يرى بيت هويكسترا سفير أمريكا السابق لدى هولندا ورئيس مركز مجلس مستشاري السياسة الأمنية في تقرير نشره معهد جيتستون الأمريكي أن تقارير نشرت مؤخرا أكدت أن هناك اتجاها مقلقا في ديناميكية القوة العالمية.
ولا تحظى هذه التقارير بقدر كبير من الاهتمام بسبب الحرب الدائرة في أوكرانيا، لكن الصين تستغل هذه اللحظة البعيدة عن الأضواء للعمل بذكاء لزيادة نفوذها في العالم الإسلامي. في الوقت نفسه، تبدد الولايات المتحدة هذه اللحظة بمحاولة التفاوض على إحياء الاتفاق النووي الإيراني بمساعدة روسيا.
وذكر هويكسترا أنه في اجتماع عقد مؤخرا لمجلس وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي، كان وزير الخارجية الصيني وانج لي مدعوا خاصا. وهي أول مرة يتم فيها دعوة مسؤول حكومي صيني للمشاركة في اجتماع لمنظمة التعاون الإسلامي، التي تضم 57 دولة، مما يجعلها ثاني أكبر منظمة دولية.
ووفقا للتقارير فإن “الصين تستثمر أكثر من 400 مليار دولار في حوالي 600 مشروع في أنحاء العالم الإسلامي تحت مظلة مبادرة الحزام والطريق”.
والفرق بين الاستراتيجية الدولية للحزب الشيوعي الصيني وإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن واضح للغاية. إذ يواصل الحزب الشيوعي الصيني الاعتماد على فتح أبواب جديدة، وكسب المزيد من النفوذ العالمي. فالحزب الشيوعي الصيني بتواصله مع منظمة التعاون الإسلامي ومواطني دولها البالغ عددهم 8ر1 مليار نسمة يقدم دليلا قويا على دوره، ويحظى بالترحيب.
فالاستثمارات الاقتصادية له في هذه الدول توضح بذل جهد استراتيجي طويل الأمد لتعزيز موقفه. وهو ما يتناقض مع استراتيجية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
فمنذ عام 2009 وحتى عام 2017، اتبعت إدارة أوباما خطة جديدة للشرق الأوسط للتواصل مع جماعة الإخوان المسلمين وإيران. وتم الحد من التحالفات القديمة، وتعريضها للخطر واستبعادها. وللأسف لم تكن الخطة ناجحة، فقد أسفرت عن حالة من الفوضى في مصر وغيرها من دول الشرق الأوسط؛ حيث تمت الإطاحة بالرئيس المصري حسني مبارك، حليف الولايات المتحدة. ولم يستمر خليفته في الحكم محمد مرسي وهو من جماعة الإخوان المسلمين طويلا. وتضاءلت مصداقية الولايات المتحدة. وأطاح الشعب الليبي بزعيم ليبيا معمر القذافي في تصرف أسفر عن حالة من عدم الاستقرار في هذه الدولة منذ ذلك الوقت. وتم جر سوريا إلى حرب أهلية مستعصية، شهدت ظهور وانهيار خلافة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
وفي عام 2015 تم التوصل لاتفاق نووي مع إيران أتاح لها بصورة مذهلة الحصول على قدرات نووية في سنوات قليلة- حيث واصلت بناء قنبلتها النووية، وتطوير صواريخها البالستية والتحريض على الإرهاب في أنحاء المنطقة.
ويقول هويكسترا إن خلاصة القول هي أن السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط في عهد أوباما كانت بحاجة إلى إعادة ضبط، وهو ما قامت به إدارة ترامب. فقد أدى تواصل الولايات المتحدة مع الحلفاء القدامى وبدء محادثات مطولة إلى التوصل لاتفاقات أبراهام- وهو اتجاه جديد حقق نتائج ملموسة وواضحة.
وهذه الفرصة تتعرض للتبديد الآن على يد إدارة بايدن التي تقلل من أهمية التقدم المذهل الذي حققته اتفاقات أبراهام، ومرة أخرى تبنت اتفاقا نوويا أكثر خطورة مع إيران كأولويتها القصوى في الشرق الأوسط.
ويقول الصحافي الأمريكي بريت ستيفنز في مقال له إن “الولايات المتحدة لا تتفاوض حتى بصورة مباشرة مع طهران- فالإيرانيون لا يسمحون للأمريكيين بالتواجد معهم في الحجرة، ووافقت الإدارة بشكل لا يصدق على ذلك- وتعتمد بدلا من ذلك على وسطائها” وهما الصين وروسيا.
ومن ثم، يعتمد الاتفاق الجديد مع إيران على مساعدة خيالية من روسيا والصين، في الوقت الذي تلتزم فيه الدول الثلاث بإزاحة أمريكا من مكانتها باعتبارها الدولة العظمى الرائدة في العالم، والالتفاف على العقوبات الأمريكية المفروضة على روسيا بسبب أوكرانيا.
ويرى هويكسترا أنه باختصار، تضحي الولايات المتحدة بتقدم مهم في الشرق الأوسط من أجل مساعدة الصين وروسيا وإيران، وهي الدول التي تمثل أكبر تهديد لسلامة أمريكا وأمنها الدولي.
وتوضح التصرفات التي شهدتها الشهور الـ18 الماضية التحديات الرئيسية التي تواجه السياسة الخارجية الأمريكية- التي تتأرجح ما بين إدارة وأخرى، مما يسفر عن افتقار تام للاتساق. كما أنها توضح حقيقة أنه يبدو أن إدارة بايدن ليست على استعداد للتعلم من الإدارة السابقة لها.
فإدارة بايدن ترفض الاعتراف بالمشاكل بالنسبة للسياسات الفاشلة في عهد أوباما، مثل الاتفاق النووي الإيراني، وترفض الاعتماد على نجاحات سياسات عهد ترامب، بما في ذلك اتفاقات أبراهام.
وسوف تواصل أمريكا رؤية تضاؤل دورها الدولي إذا ظلت السياسة الخارجية تشبه لعبة أفعوانية، تغير اتجاهها كل أربع إلى ثمان سنوات.
واختتم هويكسترا تقريره بأنه حان الوقت للتركيز على النتائج وليس على المكاسب السياسية الرخيصة قصيرة المدى في الداخل إذا أرادت أمريكا حقا أن تكون فعالة في مواجهة التحديات الحالية على الجبهة الدولية.
(د ب ا)