بعد أن تناسى الأمر طوال سنتين عاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فتذكر أن مجمع كنيسة ألكسندر نيفسكي الواقع في البلدة القديمة داخل القدس المحتلة هو ملكية روسية، فكتب إلى رئيس حكومة الاحتلال نفتالي بينيت يطالبه بإعادة نقل الموقع إلى موسكو. وكان بوتين قد عقد صفقة تقرّ بالملكية الروسية للمجمع خلال زيارته إلى الأراضي المحتلة مطلع العام 2020 للمشاركة في إحياء ذكرى الهولوكوست، لقاء الإفراج عن المستوطنة الإسرائيلية نعمة يسخار المحتجزة لدى السلطات الروسية بتهمة حيازة المخدرات، وهذا ما حدث فعلاً إذ أصدر بوتين عفواً خاصاً وتم الإفراج عن يسخار وحرص رئيس حكومة الاحتلال السابق بنيامين نتنياهو وزوجته على استقبالها علانية.
من جانبها احتاجت وزارة الخارجية الروسية إلى فترات زمنية أطول بكثير كي تتذكر أن دولة الاحتلال الإسرائيلي تخالف قرارات مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة وتواصل الاحتلال غير القانوني والضم المتواصل للأراضي الفلسطينية، وجاء ذلك في أعقاب استدعاء السفير الإسرائيلي في موسكو احتجاجاً على تصريح لوزير خارجية الاحتلال يائير لابيد اعتبر فيه أن التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا جريمة حرب.
بوتين تناسى أن نقل ملكية مجمع الكنيسة الروسية لم يعد قراراً يختص به رئيس حكومة الاحتلال، على نقيض صلاحيات الكرملين في العفو عن المتهمين، وذلك لأن المحكمة المركزية في القدس المحتلة هي التي ألغت عملية التسجيل ولم تعبأ بحيثيات الصفقة التي كان بوتين قد عقدها مع نتنياهو. وأما الخارجية الروسية فقد تناست أن مواقف لابيد لا تُلزم رئيس الحكومة الإسرائيلية، لأن الأخير يواصل اللعب على حبال ما يزعم أنه وساطة بين موسكو وكييف وقد زار العاصمة الروسية والتقى مع بوتين.
ولأن اللعب الإسرائيلي على التأزم بين روسيا والولايات المتحدة محفوف بالمخاطر والمزالق، فإن دولة الاحتلال لم تجد خياراً آخر سوى التصويت على تعليق عضوية موسكو في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، لأن العكس أو حتى الامتناع عن التصويت سوف يخالف الإرادة الأمريكية.
وفي المقابل يدرك الكرملين أن حدود التوتر مع دولة الاحتلال يمكن أن تشمل المطالبة بكنيسة يعود تأسيسها إلى نهاية القرن التاسع عشر أو استدعاء سفير لا حول له ولا طول، لكنه لا يمكن أن يشهد تصعيداً حساساً من نوع تعطيل القاذفات الإسرائيلية حين تعتدي وتقصف حيثما تشاء في عمق الأراضي السورية مثلاً.
وعلى قدم المساواة، ليس في وسع موسكو أن تعرقل الخطط الإسرائيلية لاستقبال آلاف المهاجرين اليهود من أوكرانيا حتى حين تصطدم برامج الترحيل بترتيبات عسكرية روسية على الأرض الأوكرانية، أو أن تتجاهل في المقابل الخدمات المشكورة التي تقدمها شركة طيران «العال» حين تتحايل على العقوبات ضد موسكو فتواصل قبول الدفع بنظام «مير» الروسي.
وهكذا فإن المصالح المشتركة بين الكرملين ودولة الاحتلال أكثر تشابكاً من أن تفضي إلى قطيعة حتى لو كانت مؤقتة، الأمر الذي لا يمنع الفريقين من مواصلة اللعب على أكثر من حبل واحد وفي ميادين عديدة.
القدس العربي