يعتبر قادة إقليم كردستان أن الظروف المحيطة لإقامة نظام كونفدرالي في العراق قد نضجت، وبدأوا في التحرك على هذا الأساس، وهو ما ترجم في التصريحات التي أدلى بها رئيس وزراء الإقليم مسرور بارزاني خلال زيارته الحالية إلى بريطانيا، ويرى مراقبون أن تحرك قادة الإقليم لطرح هذا الخيار بشكل جدي على الطاولة ليس مفاجئا، لكن هذا المسار لا يخلو من تعقيدات في علاقة بموقف بغداد وأيضا دول الجوار.
إربيل – يرى قادة إقليم كردستان في شمال العراق بأنه حان الوقت لطرح الكونفدرالية كخيار استراتيجي ينهي حالة الضبابية السائدة في علاقتهم مع المركز، ويكرّس حقيقة “دولة” موجودة بحكم الأمر الواقع.
وتغذي عدة عوامل هذا الشعور المتعاظم لدى قادة الإقليم بينها الوضع السائد في العراق، الذي يرزح تحت وطأة أزمات لا تنتهي وآخرها الانسداد السياسي الذي تشهده البلاد منذ نحو سبعة أشهر، جراء فشل الفرقاء في التوصل إلى اتفاق بشأن رئاسة الجمهورية وتشكيل حكومة جديدة.
وتشكل الظرفية الدولية الحالية مناخا ملائما للدفع قدما بهذا الاتجاه، وهو ما يعمل على استغلاله قادة إقليم كردستان بشكل حثيث من خلال تكثيف التواصل مع القوى الإقليمية والدولية، وجس نبضها بشأن مدى تأييدها للاقتراح، وذلك لتفادي ما حصل خلال استفتاء الانفصال في العام 2017.
وأعلن رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني خلال زيارة غير محددة المدة إلى بريطانيا أن تطبيق نظام الكونفدرالية في العراق سيمنح المكونات قوة أكبر.
ووجه بارزاني في كلمة ألقاها خلال استضافته الأربعاء في معهد تشاتام هاوس في لندن، انتقادات لاذعة لاتفاقية سايكس – بيكو التي وقعت بين فرنسا وبريطانيا في العام 1916، وتم من خلالها تقاسم مناطق النفوذ التي كانت حينها تحت سلطة الدولة العثمانية، وأفرز هذا التقسيم الحدود الحالية للدول العربية.
إقليم كردستان يملك مقومات الدولة بما في ذلك رسم السياسات الخارجية ونسج علاقات بشكل مستقل عن المركز
وقال رئيس حكومة كردستان إن العراق لم يكن بلداً متطوراً بعد هذه الاتفاقية ولم ينعم بالأمن والاستقرار منذ أمد بعيد، مضيفا أن التأثيرات الخارجية أعاقت إدارة البلد.
وشدد بارزاني على أنه ينبغي التأسيس للثقة بين المكونات وأن يدير السكان الأصليون في العراق مناطقهم، ويتعين توزيع القوة والصلاحيات على الجميع. واستطرد أن اقليم كردستان رغم أنه شريك أساسي في البلاد إلا أنه يقاتل من أجل الحصول على حقوقه الدستورية.
ولفت إلى أن الإقليم لم يحصل منذ العام 2014 على ميزانيته من الموازنة المالية الاتحادية باستثناء أشهر قليلة، وهذا يعيق التطور والتقدم في الإقليم. وتطرق أيضا إلى قرار المحكمة الاتحادية العليا، أعلى سلطة قضائية في العراق، في إبطال قانون النفط والغاز لحكومة الإقليم، والذي يتعارض وحقوق الأكراد.
وأكد رئيس وزراء الإقليم على أن الحل الواقعي يكمن في نظام الكونفدرالية الذي سيمنح قوة أكثر للمكونات، قائلا “ينبغي أن يصب نظام الحكم في العراق في مصلحة المكونات”.
والكونفدرالية هي اتحاد بين دولتين أو أكثر من الدول ذات الاستقلال التام بعد عقد معاهدة تحدد الأهداف المشتركة التي تسعى الدول الكونفدرالية لتحقيقها، ويتمتع كل عضو فيها بشخصيةٍ مستقلة عن الأخرى وتديرها هيئات مشتركة تتكون من ممثلين من الدول الأعضاء.
ويطلق على هذه الهيئات الجمعية العامة أو المؤتمر العام، وأعضاؤها يعبرون عن رأي الدول التي يمثلونها، وتصدر القرارات وبالإجماع، وعلى خلاف النظام الفدرالي لكل دولة عضو في الاتحاد الكونفدرالي حق ممارسة السياسة الخارجية والتمثيل الدبلوماسي الفعلي، وإعلان الحرب والسلم بشكل مستقل.
وطرح خيار الكونفدرالية ليس بجديد في الإقليم، حيث كان من ضمن سلة الخيارات لقادته منذ الاحتلال الأميركي للعراق في العام 2003، واتخذ زخما أكبر بعد فشل الاستفتاء الذي جرى في العام 2017، جراء رفض السلطة المركزية في العراق والقوى الإقليمية، وتحفظ المجتمع الدولي عليه، بما في ذلك الدول الغربية الحليفة.
ويشير مراقبون إلى أن إقليم كردستان حرص على تهيئة الأرضية لتفعيل الكونفدرالية، وقد شكلت الخلافات بينه والحكومة الاتحادية حول جملة من الملفات بينها الميزانية واستغلال الموارد الطاقية، حافزا إضافيا.
ويرى المراقبون أن إثارة مسرور بارزاني للمسألة خلال زيارته إلى بريطانيا نابع من كون قادة الإقليم باتوا على قناعة بأن جميع الظروف المحيطة قد نضجت للسير قدما في هذا الطرح ووضعه على طاولة الحوار.
والوضع داخل كردستان مهيأ منذ سنوات إن لم تكن عقودا، حيث للإقليم دستور خاص به وبرلمان وحكومة ورئيس، وجيش (البيشمركة) وضرائب. كما أن الإقليم من يتولى حاليا إدارة الثروات الطاقية في المناطق الواقعة تحت سيطرته، بالرغم من معارضة الحكومة الاتحادية.
كل من أنقرة وطهران ترفض أي خيارات من شأنها أن تعزز وضع أكراد العراق أو تقود إلى تمتعهم بوضع دولة قائمة
ويلفت المراقبون إلى أن الذهاب في كونفدرالية بين الإقليم والعراق، قد يكون الخيار الأكثر واقعية بالنسبة إلى الطرفين، وإن كانت بغداد ترفض حتى الآن الإقرار بذلك.
ويوضح المراقبون أن إقليم كردستان بات حاليا يملك تقريبا جميع مقومات الدولة حتى على صعيد رسم السياسات الخارجية، ونسج علاقات دولية وإقليمية بشكل مستقل تماما عن سلطة المركز.
ويستشهد المراقبون في ذلك بأمثلة قريبة من بينها تنسيق تركيا مع قادة الإقليم لشن عمليات عسكرية تستهدف حزب العمال الكردستاني داخل مناطق سيطرة الإقليم، وبدون مجرد إخطار الحكومة الاتحادية وآخرها عملية “قفل المخلب” الجارية حاليا، كذلك زيارة بارزاني إلى بريطانيا التي تندرج ضمن رغبة كردستان في إبرام عقود بشأن تصدير النفط إلى أوروبا.
ويستدرك المراقبون بالقول إن كل ذلك لا يعني أن الطريق سالكة أمام قادة الإقليم الذي يتمتع بحكم شبه ذاتي منذ العام 2003، وأنه سيحتاج بداية إلى حوار معمق مع السلطة المركزية في بغداد وأيضا مع دول الجوار، أي إيران وتركيا.
وترفض كل من أنقرة وطهران أي خيارات من شأنها أن تعزز وضع أكراد العراق، أو تقود إلى تمتعهم بوضع دولة قائمة بذاتها خشية أن يغذي ذلك طموحات مواطنيهم من الكرد.
ويشير المراقبون إلى أن تركيا وبالرغم من علاقتها الوطيدة بحكومة كردستان، وتسمح لها بتصدير النفط عبر ميناء جيهان، لكنها تعارض بشدة أن تكون هناك دولة كردية بجوارها، وكذلك الشأن بالنسبة إلى طهران.
وكان السفير الإيراني إيرج مسجدي صرح في لقاء تلفزيوني بثته قناة كردسات نيوز مؤخرا أن “إقليم كردستان ضمن العراق الموحد هو أفضل صديق وأخ لنا، وبلا شك هذا كله وفقاً للإطار القانوني للإقليم الذي حددته الحكومة المركزية في بغداد”.
العرب