تصويت إسرائيل مع الولايات المتحدة في قرار تعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وتصريحات وزير الخارجية يئير لبيد، التي اتهم فيها روسيا بارتكاب جرائم حرب، أثمرت ردوداً غاضبة في الأسبوع الماضي. فقد نشرت وزارة الخارجية الروسية بياناً فريداً في شدته، جاء فيه “هذه محاولة لاستغلال الوضع في أوكرانيا؛ لحرف انتباه المجتمع الدولي عن أحد الصراعات الأقدم التي لم يتم حسمها، وهو الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني”. في مقابلة مع “كان 11” قال السفير الروسي في إسرائيل، أناتولي فيكتوروف، بأن أقوال لبيد هي “اتهامات لا أساس لها. نتوقع موقفاً متزناً أكثر”، وأضاف: “روسيا وإسرائيل ما زالتا صديقتين”.
“حتى الآن” هي كلمة المفتاح، وقد وضعت إسرائيل في معضلة معقدة في مسألة أوكرانيا. وإن ترددها حتى قررت الانضمام لقرار الجمعية العمومية في شباط، الذي أدان غزو روسيا لأوكرانيا وألعاب الوساطة التي قام بها رئيس الحكومة بينيت، وامتناع إسرائيل عن الانضمام للعقوبات التي فرضت على روسيا، إنما استهدفت في الواقع الحفاظ على “الصداقة” مع روسيا، التي ضمنت حتى الآن حرية عمل إسرائيل في سوريا، يبدو أن روسيا بدأت تفقد الصبر.
بعد هجمات إسرائيل على سوريا الخميس الماضي، أبلغ الأدميرال اولغ غيورافلوف، قائد المركز الروسي للمصالحة الذي مقره في سوريا، بأن صاروخاً سورياً مضاداً للطائرات اعترض أحد الصواريخ. الصاروخ السوري من إنتاج روسيا وبيع لسوريا في صفقة سلاح عقدت في 2007. الشكل العلني للاعتراض، بالتحديد من قبل ممثل روسي رفيع، هو أكثر من علامة تشير إلى أن روسيا ستفحص سياسة “السماء المفتوحة” التي تعطيها لإسرائيل.
هذه الأقوال تضاف إلى أقوال السفير الروسي في دمشق، ألكسندر يافيموف (24/3)، التي بحسبها “إسرائيل تتحدى روسيا، وقد ترد روسيا على هجماتها الهادفة إلى تصعيد الوضع في سوريا كي تعطي للغرب فضاء للعمل هناك”. مصدر عسكري إسرائيلي قال للصحيفة بأن “إسرائيل تحاول السير بحذر على الحبل الدقيق، لكن الحديث لم يعد يدور فقط عن حذر عملياتي، وعدم المس بالأهداف ذات الحساسية لروسيا مثل قواعد الجيش السوري، بل عن اعتبارات سياسية. لم يتم مس التنسيق الجوي حتى الآن، لأننا ندرك بأن الجدول الزمني آخذ في التقلص، وربما سنضطر إلى زيادة وتيرة الهجمات”.
ثمة سبب آخر يقلق إسرائيل قد تشكل مؤخراً. فحسب تقارير في الشبكات الاجتماعية السورية وفي وسائل إعلام عربية، تخفف روسيا من قواتها في سوريا، من بينها مئات المرتزقة من منظمة “فاغنر” من أجل تعزيز منظومتها العسكرية في أوكرانيا. ويحتل مكانهم الآن مقاتلون إيرانيون وأعضاء مليشيات مؤيدة لإيران. هكذا تم وضع اللواء 47 السوري تحت قيادة إيرانية في جنوب محافظة حماة. هذا لواء مدرع يعمل في قواعده مركز للتدريب أيضاً. في الأسبوع الماضي، وصلت إلى القاعدة نحو 40 سيارة عسكرية و20 سيارة تندر مزودة بالرشاشات، التي يشغلها مقاتلو “حزب الله”.
كمية القوات الإيرانية الموجودة في سوريا لم تتغير عقب هذه الخطوات، وما زالت إعادة انتشارها لا تغير حجم التهديد على إسرائيل. الجديد هو في منظومة الأواني المستطرقة التي تشكلت في سوريا عقب الحرب في أوكرانيا، وهذه قد تحول وجود إيران العسكري إلى وجود أكثر هيمنة على عملية اتخاذ القرارات في سوريا. تم الانتشار الإيراني الجديد بناء على طلب من الرئيس بشار الأسد وموافقة روسيا. وهو يدل على اعتماد النظام السوري على القوة البشرية الإيرانية لملء الفجوة التي خلفتها القوات الروسية.
في غضون ذلك، تجند روسيا مقاتلي مليشيات سورية للحرب في أوكرانيا، والتي حتى الآن ساعدت القوات الروسية في إدارة مدن وقرى تم فيها التوصل إلى وقف لإطلاق النار بوساطة روسيا. التقدير هو أنه كلما طالت الحرب في أوكرانيا سيكون على روسيا جمع المزيد من قوات المتطوعين من دول مجاورة، على شكل تجنيد قوات من الشيشان وبيلاروسيا وغيرهما، وربما تخفف منظومة قواتها في سوريا أكثر.
التنسيق العسكري في سوريا بين روسيا وإسرائيل يرتكز حتى الآن على المصالح المشتركة، الذي هدفه منع وصد تمركز إيران في سوريا. استقبلت إيران هذه التفاهمات بامتعاض. مؤخراً، بدأ يوجه انتقاد لروسيا من قبل أعضاء برلمان ووسائل إعلام في إيران، منها إدانة للحرب في أوكرانيا. الغضب لا ينحصر فقط من التصريح الذي تعطيه روسيا لإسرائيل لمهاجمة أهداف إيرانية وقوافل سلاح مخصصة لـ”حزب الله”، بل وسبب إبعاد إيران عن الساحة الاقتصادية في سوريا وسيطرة موسكو على حقول النفط هناك. وأضيف إلى ذلك مطالبة روسيا من الولايات المتحدة الإعفاء من العقوبات بشأن عقد صفقات مستقبلية مع سوريا عندما سيتم التوقيع على الاتفاق النووي. وهذا طلب أثار رداً غاضباً من إيران؛ فقد اعتبرته “مناورة روسية” تستهدف أن تحقق منه روسيا مساراً يتجاوز العقوبات على حساب إيران.
يبدو أن التوتر بين إيران وروسيا قد يحافظ على سريان التفاهمات بين روسيا وإسرائيل. إضافة إلى ذلك، لا يوجد لدى إيران أي رد جوي على هجمات إسرائيل. ولكن كلما زاد اعتماد النظام السوري على القوات الإيرانية بسبب تخفيف القوات الروسية، يمكن أن تقف إسرائيل أمام قواعد لعب جديدة.
بقلم: تسفي برئيل
القدس العربي