يسلط الغزو الروسي لأوكرانيا الضوء على الخلافات المتزايدة بين الولايات المتحدة وأقرب حلفائها في الشرق الأوسط، وهو ما يعزز التكهنات بقطع العلاقات بين الطرفين.
واشنطن – يتوقع محللون أن يقود التوتر بين الولايات المتحدة والخليج الذي بدأ منذ فترة وبرز أكثر بعد الحرب الروسية – الأوكرانية، إلى قطيعة ستكون نتائجها سلبية على الطرفين، وخاصة على دول الخليج التي لا تستطيع فك تحالفها العسكري مع واشنطن في ظل غياب البديل.
ويستند المحللون في قراءتهم إلى خطوات اتخذتها السعودية مؤخرا تشير إلى أنها توقفت عن اعتبار الولايات المتحدة حليفا لها في المنطقة، بما في ذلك بث مسلسل يسخر من الرئيس الأميركي جو بايدن.
واعتبر محلل السياسة الخارجية ستيفن إيه كوك هذا الأسبوع أن “صداقات أميركا في الشرق الأوسط تحتضر وتتجه نحو موت طبيعي”، بعد أن رفضت دول مثل إسرائيل والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة طلبات الولايات المتحدة للمساعدة في خفض أسعار الطاقة والانضمام إلى العقوبات ضد روسيا.
ودفعت المملكة العربية السعودية منظمة البلدان المصدرة للبترول “أوبك” وشركاءها، بما في ذلك روسيا، إلى التوقف عن استخدام بيانات النفط من أرقام وكالة الطاقة الدولية عند تقييم حالة الدولة في سوق النفط، بسبب نفوذ الولايات المتحدة على المنظمة. وبدا ذلك مؤشرا آخر على العلاقات المتوترة بين الولايات المتحدة والسعودية.
جيمس دورسي: نعي الشراكات الأميركية – الخليجية أمر سابق للأوان
ورصد تقرير لمجلة “فورين بوليسي” واقع العلاقات الأميركية – الخليجية، محذرا من سيناريوهات انهيارها.
ويرى كاتب التقرير جيمس دورسي أن نعي الشراكات الأميركية – الخليجية أمر سابق للأوان، على الرغم من بوادر انهيارها عند دراسة المواقف تجاه أزمة أوكرانيا، والتباين في المصالح الوطنية المتصورة، والإحباط السعودي والإماراتي من السياسات الأميركية الأخيرة تجاه إيران، وعدم اليقين بشأن استمرار التزام واشنطن بالأمن الإقليمي.
وبحسب دورسي فإن الأهمية السياسية للوجود العسكري الأميركي، وتأثيره في الشرق الأوسط، تعكس درجة من الاعتماد المتبادل بين الولايات المتحدة وشركائها الإقليميين، مما يجعل شراكاتهم لا غنى عنها.
وينظر دورسي إلى التركيز على ذاكرة بايدن في المسلسل الساخر الذي تم بثه في الإعلام السعودي على أنه رسالة واضحة لتأكيدات سعودية وإماراتية على أنه نسي من هم حلفاء بلاده الإقليميون منذ فترة طويلة.
تشير التحليلات إلى أن الصين وروسيا لا تمتلكان القدرة على عرض القوة في أي جزء من العالم أو ما يلزم لتحل محل الولايات المتحدة كضامن للحكم في الشرق الأوسط. كما كشف الأداء العسكري الروسي في أوكرانيا عن مشاكل لوجستية ومشاكل صيانة، إلى جانب العقوبات، وهو ما يجعل روسيا مصدرا بديلا أقل جاذبية للأسلحة.
قد يكون ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وولي العهد الإماراتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان يختبران حدود ما يجنيانه من ترابط المصالح بالولايات المتحدة، من خلال رفض زيادة إنتاج النفط لخفض أسعاره وإدانة روسيا. كما أن هذا قد يكون تنفيسا عن غضبهما من رفض الولايات المتحدة الرد بقوة أكبر على هجمات المتمردين الحوثيين وإيران على منشآتهما النفطية وبنياتهما التحتية الحيوية.
الأداء العسكري الروسي في أوكرانيا
وقالت البحرية الأميركية هذا الأسبوع إنها ستشكل فرقة عمل جديدة مع الدول المتحالفة معها لتسيير دوريات في البحر الأحمر، ردا على هجمات الحوثيين على الملاحة في الممر المائي الاستراتيجي دون تحديد المتمردين بالاسم.
وعُلم أن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن اعتذر للشيخ محمد بن زايد الشهر الماضي عن بطء الرد الأميركي على الهجمات. وقال سفير الإمارات في واشنطن يوسف العتيبة إن لقاء الرجلين ساعد في “إعادة العلاقة بين الإمارات والولايات المتحدة إلى المسار الصحيح”.
وأكد الإعلان والاعتذار أن الولايات المتحدة مازالت مهتمة بالمنطقة، وحريصة على إدامة تحالفها مع السعودية والإمارات.
ومن غير المعروف ما إذا كانت التحركات الخليجية الأخيرة المتعلقة بأوكرانيا وبالمساعي الإماراتية لإعادة الرئيس السوري بشار الأسد إلى المحافل العربية والدولية، تشير إلى نقطة فاصلة في العلاقات مع الولايات المتحدة أو محاولة من زعماء الخليج لإظهار قوتهم، في وقت قد تكون فيه الولايات المتحدة في أمس الحاجة إليهم.
الأداء العسكري الروسي في أوكرانيا يكشف عن مشاكل لوجستية وهو ما يجعل روسيا مصدرا بديلا أقل جاذبية للأسلحة للإمارات والسعودية
قد يكون الوجود العسكري الأميركي شيئا لا يريد الأمير محمد بن سلمان والشيخ محمد بن زايد أن يخسراه، لاسيما دون بديل فوري. ويرى دورسي أنه “ليس من الواضح ما إذا كانت لأي من الرجلين ثقة كاملة في قدرة قواته الأمنية على صد الجهود المنسقة لتغيير النظام أو الهجوم من قبل إيران”.
وخفضت واشنطن من تقييمها للأهمية الاستراتيجية لمنطقة الخليج، مع تضاؤل اهتمامها بالتدفق الحر للطاقة في المنطقة.
وبحسب دورسي، فإن السعودية والإمارات تضعان رهانا محفوفا بالمخاطر: وضع العلاقة مع الولايات المتحدة على حافة الهاوية على أمل أن تؤدي الحاجة إلى استبدال الطاقة الروسية إلى إعادة واشنطن إلى رشدها.
ويضيف “تماما كما يتذكر السعوديون والإماراتيون أن الولايات المتحدة لم تستجب بقوة للهجمات على منشآتهما الحيوية، حتى لو اتخذت خطوات لطمأنتهما، فمن المرجح أن يتذكر صانعو السياسة الأميركية الأصدقاء الذين كانوا غائبين عندما كانوا في أمس الحاجة إلى مساعدتهم”.
العرب