في صف قرار المحكمة وتنفيذ شعاراته بشأن استعادة الدولة لهيبتها من جهة، ومن جهة ثانية يتمسك بالتحالف مع مسعود بارزاني رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني ويقبل بشروطه لاختيار رئيس جمهورية ورئيس حكومة دون الحاجة إلى أصوات نواب الإطار التنسيقي الشيعي الموالي لإيران.
أمين بابا شيخ: تأجيل التفاوض حول قضية النفط إلى ما بعد تشكيل الحكومة
وأشارت هذه الأوساط إلى أن الصدر لا يستطيع أن يقدم تعهدات لحليفه بارزاني بشأن الالتفاف على قرار المحكمة، كما أنه لا يقدر على وقف الخطوات التي قطعتها شركة سومو لوضع يدها على حقول النفط والغاز، فالصدر وإن كان فائزا في الانتخابات فإنه لا يزال خارج الحكم ولا سلطة له على الشركة الحكومية. كما أن أي إيحاء بتقديم التنازل سيعتمده ضده خصمه نوري المالكي رئيس تحالف دولة القانون، والعضو الفاعل في الإطار التنسيقي.
وقالت شركة سومو الاثنين إن وزارة النفط اتخذت كل الخطوات اللازمة لتطبيق قرار المحكمة الاتحادية، القاضي بأن تكون إدارة حقول النفط والغاز بشمال العراق خاضعة لسلطة الوزارة الاتحادية وبالتعاون مع سلطات إقليم كردستان.
ولم يستبعد مراقبون عراقيون أن تكون هذه الخطوة التصعيدية قد تم التخطيط لها بهدف إحراج الصدر وتياره، خاصة أنها تزامنت مع انعقاد اجتماع بين ممثلين حكوميين وآخرين عن الأكراد لمناقشة آليات حل هذه الأزمة بشكل ودّي وبعيدا عن التصعيد السياسي، مشيرين إلى أن هذا الملف الحساس سيعيد خلط التحالفات خاصة أن الأكراد سيكونون مجبرين على ترك خلافاتهم جانبا -بما فيها تلك التي تتعلق بموضوع رئيس الجمهورية- والتفرغ لرفض سعي الحكومة إلى التحكم في قطاع النفط وعائداته الحيوية بالنسبة إلى إقليم كردستان العراق، وخاصة مراجعة العقود التي أبرمها قادة الإقليم.
وذكر بيان لوزارة النفط الاثنين “أن وزارة النفط الاتحادية ووفد رفيع يمثل حكومة إقليم كردستان سيعقدان اليوم (أمس الاثنين) أول اجتماع لبحث الإجراءات التنفيذية، بعد قرار المحكمة الاتحادية للاتفاق على آليات جديدة ومعيارية لإدارة ملف الصناعة النفطية في الإقليم، وبما يحقق أعلى منفعة وعوائد مالية خدمة للصالح العام، تسهم في تعزيز ودعم الاقتصاد الوطني وتكامل الصناعة النفطية الوطنية”.
وأوضح البيان “أن وزارة النفط كانت قد شكلت لجانا متخصصة بهذا الشأن لإعداد خارطة طريق لبحث وتداول جميع الملفات الخاصة بالصناعة النفطية في الإقليم، وعقدت اجتماعات وورشا تخصصية مكثفة مع خبراء محليين ودوليين. كما كلفت شركة النفط الوطنية مستشارين متخصصين بمراجعة جميع العقود المبرمة بين حكومة إقليم كردستان والشركات الدولية”.
وعلى هامش اللقاء حث وزير النفط العراقي إحسان عبدالجبار إسماعيل على مراجعة جميع العقود وتعديلها وتحسينها، و”تحويل جهة تعاقدها من وزارة الثروات الطبيعية إلى شركة نفطية تؤسس لهذا الغرض بموجب قرار من مجلس الوزراء يكون مقرها في أربيل، تُمَلك للسلطة الاتحادية، وتُخول بإدارة مجمل النشاط النفطي”.
كما اقترح “فتح حساب ضمان مصرفي في المصارف العالمية؛ لغرض إيداع جميع إيرادات بيع وتصدير النفط الخام، يُمَلك لوزارة المالية ويُستخدم لتأمين مدفوعات لصالح الإقليم في حال تأخير إرسالها من وزارة المالية الاتحادية”.
وأصدرت المحكمة الاتحادية العليا -أعلى سلطة قضائية في العراق- في فبراير الماضي أمرا يلزم حكومة إقليم كردستان بتسليم كامل النفط المنتج على أراضيه للحكومة الاتحادية.
كما تضمن الحكم الذي نشر على موقع المحكمة “إلزام حكومة إقليم كردستان بتمكين وزارة النفط العراقية وديوان الرقابة المالية الاتحادية بمراجعة كافة العقود النفطية المبرمة مع حكومة إقليم كردستان بخصوص تصدير النفط والغاز وبيعه”.
وتبلغ صادرات العراق الذي يعد ثاني أكبر مصدر للنفط في منظمة أوبك حوالي 3.5 مليون برميل يوميا تمثل وارداتها المالية 90 في المئة من موازنة البلاد.
وكان إقليم كردستان تعهد بتسليم 250 ألف برميل من إنتاجه اليومي -الذي يتجاوز 400 ألف برميل- إلى الحكومة المركزية عن طريق وزارة النفط، مقابل حصوله على رواتب المسؤولين الأكراد ومقاتلي البيشمركة، القوات المسلحة التابعة للإقليم.
وأعلن رئيس حكومة الإقليم مسرور بارزاني رفضه قرار المحكمة الاتحادية، مشددا على أن أربيل ستواصل العمل بقانون النفط والغاز الخاص بها.
وقال بارزاني إن قرار المحكمة الاتحادية الذي يقضي “بعدم دستورية قانون النفط والغاز في الإقليم يعتبر انتهاكا للدستور ولشعب كردستان”.
وتابع بارزاني “طلبنا من الحكومة العراقية منحنا فرصة للحوار بشأن النفط والغاز، إلا أنه للأسف لم يتم منحنا هذه الفرصة وتم اتخاذ هذا القرار المنفرد المخالف لروح الدستور والمبادئ الأساسية للنظام الاتحادي”.
ورغم الخلاف الحاد مع حزب بارزاني بشأن المرشح لرئاسة الجمهورية، فإن الاتحاد الوطني الكردستاني (حزب آل طالباني) انحاز إلى مصلحة الإقليم، وأعلن على لسان المتحدث باسمه أمين بابا شيخ أنه من الضروري التفكير في “إيجاد حلول للمشكلات بين الإقليم والحكومة الاتحادية، وليس تعقيد المشاكل أكثر”.
وأضاف “كان لا بد من تفاوض حكومة إقليم كردستان والحكومة الاتحادية على هذه القضية والقضايا الأخرى بعد تشكيل الحكومة استنادا إلى الأسس الدستورية”.
العرب