نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا أعدته لارا جيكس وإدوارد وونغ ومايكل كرولي تحدثوا فيه عن دخول الولايات المتحدة على خط الحرب في أوكرانيا، من رسائل غامضة حول اهتمامها بالبلد إلى حين غزو فلاديمير بوتين له. وعادوا فيه إلى التظاهرات التي شهدتها أوكرانيا عام 2014 ضد النظام الذي دعمته موسكو، وزيارة وزير الخارجية الأمريكي في حينه جون كيري الذي التقى مع قادة الاحتجاج وحياهم على شجاعتهم لمواجهة النظام الذي يدعمه الكرملين في كييف وتعهد بدعم أمريكي لحكومتهم الجديدة.
إلا أن الروس تحركوا في شبه جزيرة القرم، مما دعا كيري للتعليق “من الواضح أن الروس كانوا يعملون بجهد لخلق مبرر يدفعهم لمزيد من الغزو”. وبعد 8 أعوام دخلت قوات بوتين أوكرانيا وتواصل دك المدن الأوكرانية، وتنبئ كلمات كيري عن نبوءة مخيفة. ورغم إرسال ثلاث إدارات أمريكية رسائل غامضة حول التزامها مع كييف إلا أن بوتين راقب تحركاتها وانتظر بصبر حتى تلوح الفرصة.
وبحسب فيونا هيل، الخبيرة في شؤون روسيا ويوريشيا وعملت مع ثلاث إدارات قبل إدارة بايدن “كنا مشوشين بشأن أوكرانيا” و”تغير إطار تفكيرنا مع مرور الوقت وكذا سياساتنا”. و”نحن بحاجة لتقديم رؤية مقنعة حول أهمية أوكرانيا”. واليوم أصبحت الولايات المتحدة في مركز جهود لإحباط خطط بوتين وتصور المعركة على أنها بين القيم الديمقراطية والشمولية.
ووصفها الرئيس جوي بايدن الشهر الماضي في وارسو بأنها تحد للنظام الدولي الذي ترشده القوانين وظهر بعد الحرب العالمية الثانية، وأن الحرب تهدد بالعودة إلى العقود التي انتشرت فيها الحرب في أوروبا قبل الاتفاق على النظام الدولي القائم على القواعد و”لن نسمح بالعودة إلى ذلك”.
قدمت الولايات المتحدة الدعم الإنساني والعسكري لأوكرانيا وفرضت عقوبات على روسيا لمنعها من الوصول إلى الأسواق العالمية
وقدمت الولايات المتحدة الدعم الإنساني والعسكري لأوكرانيا وفرضت عقوبات على روسيا لمنعها من الوصول إلى الأسواق العالمية وأرسلت الإدارة كلا من وزير الخارجية أنطوني بلينكن والدفاع لويد أوستن إلى كييف لتأكيد الدعم الأمريكي للحكومة هناك. وفي الواقع تقول الصحيفة إن إدارة بايدن تحاول إصلاح أخطاء السنوات الماضية وعدم الحسم بشأن أوكرانيا، ومن ترددوا في الدعم مساعدون كبار لبايدن عملوا مع إدارة باراك أوباما ومسؤولون في إدارة دونالد ترامب الذي قوض السياسة الأمريكية تجاه كييف لمصالحه الشخصية.
وتضيف الصحيفة أن الولايات المتحدة اكتشفت أهمية أوكرانيا الإستراتيجية منذ استقلالها عام 1991، في وقت حاولت فيه روسيا العثور على موطئ قدم بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. وقال مستشار الأمن القومي، في إدارة جيمي كارتر، زبينغو بريجينسكي “بدون أوكرانيا لن تصبح روسيا إمبراطورية” و”لكن أوكرانيا تابعة ومرتشية، فعندها تصبح روسيا وبشكل أوتوماتيكي إمبراطورية”. وبعد شهرين من استقلالها وبضغوط أمريكية وافقت أوكرانيا على تدمير قوتها النووية.
واعتبر الرئيس بيل كلينتون الاتفاق بأنه “خرق يحمل الأمل وتاريخي” لتحسين الأمن العالمي، إلا أن الرئيس الأوكراني ليونيد كوتشما حذر من أنه سيجعل بلاده عرضة لمزيد من المخاطر. وقال “لو قررت روسيا غدا احتلال القرم فلن يعبر أحد عن دهشته”. وفي ذلك الوقت كانت موسكو ترعى وتحاول التحريض على حركة انفصالية في القرم، حتى في الوقت الذي توقع فيه تحول أوكرانيا إلى بلد أوروبي مهم. ولكن الناتو تجنب في العقد التالي أوكرانيا خشية إغضاب روسيا، التي نظر إليها البعض كشريك اقتصادي مهم ومورد للطاقة وعبروا عن أملهم بتحولها لدولة ديمقراطية وقوة أقل تهديدا.
وفي عام 2004 انضمت دول البلطيق للناتو، وبعد أربعة أعوام دعم جورج دبليو بوش علنا انضمام أوكرانيا. ولكن قادة أوروبا الغربية ترددوا، واليوم فأوكرانيا ليست عضوا في الناتو أو في الاتحاد الأوروبي. وحذر المسؤولون في هذا الشهر أن ضمها لأي منهما ليس محتملا. وبعد سنوات من دعم بوش، قام الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش بالتحرك قريبا من روسيا وأثار تظاهرات في تشرين الثاني/نوفمبر 2013 عندما رفض توقيع اتفاق خطط له من وقت ويقوي علاقة أوكرانيا مع الاتحاد الأوروبي. وقاد هذا إلى حملة قمع في شوارع كييف، وفتحت الشرطة النار على المحتجين وسط كييف، بشهر شباط/فبراير.
ولكن المتظاهرين صمدوا وحصلوا على دعم من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وهرب يانوكوفيتش إلى موسكو. وبعد أيام أمر بوتين بغزو شبه جزيرة القرم واعترف بها كـ “دولة مستقلة ذات سيادة”. ثم تبع ذلك حرب انفصالية بدعم من روسيا في شرق أوكرانيا قتل فيها عشرات الآلاف خلال الثماني سنوات السابقة. وفوجئ الرئيس أوباما بتحرك بوتين. وتعهد أوباما بأنه لن يعترف بضم القرم وفرض عقوبات على روسيا، إلا أن مساعديه قالوا لاحقا إنه كان غير متيقن من الحكومة الأوكرانية الفاسدة.
وقال أوباما في مقابلة عام 2016 إن مواجهة مع بوتين كانت عبثية. وقدمت إدارته 1.3 مليار دولار لأوكرانيا في الفترة ما بين 2014- 2016 وعندما اقترح فريقه للأمن القومي تقديم السلاح لكييف، رفض. وكان من بين المدافعين عن موقف أوباما في حينه، بلينكن، وزير الخارجية الحالي والذي كان نائبا لوزير الخارجية. وقال إن إرسال الدعم العسكري “يعني أنك تسهم في قوة روسيا لأنها قريبة”. وأضاف “أي دعم من المحتمل مضاهاته بضعف وضعفين وثلاثة وأربعة أضعاف من روسيا”.
ولم تكن إدارة أوباما ولا الاتحاد الأوروبي يعتقدان أن أوكرانيا جاهزة للانضمام إلى الناتو، ولكن التوتر كان يتزايد بين الحكومات الأوروبية التي تريد الحفاظ على علاقات تجارية وطاقة مع موسكو. وبدا الخلاف واضحا من مكالمة هاتفية انتقد فيها مسؤول في وزارة الخارجية نهج القادة الأوروبيين الساعي لمساعدة أوكرانيا. ونشر التسجيل على يوتيوب في شباط/فبراير 2014 فيما نظر إليها كمحاولة روسية لإثارة الخلاف بين أمريكا وحلفائها في أوروبا. وأكثر من ذلك فلم تكن أوكرانيا جزءا من أجندة أوباما بحسب ديريك أتش تشوليت، المسؤول البارز في البنتاغون الذي كتب كتابا عن سياسة أوباما الخارجية. وقال “من الصعب تخصيص وقت وطاقة وقيادة دبلوماسية بشأن أوكرانيا مع المطالب من الولايات المتحدة في أماكن أخرى حول العالم، وبخاصة تنظيم الدولة الذي سيطر على معظم العراق وسوريا في صيف عام 2014”.
في نيسان/إبريل 2019 انتخب الكوميدي السابق فولدومير زيلينسكي رئيسا بدعم واسع وبدأ جهوده لوقف الحرب بمنطقة دونباس عبر المفاوضات مع بوتين
وفي نيسان/إبريل 2019 انتخب الكوميدي السابق فولدومير زيلينسكي رئيسا بدعم واسع وبدأ جهوده لوقف الحرب بمنطقة دونباس عبر المفاوضات مع بوتين. وبحسب السفير الأمريكي ويليام بي تايلور الذي عين مرة ثانية في كييف بعد عزل السفيرة ماري ال يوفانوفيتش بناء على أوامر من ترامب، فقد كان الرئيس الأوكراني يعرف أنه بحاجة لدعم الولايات المتحدة ورئيسها. وحاول زيلينسكي ترتيب لقاء مع ترامب إلا أن الرئيس كانت لديه مواقف سلبية من أوكرانيا وجاءت من مدير حملته بول مانافورت الذي حصل على 60 مليون دولار كاستشارات لمجموعة في أوكرانيا تدعمها روسيا. وتأكدت مواقف ترامب من خلال لقائه مع بوتين.
وتطرقت الصحيفة إلى محاولات ترامب عبر محاميه روديو جولياني إجبار الأوكرانيين على فتح تحقيقين، واحد في نشاطات نجل بايدن، هانتر أثناء عمله في أوكرانيا، أما الآخر فيتعلق بزعم أن أوكرانيا وليست روسيا هي من تدخلت لمساعدة هيلاري كلينتون في حملة عام 2016. وتبنى ترامب النظرية لأنها تقوض ما توصلت إليه المؤسسات الأمنية الأمريكية عن تدخل روسي. إلا أن السياسة الأمريكية كانت في كانون الأول/ديسمبر 2017 على مسار مختلف، وتحت ضغوط من الكونغرس وافق ترامب على تزويد أوكرانيا بصواريخ جافلين المضادة للدبابات.
إلا أن البيت الأبيض جمد منتصف عام 2019 390 مليونا من المساعدات العسكرية وصفقات جافلين من أجل التأثير على كييف، حسبما وجد محققون في الكونغرس. وكان هذا خلفية لمكالمة ترامب (25 تموز) مع زيلينسكي الذي طلب منه القيام بخدمة، مما أثار ارتباكا لدى زيلينسكي ومساعديه. وبالمحصلة فسياسة ترامب من أوكرانيا كانت متشوشة وأخضعت المصالح القومية للاعتبارات الشخصية، بالإضافة للتناقض في السياسة، ففي الوقت الذي صرخ فيه وزير الخارجية في حينه بمقابلة مع الراديو الوطني العام “من يهتم بأوكرانيا؟” إلا أنه زارها في نهاية كانون الثاني/يناير 2020 وعبر عن التزام أمريكا بدعمها.
وبالمقابل فقد أدى انتشار كوفيد-19 لحرف نظر بايدن عن الوضع في أوكرانيا. إلا أن بلينكن زار كييف في أيار/مايو 2020 وهو يحمل رسالة دعم. ولكنه ذهب إلى كييف للضغط على الحكومة القيام بإصلاحات اقتصادية. وقبل زيارته عزل زيلينسكي مدير شركة طاقة معروفا بنزاهته. واعتبرت الخارجية التحرك بأنه آخر مثال عن خرق الحكومة الأوكرانية لقواعد الحكم الجيد. وأكد بلينكن للصحافيين أن واشنطن نصحت الحكومة بتقوية مؤسساتها وتسريع الإصلاح ومحاربة الفساد. إلا أن هذه المظاهر كانت تتقاصر مع التهديد الروسي المتزايد والذي تراقبه واشنطن عن كثب. والتطورات باتت معروفة عن الغزو الروسي وقرار أمريكا تعبئة العالم لدعم أوكرانيا ضد روسيا ورئيسها بوتين.
القدس العربي