الإسلاميون في السودان ينتهزون غياب حاضنة للسلطة بتدشين تيار فضفاض

الإسلاميون في السودان ينتهزون غياب حاضنة للسلطة بتدشين تيار فضفاض

استغلت الحركات الإسلامية السودانية الأزمة السياسية وعجز السلطة الانتقالية لإعلان تأسيس التيار الإسلامي العريض، رافعة شعار صيانة السيادة الوطنية ومنع التدخلات الجائرة في الشأن الداخلي، بينما يحذر متابعون من أن هذا التيار قد يكون محاولة إخوانية جديدة لتشدين تحالفات مع السلطة، تمهد لعودة فلول نظام عمر البشير إلى الساحة مستقبلا.

الخرطوم- انتهزت فصائل التيار الإسلامي المتنوعة في السودان فرصة عدم وجود حاضنة سياسية للسلطة الحاكمة حاليا عقب الإطاحة بتحالف الحرية والتغيير، وتحاول إعادة ترتيب أوراقها، وأعلنت عن تشكيل تحالف عريض وفضفاض قد يقودها إلى العودة إلى الحكم عبر أقصر الطرق السياسية تأثيرا.

ويستفيد التيار الإسلامي من حاجة المكون العسكري إلى وجود ظهير شعبي يساعده على الصمود في وجه إصرار العديد من القوى المدينة على استمرار الاحتجاجات في الشارع، والسعي نحو إزاحة الجيش عن السلطة بعد تمسك قيادته بانقلابها العسكري في الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي.

ووقّعت عشرة أحزاب وحركات إسلامية الاثنين على ميثاق تأسيس ما يسمى بـ”التيار الإسلامي العريض” لتحقيق الاندماج التنظيمي بينها، وتبنت شعارات دينية لعبت على وتر التشبث بالدين لإنقاذ البلاد من التهديدات التي تواجهها.

وأكد بيانها أن وحدة الصف فريضة شرعية وضرورة واقعية وواجب حتمي تحديدا، وأن البلاد تشهد تهديدا وجوديا يستهدف هويتها وقيمها الفاضلة بالطمس والتجريف.

ووقّع على الميثاق الجديد: جماعة الإخوان المسلمين – التنظيم العالمي، وجماعة الإخوان المسلمين – فرع السودان، ومنبر السلام العادل، والحركة الإسلامية السودانية، وتيار النهضة، وحزب دولة القانون والتنمية، وحركة المستقبل للإصلاح والتنمية، وحركة الإصلاح الآن، وحزب العدالة القومي، ومبادرة وحدة الصف الإسلامي.

شهادات

ويضم التيار الجديد مجموعات متشددة مثل حزب دولة القانون والتنمية الذي يقوده محمد علي الجزولي، المعروف بولائه لتنظيم داعش الإرهابي وأفرج عنه أخيرا.

وغاب حزبا المؤتمر الوطني الذي حكم خلال عهد الرئيس السابق عمر البشير وحليفه حزب المؤتمر الشعبي الذي أسسه غريمه الراحل حسن الترابي، وهي إشارة توحي بعدم وجود علاقة بين التيار العريض وفلول البشير السياسية.

جاءت الخطوة على نحو سريع بعد الإفراج عن 12 من قيادات حزب المؤتمر الوطني المحلول، في مقدمتهم رئيسه المكلف إبراهيم الغندور، وهي إشارة على التحرك نحو لملمة الصفوف وإعادة ترتيب الأوضاع للانخراط في المعادلة السياسية، بما لا يترك المجال أمام القوى الثورية في مواجهة العسكريين المتشبثين بالسلطة، ومحاولة تغيير موازين القوى بالضغط على تحالف الحرية والتغيير ودفعه إلى القبول بتسوية سياسية.

وتؤكد الخطوات التي أقدمت عليها قوى عدة، محسوبة على التيار الإسلامي، الفترة الماضية أنها تلقت وعودا بإمكانية مشاركة عناصر تابعة له ولو ضمنيا في حكومة كفاءات مزمع تشكيلها، لأن اللقاءات الأيام الماضية بين قوى سياسية والمكون العسكري لم تخل من وجود شخصيات محسوبة على فلول بشير، ولذلك فمحاولات التوصل إلى صيغة جديدة يمكن أن تشمل دمج عناصر من تنظيم الإخوان وأذرعه.

وتوالت التطورات السياسية على مستوى التيار الإسلامي في السودان، إذ أجاز المؤتمر العام التاسع لتنظيم الإخوان في الخرطوم مقترحا بتكوين حزب سياسي مساند للتنظيم منذ حوالي أسبوعين، وتلت ذلك تبرئة وإطلاق سراح عدد من قيادات حزب المؤتمر الوطني المنحل، وعناصر من التيار الإسلامي عموما.

وتزامن هذا الأمر مع زيادة وتيرة الفعاليات العلنية التي نظمتها قوى إسلامية منذ بداية شهر رمضان الجاري، وكان آخرها الاحتفال بذكرى غزوة بدر قبل أيام، وتنظيم احتفالات شعبية احتفاء بالمفرج عنهم وصولا إلى خطوة الإعلان عن التيار العريض.

وعبّر التحالف الجديد عن أهدافه السياسية التي خلت من الحديث بشكل مباشر عن السعي نحو الوصول إلى السلطة، وتطرق إلى ما أسماه “صيانة السيادة الوطنية ومنع التدخلات الجائرة في الشأن الداخلي”، وذلك في اتهام مبطن لقوى مدنية شددت على صون الحريات العامة التي ضيّقت الحركة الإسلامية الخناق عليها أثناء وجودها في السلطة، وتحدثت عن إصلاح الشأن السياسي دون بلورة رؤية واضحة لذلك.

وقال الأمين العام لحزب الأمة القومي الواثق البرير لـ”العرب” إن المشهد السوداني يعج بالكثير من الحراك ويعاني فراغا نتيجة انسداد الأفق السياسي وعدم القدرة على بناء حاضنة جديدة، ما يجعل هناك محاولات لكل القوى المتواجدة لسده بمساعدة قرارات قضائية صدرت مؤخرا، وسيقود ذلك إلى المزيد من التعقيدات السياسية الداخلية وسيفتح المجال أمام توسيع نطاق التدخلات الخارجية.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن خطاب التيار الإسلامي لم يشهد تغيرا لافتا على الرغم من محاولات الظهور بشكل مختلف، والمضامين التي روج لها أثناء وجوده في السلطة يجري تكرارها الآن عبر المنابر الإعلامية المؤيدة له، وعلى رأسها قناة الجزيرة القطرية، ويقابل ذلك تعامل القوى السياسية مع التطورات بإيقاع بطيء، ما يفتح المجال أمام التيارات الانتهازية للبحث عن مكاسب تساعدها مستقبلا.

وتوقع مراقبون أن تلقى الأحزاب والمجموعات الموجودة داخل التيار العريض دعما من قوى خارجية تدعم الحضور السياسي للحركة الإسلامية، دون أن يكون هناك دعم مباشر للتحالف العريض الذي يعد بمثابة وجه جديدة للقوى الإسلامية.

وهذه هي المرة الرابعة التي يلجأ فيها تنظيم الإخوان في السودان إلى تغيير جلده السياسي على مدار أكثر من سبعة عقود، وكانت بدايته باسم حركة التحرير الإسلامي قبل أن يطلق على نفسه اسم تنظيم الإخوان ثم جبهة الميثاق وبعدها الجبهة الإسلامية، ثم حزب المؤتمر الوطني وانشق عنه المؤتمر الشعبي في تسعينات القرن الماضي.

واتسمت تجربة التيار الإسلامي بعدم القدرة على الوصول إلى السلطة عبر الانتخابات في السودان، ولجأ إلى مصالحة مع الرئيس الأسبق جعفر النميري في سبعينات القرن الماضي، وبعدها جاءت مرحلة التمكين من خلال انقلاب عسكري قاده البشير في يونيو عام 1989، وكان أبرز انتصار له الحصول على 51 مقعدا في البرلمان، بعد الاستفادة من تشرذم الحزب الاتحادي.

يمكن تفسير تحركات التيار الإسلامي الحالية باعتبارها محاولة جديدة لتشدين تحالفات مع الأطراف الموجودة على رأس السلطة، بحثا عن موضع قدم في الحكم مستقبلا، وإن لم يكن ذلك عبر الهيمنة المباشرة على هياكل السلطة العليا، لكن من خلال الاكتفاء بالتواجد الحكومي والبرلماني وعلى مستوى ولاة الولايات، كمرحلة انتقالية يمكن أن يحافظ فيها التنظيم على بنيته التي ما زالت حاضرة في عدد من مؤسسات الدولة.

وأشار المحلل السياسي السوداني عبدالواحد إبراهيم إلى أن الحركة الإسلامية القوية تفتت ولم تعد ذات قيمة بالنسبة للشعب، ارتكانا على تجربتها المريرة في الحكم، وما يحدث الآن محاولة للمّ الشتات بمساعدة قوى إقليمية اعتادت دعمها لوجستيا وماليا، وستواجه برفض القوى الثورية، بلا مواجهة فاعلة من جانب المؤسسة العسكرية التي تعول عليها في الخفاء كحاضنة سياسية مازالت تفتقدها.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن الحركة الإسلامية لا مستقبل لها في السودان، إلا إذا أينعت مرة أخرى بدعم ورعاية من السلطة الحالية التي تفتقد إلى المشروعية، لكن ذلك لا ينفي القدرات التنظيمية لتلك الجماعات المدعومة بإمكانيات مادية كبيرة من الخارج، محذرا من مغبة الدخول في صدام مع الشعب السوداني.

ولدى البعض من المتابعين في السودان قناعة بأن إجراء انتخابات مبكرة يعني إتاحة الفرصة لعودة تنظيم الإخوان إلى السلطة، الذي استفاد من كبوته الفترة الماضية، ويريد استثمار ضعف القوى المدنية وتشرذمها.

ويؤمن هؤلاء المتابعون بأن فعالية العمل الثوري في الشارع وحدها القادرة على إيقاف تلك المخططات، مع ضرورة تشكيل جبهة مقابلة يكون وقودها الشباب الرافض لعودة نظام البشير وأذرعه الإسلامية للتحكم في مقاليد الأوضاع في السودان.

هذه هي المرة الرابعة التي يلجأ فيها تنظيم الإخوان في السودان إلى تغيير جلده السياسي على مدار أكثر من سبعة عقود

وأكد المحلل السياسي السوداني خالد الفكي أن التحركات الحالية تحمل إشارات على وجود تفاهمات أو صفقة خفية بين التيار الإسلامي في الداخل وقوى إقليمية داعمة له والمكون العسكري، لإعادة دمج الإخوان في المعادلة السياسية باشتراطات جديدة، بحيث تكون وظيفتهم الأساسية تخفيف ضغوطات الشارع على الجيش وتهيئة الأوضاع لتشكيل حكومة كفاءات تتعامل مع تعقيدات الوضع الراهن.

وشدد في تصريح لـ”العرب” على أن عودة الإسلاميين بهذه الطريقة لن تمر مرور الكرام، وليس من المتوقع أن يسير مخططهم بشكل إيجابي في ظل معارضة قيادات في حزب المؤتمر الشعبي الذي لديه قاعدة إسلامية كبيرة بالداخل، بجانب أن دولا مهمة في المنطقة لن تترك السودان يعود ثانية إلى حضن تنظيم الإخوان.

وليس من المستبعد أن تكون هناك تطمينات أرسلتها السلطة الحالية إلى تلك الدول بالتزامها بكافة التعهدات والتفاهمات، التي جرى القبول بها عقب الإطاحة بنظام البشير.

العرب