واشنطن – لم تُفْض محاولات الولايات المتحدة لتهدئة التوتر بينها وبين السعودية إلى نتيجة إلى حد الآن في ظل استمرار السعوديين في التحرك بمعزل عن مطالب واشنطن بشأن النفط، في وقت يحث فيه مشرعون بالكونغرس إدارة الرئيس جو بايدن على ممارسة ضغوط أكبر على الرياض لدفعها إلى التراجع عن موقفها المتشدد في أوبك+ ورفضها المساعدة على عزل روسيا.
وبلغ القلق الأميركي مستوى أكبر إثر تسريبات تفيد بتنسيق سعودي – صيني للتخلي عن الدولار في تعاملاتهما النفطية والاعتماد على اليوان الصيني في تسعير بعض مبيعات النفط السعودية.
وطلب نحو 30 عضوا ديمقراطيا في مجلس النواب من إدارة بايدن أن تكون أكثر تشددا تجاه السعودية، باعتبار أنها ليست شريكا استراتيجيا جيدا بعد رفضها المساعدة على تخفيف أزمة إمدادات النفط العالمية خلال الغزو الروسي لأوكرانيا.
وتزعّم النائب الديمقراطي من ولاية فرجينيا والعضو البارز في لجنة الشؤون الخارجية جيري كونولي، والنائب الديمقراطي من ماساتشوستس جيم ماكغفرن رسالة المشرعين في مطالبة وزير الخارجية أنتوني بلينكن بـ”إعادة تقويم” العلاقة الأميركية – السعودية.
وأشارت رسالة الديمقراطيين في مجلس النواب إلى أن السعودية لا تفعل شيئا لمساعدة الغرب على عزل روسيا بسبب حربها في أوكرانيا. كما حذرت مما يروج من تقارير تفيد بأن السعوديين يتباحثون مع الصين بشأن تسعير جزء من مبيعاتهم النفطية باليوان الصيني، وهي خطوة قد تضعف الدولار الأميركي.
ما يثير قلق الأميركيين ليس اعتماد اليوان بدلا من الدولار، فهذه مغامرة تبدو صعبة، ولكن استعداد السعودية لتنويع الشركاء على حساب واشنطن
وكانت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية قد أوردت في عدد سابق أن الرئيس الصيني شي جين بينغ قبل دعوة سعودية لزيارة المملكة ربما في مايو المقبل، وأن السعودية تدرس إمكانية قبول اليوان الصيني بدلا من الدولار في مبيعات النفط لبكين.
وكانت السعودية قد وقعت في 2016 تفاهما مع الصين، تتم بموجبه التعاملات التجارية بين البلدين باليوان الصيني والريال السعودي.
ويهز الاتفاق في حال اكتماله مكانة الدولار، لأن تأسيس نظام لأسعار الصرف المباشرة بين عملتي اليوان الصيني والريال السعودي سيتيح لبكين شراء النفط السعودي بعملتها مستقبلا، وهو ما سيلحق الضرر بالدولار.
وما يثير قلق الأميركيين ليس اعتماد اليوان بدلا من الدولار، فهذه مغامرة تبدو صعبة، وإنما استعداد السعودية لتنويع شراكاتها مع دول منافسة للولايات المتحدة، بما يحمله ذلك من إشارات دقيقة إلى أن المملكة لم تعد الحليف المثالي كما يريده الأميركيون.
ويعتقد مراقبون أن الولايات المتحدة ليست في وضع يسمح لها بفتح جبهة جديدة مع شريك مهم بالنسبة إليها، فلديها ما يكفيها من المشاكل خاصة بعد أن انكشفت محدودية أوراقها في مساعدة أوكرانيا على مواجهة التدخل الروسي، مشيرين إلى أن إدارة بايدن بدأت للتو في اكتشاف أن السعودية تغيرت جذريا، وأن التلويح بالضغوط ولعب ورقة حقوق الإنسان أو تحريك دعاوى قديمة لم تعد تؤثر عليها أو تدفعها إلى التراجع عن خياراتها.
ويرى المراقبون أن إدارة بايدن تدفع الآن ثمن الأخطاء التي ارتكبتها بتعمد تجاهل السعودية وفظاظة تهميش ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وكذلك قرارها الذي يقضي بنقل منظومات دفاعها الموجودة في الخليج إلى شرق آسيا، وخاصة تحمّسها لإنجاح اتفاق نووي مع إيران لا يراعي الأمن القومي للمملكة.
وصمت الأمير محمد بن سلمان وتحمّل التغاضي الأميركي واستهدافه بموضوع جمال خاشقجي، كما أشار إلى ذلك في المقابلة الأخيرة مع “ذي أتلانتيك” ثم ظهر بقوة ليقول إن السعودية تهتم ببناء علاقاتها الخارجية على قاعدة الندية، وهي حريصة على تمتين العلاقة مع واشنطن، لكن تبقى حماية المصالح الأميركية مهمة جو بايدن، في رسالة واضحة تفيد بأن المملكة لديها ما يكفي من البدائل، وأن الأميركيين إذا كانوا حريصين على مصالحهم فعليهم أن يغيروا أسلوبهم.
ويشير المراقبون إلى أن هذه الإدارة تبذل الآن كل ما في وسعها لتهدئة غضب السعوديين، لكن ليس لأجل مراجعة استراتيجية بايدن الخاطئة تجاه الرياض، وإنما من أجل كسبها في صف أميركا الساعية لعزل روسيا وإغراق السوق بالإمدادات النفطية بهدف تحقيق انخفاض حاد في الأسعار، ما يوجّه ضربة إلى روسيا التي تراهن على عائدات نفطها وغازها للاستمرار في الحرب.
ويتجاهل الأميركيون أن توجيه هذه الضربة إلى روسيا يعني آليا ضربة للسعودية التي لن تقبل أن تفعل ذلك بنفسها من أجل إرضاء إدارة بايدن، ولذلك تتمسك بشراكتها مع روسيا في أوبك+ وترفض إدخال النفط في لعبة السياسة الأميركية.
ودفع شح المعروض من النفط وارتفاع أسعاره إدارة بايدن إلى محاولة تحسين علاقتها مع السعودية وخاصة مع الأمير محمد بن سلمان، في وقت قالت فيه تقارير غربية إن ولي العهد السعودي رفض محاولات اتصال من بايدن، شأنه في ذلك شأن ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان.
وتواصل بلينكن وغيره من الدبلوماسيين والقادة العسكريين الأميركيين مع المسؤولين السعوديين، وتراجعوا عن الانتقاد العلني لسجن معارضين سعوديين، وشددوا على الدعم الدفاعي الأميركي للمملكة ضد هجمات الحوثيين الصاروخية على مواقع النفط السعودية. لكن هذه الوعود المتأخرة لم تغر السعوديين، واستمروا على مواقفهم الرافضة لتقديم تنازلات مجانية لإدارة أميركية مرتبكة في ملفات كثيرة.
العرب