تشارف مهلة الأربعين يوماً، التي منحها زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، لـ”الإطار التنسيقي للقوى الشيعية” على الانتهاء، في وقت تشهد فيه الأجواء السياسية احتداماً في الصراعات، الأمر الذي يثير التساؤلات حول مصير “التحالف الثلاثي” وما إذا كان سيصمد أمام المحاولات المستمرة للأطراف الموالية لإيران.
وخلال الأسابيع الأخيرة يبدو أن بوصلة التيارات الموالية لإيران باتت تتجه صوب التحالفات السنية، في مسعى لضرب التحالف الثلاثي، الذي يضم “الكتلة الصدرية” وكتلة “الحزب الديمقراطي الكردستاني” وتحالف “السيادة”، من خلال تفكيك التحالف السني أو إثارة الإشكالات في الأجواء السنية لإرغام بقية الأطراف على التراجع.
لا تبدو محاولات الموالين لإيران أنها أفضت إلى أي تراجع في مواقف تحالف “السيادة”، الذي بادر إلى التصعيد من خلال بيان لرئيس البرلمان محمد الحلبوسي، لوح فيه بإمكانية مقاطعة العملية السياسية، بسبب “تحكم المسلحين وعبثهم بأمن البلاد”.
تهديد بالانسحاب
الحلبوسي قال في بيان الثلاثاء 26 أبريل (نيسان)، إن “العمل السياسي تحكمه ثوابت وأخلاقيات، ولا يمكن أن يصنف الاستهتار بأمن المواطنين وإثارة الفتن بين أبناء الشعب تحت أي سبب كان على أنه مناورة أو ضغط سياسي”.
وأضاف، “سنتخذ مواقف جدية بمجمل المشاركة في العمل السياسي، نظراً لتحكم المسلحين الخارجين على القانون، وعبثهم بأمن البلاد والعباد، ومحاولاتهم المستمرة لتغييب الدولة وإضعاف القانون والعبث بالنسيج الاجتماعي، إذ لا يمكن أن تبنى الدولة من دون العدل والعدالة، ولا يحترم فيها حق المواطن بالعيش الكريم”.
جاء البيان بعد ساعات على عودة الزعيم العشائري علي حاتم السليمان إلى بغداد. وتشير مصادر مطلعة إلى أن الحلبوسي أبلغ البارزاني خلال زيارته الأخيرة للإقليم أنه ينوي الاستقالة والاتجاه إلى المعارضة إذا ما استمرت محاولات التلاعب بأمن الأنبار أمنياً وسياسياً.
ما هدف زيارة الحلبوسي لإيران؟
في تطور لافت، توجه رئيس الحلبوسي على رأس وفد برلماني إلى طهران، في 27 أبريل، حيث تضمنت الزيارة اللقاء برئيس مجلس الشوري الإيراني، محمد باقر قاليباف، والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، والأمين العام لمجلس الأمن القومي علي شمخاني، إضافة إلى وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان.
وتأتي الزيارة بعد يوم واحد من إصدار الحلبوسي بيانه، الذي هاجم فيه الميليشيات الموالية لإيران وتأثيرها في إرباك المشهد في محافظة الأنبار.
وعلى إثر لقائه مع شمخاني، قال المكتب الإعلامي للحلبوسي، في بيان، 27 أبريل، إن اللقاء بحث “العلاقات الثنائية بين البلدين، والتعاون في المجال الأمني، وأهم القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك”.
وأشار الحلبوسي إلى أن “العراق يتطلع إلى بناء أفضل العلاقات مع جيرانه وأشقائه، يكون فيها حفظ السيادة وحسن الجوار وحماية حقوق المواطنين مبادئ ثابتة في علاقاته”.
يرى مراقبون أن ذهاب الحلبوسي إلى طهران يحمل رسالة صريحة إلى صانعي القرار في إيران للتعبير عن رفض الكتل السنية سياسات المالكي الأخيرة، وأن غاية الزيارة تأتي لإبلاغ طهران أن أي خطوة من شأنها إثارة التوتر في الأنبار ستواجه بتصعيد شديد.
المالكي يهاجم التحالف الثلاثي: “مؤامرة”
يتفق نوري المالكي مع الرأي السائد داخل “الإطار التنسيقي” من حيث وصف مشروع الأغلبية، الذي يطرحه الصدر، كـ”مؤامرة تستهدف المكون الأكبر”، فيما اتهم بريطانيا وتركيا والإمارات بالوقوف خلف المشروع، الذي يتبناه التحالف.
يؤكد المالكي في الوقت ذاته، أن واشنطن أبلغت أطرافاً عراقية، فضلاً عن بعض الدول، رفضها المضي في المشروع الذي يتبناه التحالف الثلاثي. وأشار إلى أن “شهر يونيو (حزيران) المقبل سيكون شهراً حاسماً لحل الأزمة السياسية”.
ويبدو أن زيارة الحلبوسي إلى إيران أغضبت أطراف “الإطار التنسيقي”، الذي أشار إلى أن اختيار الوفد خضع إلى “مزاجية الحلبوسي”، ولم يراع “التوازن البرلماني والسياسي”.
في السياق ذاته، عبرت كتلة “دولة القانون” في البرلمان، عن اعتراضها على الوفد الذي رافق رئيس البرلمان إلى طهران، حيث قال رئيس الكتلة، عطوان العطواني، في بيان، “نستغرب من الانتقائية في اختيار الوفد المرافق لرئيس مجلس النواب في زيارته إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية، حيث المزاجية والمصالح الشخصية على حساب المهنية والاستحقاقات البرلمانية المتمثلة بكل الكتل البرلمانية ذات الثقل السياسي والبرلماني”.
ويعطي امتعاض كتلة “دولة القانون” انطباعاً بأن زيارة الحلبوسي لم تتضمن تقديم أي تنازلات لحلفاء إيران على الرغم من الضغوط الهائلة. وعلى الرغم من الاتهامات التي يوجهها المالكي للتحالف الثلاثي، فإن ائتلاف “دولة القانون” ينفي تدخله في قضية عودة شخصيات سنية مطلوبة إلى القضاء.
موقف مرتقب
تحمل الأجواء السياسية السنية زعيم ائتلاف “دولة القانون”، نوري المالكي، المسؤولية عن محاولة تأزيم الأوضاع بالمناطق السنية، في حين تشير مصادر مقربة من أروقة تحالف “السيادة” إلى أن موقفاً سنياً موحداً سيصدر بعد عيد الفطر يؤكد رفض أي حوار مع المالكي، وعدم الاشتراك بأي حكومة يكون جزءاً منها.
ولا تتوقف مخاوف الكتل السنية من محاولات إثارة الانشقاق داخلها فحسب، بل تتعدى ذلك إلى المخاوف من محاولات إثارة أزمة طائفية جديدة تحاول من خلالها الميليشيات الموالية لإيران إرغام أطراف “التحالف الثلاثي” على التنازل.
ويرى مراقبون، أن الهدف الرئيس من إعادة السياسي علي حاتم السليمان في هذا التوقيت هو إثارة الانشقاقات في المعقل الأكبر لرئيس البرلمان محمد الحلبوسي.
في السياق، قال السليمان عبر تغريدة على “تويتر”، “لم نأت إلى بغداد تحت أي غطاء سياسي أو صفقة أو فضل من أحد”. وأضاف، “على شيوخ العشائر والسياسيين السنة أن يحددوا موقفهم من ممارسات الحلبوسي وأتباعه ضد أبنائنا”.
ورقة إضافية لم تنجح
يسود اعتقاد في الأروقة السياسية أن فشل مساعي “الإطار التنسيقي” زج القيادي السني ووزير المالية الأسبق رافع العيساوي في مواجهة مع تحالف “السيادة” هو الذي دفع إلى استقطاب السليمان، إلا أن هذا التحرك لم يثمر أيضاً عن أي نتائج، خصوصاً مع عدم امتلاك الأخير ثقلاً برلمانياً، فضلاً عن أن الرصيد الجماهيري في الأنبار معتمد بالأساس على مناهضة النفوذ الإيراني.
وعلى الرغم من ذلك لم يظهر السليمان أي ميل أو إشارة إلى أنه سيتحول إلى أداة بيد “الإطار التنسيقي”، فيما يرجح متابعون أن تكون تصريحاته الأخيرة بالضد من الحلبوسي تستهدف الحصول على تسوية وحماية لوضعه السياسي في محافظة الأنبار.
ولعل ما دفع الموالين لإيران إلى توجيه البوصلة نحو الأجواء السنية هو استمرار تمسك التيار الصدري بتحالفاته، وعدم تمكن الإطار التنسيقي من إقناع الحزب الديمقراطي الكردستاني بالتراجع، وهو ما دفع طهران إلى محاولة الضغط كتلة رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي لدفعه إلى التراجع عن مواقفه أو تفكيك الكتلة السنية من الداخل.
ويبدو أن تلك الخطوة التي بدأت من خلال دعم شخصيات مناوئة للحلبوسي في محافظة الأنبار من قبل “كتائب حزب الله”، كما حصل في قضية سطام أبو ريشة، ومن ثم استقطاب قيادات سنية كانت مطلوبة للقضاء العراقي، إلا أن مراقبين قللوا من إمكانية أن تحدث تلك الخطوات أي تغيير في المعادلة.
السطوة على رئاسة الوزراء
رئيس المركز العراقي الأسترالي للأبحاث، أحمد الياسري، قال إنه مع اقتراب مهلة الصدر على النهاية باتت القوى الموالية لإيران “تحاول بشتى الطرق الإبقاء على سطوة المكون على رئاسة الوزراء”، مبيناً أن فكرة “تفكيك معادلة البيت الشيعي تمثل الخطر الأكبر على تلك القوى”.
وأضاف الياسري، في حديث لـ”اندبندنت عربية”، أن تمسك التيار الصدري بمعادلة “التحالف الثلاثي” هو الذي دفع القوى الإيرانية إلى “محاولة نقل الصراع إلى المكونات الأخرى”، مبيناً أن حراك الإطار التنسيقي بدأ بـ”محاولات تعميق الخلافات بين القوى الكردية، إلا أن هذا الأمر لا يبدو كافياً لوحده ما دفع تلك القوى إلى استهداف تحالف السيادة”.
ولعل الإشكالية، التي تواجه القوى الموالية لإيران هذه المرة، تتمثل في أن “تحالف السيادة يبدو الأكثر تماسكاً”، كما يعبر الياسري الذي يشير إلى أن الكتل السنية هذه ترى في التحالف الثلاثي “الفرصة الأولى لشراكة حقيقة في حكم البلاد منذ عام 2003”.
وأشار إلى أن “استقطاب شخصيات سنية لا تمتلك ثقلاً برلمانياً يعني أن الإطار التنسيقي بات يعمل على تحفيز انشقاقات في السياق الاجتماعي السني”.
وبشأن زيارة الحلبوسي إلى طهران، يعتقد الياسري، أن الغاية منها إرسال رسالة إلى صانعي القرار في إيران لـ”إبعاد ما يحاولون إثارته من صراع شيعي- شيعي عن إرباك المشهد السني الذي ما زال يعاني”، مرجحاً عدم تراجع الحلبوسي عن موقفه المتمسك بالتحالف الثلاثي. مضيفاً “بالنظر إلى المعطيات السياسية الحالية لا يبدو التحالف الثلاثي متجهاً نحو تسوية مع الإطار التنسيقي”، مبيناً أن غاية الصدر من المهلة كانت تتعلق بـ”إثبات عدم فاعلية الثلث المعطل”.
محاولات “إكراه الكتل السنية”
في المقابل، قال رئيس مركز “كلواذا”، باسل حسين، إن المحاولات مستمرة من الإطار التنسيقي لإقناع الصدر بالقبول “بالتوافقية المشروطة”، مبيناً أنها تعني “قبول الإطار ببعض اشتراطات الصدر مقابل السماح بدخول الإطار إلى الحكومة المقبلة”.
وأضاف حسين، أن “تغريدة الحلبوسي الأخيرة جاءت كرد فعل على محاولات طهران خلق ضد نوعي من الزعامات السنية المقربة منها في الأنبار”، مبيناً أن زيارة الحلبوسي إلى طهران “لا يمكن أن تتجاوز النقاش حول هذا الأمر”.
ويرى أن إيران تحاول من خلال “سنتها أو ما يعرف بسنة الإطار” خلق اضطراب في المجال العام السني، بقصد ضرب التحالف الثلاثي، في محاولة لوضع القرار السني في زاوية الإكراه القسري ودفعه نحو اتخاذ خيارات أخرى تتخادم مع الموقف الإيراني.
أما أستاذ العلوم السياسية، عصام الفيلي، فقال إن “المالكي لا يزال محركاً رئيساً لمشهد التيارات الموالية لإيران، ولذلك بات يستخدم أدواته السياسية في سياق تفكيك التحالف الثلاثي”.
وأضاف الفيلي، أن حراك الإطار التنسيقي الأخير “لن ينجح”، خصوصاً مع عدم امتلاك الشخصيات العائدة “ثقلاً برلمانياً”، مبيناً أن “التعويل على الثقل الاجتماعي لتلك الشخصيات مرهون بمواقفها إزاء النفوذ الإيراني، وهذا الأمر يعني أن تلك الخطوة لن تعود بأي فائدة على الإطار التنسيقي”.
ويرى أن التحالف الثلاثي “يبدو متمسكاً بموقفه على الرغم من كل التحديات التي يواجهها أخيراً”، لافتاً إلى أن بيان الحلبوسي أكد تماسك أطراف هذا التحالف.
اندبندت عربي