نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريرا أعدته حنّا علام عن آثار الغزو الروسيعلى مسلمي أوكرانيا، مشيرة إلى أنه أحيا أسئلة حول الدين والانتماء. وقالت إن القرآن على مكتب مراد سليمانوف في المركز الإسلامي بمدينة لفيف أصبح دليله في إدارة الأزمة، حيث يحاول فهم الطريقة التي يجب عليه خدمة مئات من الهاربين الخائفين الذين يتدفقون عبر أبواب المسجد الذي يديره في غرب أوكرانيا.
وعندما يشعر بثقل في قلبه بسبب الحرب الروسية ضد أوكرانيا، يعود إلى القرآن ويقرأ عن معارك الإسلام الأولى. ويرتل آيات من القرآن عندما يزور شيخا مسلما دمّر القصف الروسي بيته. وعندما يشاهد ميليشيات مسلمة مؤيدة للروس، فإنه يعود إلى القرآن ويبحث عن حرمة قتل النفس، ويفكر أنه ربما وجد قرآناً آخر ليبرر هذه الأعمال.
وبالنسبة لسليمانوف وبقية المسلمين في أوكرانيا، فلا مجال للشك بضرورة مشاركتهم في حماية البلد، وهم يقاتلون على خطوط القتال ويوفرون المساعدات الإنسانية ويتعاملون مع المشاركة في الجهود الحربية كواجب ديني وتأكيد لهويتهم الأوكرانية في بلد لم يرحب بهم دائما. ويقول سليمانوف: “نعم نحن أقلية ولكننا جزء من البلد، وعلينا عمل شيء”. وفي المركز الثقافي الإسلامي بلفيف، هناك خزانة تعرض نسخا من القرآن باهتة اللون والتي حملها المسلمون التتار معهم عندما قام النظام الشيوعي بطردهم من شبه جزيرة القرم عام 1944، وفي خزانة أخرى، قطع وشظايا من قنبلة انفجرت ودمرت بيت مسلم في القصف الروسي الأخير على كييف.
وتقدم الذكريات التي تعود إلى 80 عاما، فصولا من تاريخ المعاناة الإسلامية الطويلة على يد حكام موسكو، مع أن الإسلام له جذور عميقة ومتشابكة في المنطقة، فمن بين 15 جمهورية أنشات الاتحاد السوفييتي السابق، ستة ذات غالبية مسلمة. ويعيش اليوم 20 مليون مسلم في روسيا ويواجهون القمع والتعذيب والاعتقال التعسفي حسب تقرير أصدرته هذا الأسبوع المنظمة الأمريكية “الهيئة الدولية للحرية الدينية”.
ومن يقوم بمعارضة الحرب يواجه نفس مصير من ينتقدونها، مما يجعل من الصعوبة معرفة الدعم الحقيقي للحرب التي أعلنها الرئيس فلاديمير بوتين ضد أوكرانيا. ويدعم القادة المسلمون الروس الحرب ويرددون نفس المبررات التي يتحدث بها المسؤولون من أن موسكو تخوض حربا ضد نازيين في أوكرانيا وأنها “جهاد” ضد القوى الغربية التي شنت حروبا ضد الشعوب المسلمة.
وعلى الجانب الآخر من النزاع، يمثل المسلمون نسبة 1% من سكان بلد غالبيته من المسيحيين الأرثوذكس ويقوده رئيس يهودي. وزادت نسبة المسلمين إلى 12% في شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا عام 2014 مما قاد إلى موجة رحيل نحو أوكرانيا، وانضموا للمجتمعات التترية هناك، وأنشأوا مراكز إسلامية إلى جانب العرب والترك والأوكرانيين الذين اعتنقوا الإسلام.
ورغم مواجهتهم التحرشات والنمطيات السلبية، إلا أن المسلمين يعيشون بحرية أفضل من روسيا، كما يقولون. وعلق سليمانوف: “لا زلنا نواجه عقبات، ولا نحظى بدعم الجميع، وعلينا العمل لكي يرى الناس أن المسلمين جزء من المجتمع”. ويحذر الإمام حسين كوتشك في خطبة الجمعة الأسبوعية، المسلمين في لفيف، بعدم اتباع القادة الذين يصدرون أوامر غير عادلة بشكل أعمى، وألا يصبحوا لعبة في يد القوى الفاسدة. وكان يشير كوتشك، وهو إمام مركز تتار القرم الثقافي إلى الموالين المسلمين للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ومن أكثرهم سمعة سيئة، الرئيس الشيشاني رمضان قديروف والذي ظهرت فيديوهات لقواته وهي تهتف وسط حطام البيوت في ماريوبول: “الله أكبر”.
وقال كوتشك في خطبة أخرى، إن الكثير من غير المسلمين الذين يشاهدون ذلك، يأخذون انطباعا أن كل المسلمين مثل قديروف، مضيفا أنهم “لا يمثلون المسلمين، بل بوتين”. إلا أن ميليشيات قديروف ليست وحدها التي تقاتل في المعركة، فهناك وحدتان من الشيشان ظهرتا بعد ضم القرم وتقاتلان إلى الجانب الأوكراني، حسب الصحافي نيل هور بموقع “نيولاينز”.
ويحذر المحللون من أن يؤدي طول أمد الحرب إلى تأجيج الحرب والنزاعات بين المسلمين الروس وفي الشتات بمناطق وسط آسيا. ويرى روبرت دي كروز، أستاذ التاريخ بجامعة ستانفورد والذي يهتم بموضوع الإسلام وروسيا، أن هناك عدة عوامل قد تشعل التوترات. مثل تأثر العمالة المسلمة الفقيرة من العقوبات ووفاة مسلمين في أوكرانيا بشكل قاد لاتهام روسيا أنها تستخدم المسلمين كوقود حرب.
وفي الماضي، استخدم تنظيم “الدولة” والجماعات الجهادية الأخرى التظلمات هذه كوسيلة لتجنيد الأتباع. ويقول كروز: “هذا موضوع متفجر عندما يموت المسلمون وتم جذبهم إلى داغستان والشيشان، وهي أماكن للدولة فيها حضور ويتعلق الأمر بالإسلام. هناك مخاطر من أن يعيد هذا إحياء المشاعر المعادية لسياسات الدولة ودعم الدولة”. ويناقش المسلمون في أوكرانيا مسألة حمل السلاح والدفاع عن البلد ضد روسيا، مع أن هناك شجبا عاما بينهم للغزو الروسي ودعم إنساني للعائلات المشردة.
ولعل أهم شخصية واضحة في التعبئة ضد الروس هي الشخصية المسلمة البارزة سعيد إسماعيلوف، الذي وضع صورا على وسائل التواصل دعا فيها المسلمين وعلى العالم الوقوف معنا، أي أوكرانيا. وقال كروز إن المفتي شارك القوات المقاتلة وارتدى الزي العسكري وهو “نموذج للمسلم المندمج” في أوكرانيا.
وبالنسبة لكوتشك وغيره من التتار الذي نشأوا على قصص أجدادهم الذين حُملوا في سيارات المواشي وأجبروا على الرحيل من أرض أجدادهم، فرؤية الأوكرانيين المشردين وهم يركبون القطارات بحثاً عن أماكن آمنة، آثار الألم في أحشائهم. وكوتشك هو من بين مشردي الحرب، ويدير المركز مؤقتا بعد رحيل الإمام السابق وعائلته إلى الخارج بسبب الحرب. ويحذر من انتشار مخاطر الغزو الروسي وإمكانية انتشار عدم الاستقرار إلى أوروبا و”لم تعارض الديكتاتورية” فهي تريد المزيد.
وتشير الصحيفة لقصة إنشاء المركز الإسلامي الثقافي في لفيف عام 2015، حيث حول المسلمون بناية قديمة لمكان عبادة، وأول شيء خطر على بال سليمانوف هو محمد أسد، المولود ليبولد فايس، وابن عائلة يهودية نمساوية مشهورة، عاشت في لفيف عندما كانت جزءا من النمسا، ولهذا قرر المسلمون إطلاق اسمه على المركز: “مركز محمد أسد الإسلامي الثقافي”، وألف محمد أسد كتاب “الطريق إلى مكة” الذي أسهم في إلهام الكثيرين لاعتناق الإسلام. وقال سليمانوف: “الهدف الأول كان تقديم مكان للصلاة” و”الهدف الثاني هو كسر النمطية” وأن المسلمين ليسوا غرباء.
والمركز اليوم ليس مجرد مكان للصلاة، بل فيه حصص للغة العربية، ومكان يأوي إليه المهاجرون العرب من سوريا وفلسطين واليمن والذين يدعمون بقوة أوكرانيا وشردتهم الحروب، ومن بين هؤلاء سوري فر من دونيتسك وعاد إلى سوريا ثم عاد إلى أوكرانيا وهو مشرد الآن من بيته في كييف.
القدس العربي