بعد أيام من زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى السعودية، وعقب أشهر من زيارته إلى الإمارات، تتزايد المؤشرات على وجود اتصالات وتحضيرات يمكن أن تتكلل بزيارة قريبة للرئيس التركي إلى العاصمة المصرية القاهرة ولقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي، في خطوة -إذا تمت- ستكون أكبر نقطة تحول في السياسة التركية، وتتوج مساعي أنقرة للعودة إلى سياسة “صفر مشاكل” مع آخر الدول العربية التي كانت على خلاف حاد معها طوال السنوات الماضية.
ونهاية العام الماضي، نجحت الجهود الدبلوماسية في إعادة تحسين العلاقات بين تركيا والإمارات، وتوجت هذه الجهود بزيارة ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد إلى أنقرة التي أعقبها زيارة أردوغان إلى أبو ظبي. والخميس زار أردوغان المملكة العربية السعوديةوالتقى الملك سلمان وولي العهد محمد بن سلمان، وما بين الزيارتين استقبل أردوغان الرئيس الإسرائيلي في أنقرة، لتفتح بذلك تركيا صفحة جديدة في سجل علاقاتها مع الإمارات والسعودية وإسرائيل ودول أخرى مختلفة.
وفي هذا الإطار، كثفت تركيا جهودها لتحقيق خطوات مشابهة في مسار تحسين العلاقات مع مصر، وكما جرى في المسارات السابقة مع الدول الأخرى، انتقلت الاتصالات التركية من مستوى الاستخبارات والدبلوماسية المنخفضة إلى الدبلوماسية الرسمية، وهي الخطوة التي تسبق بالعادة الإعلان عن لقاء على المستوى السياسي الأول لتكون هذه الخطوة بمثابة إعلان رسمي عن إنهاء الخلافات وفتح صفحة جديدة في سجل العلاقات بين البلدين.
وفي هذا الإطار، تحدث مصدر دبلوماسي تركي رفض الكشف عن نفسه لـ”القدس العربي” عن أن هناك مساعي وتحضيرات لعقد لقاء بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والمصري عبد الفتاح السيسي، موضحاً أن هناك احتمالا لأن يزور أردوغان القاهرة خلال شهر مايو الجاري أو حزيران المقبل، مستدركاً: “لكن العلاقات تمر في مسار حساس ولا يمكن الجزم بحتمية الزيارة أو موعدها”.
وفي مؤشر أهم، وفي حديث للصحافين على متن الطائرة في طريق عودته من السعودية إلى إسطنبول، تحدث أردوغان عن مسار تحسين العلاقات مع مصر، لافتاً إلى أن المرحلة المقبلة سوف تشهد “تطورات إيجابية” و”خطوات رفيعة المستوى” في تصريح اعتبر بمثابة تلميح لإمكانية عقد لقاء سياسي رفيع المستوى في الأسابيع المقبلة.
أردوغان يتحدث عن “خطوات إيجابية” قريبة
وقال أردوغان: “لدينا سياسة حيال إسرائيل، وهذه السياسة ممكنة مع مصر أيضا. تتواصل علاقتنا مع مصر في مستوى أدنى وبين أجهزة الاستخبارات ورجال الأعمال”، مؤكداً أن “النتائج الإيجابية تشير إلى إمكانية اتخاذ خطوات رفيعة المستوى بين البلدين لأن الشعبين المصري والتركي لديهما الكثير من القواسم المشتركة”، معتبراً أن “تركيا بصفتها دولة كبيرة في المنطقة لن تستفيد شيئا من قطع علاقاتها مع الدول الأخرى بشكل كامل”.
وعلى الرغم من نفي أردوغان أن يكون جرى بحث مسار تطبيع العلاقات مع الجانب السعودي خلال زيارته الأخيرة، إلا أن أي تقدم في مسار تحسين العلاقات بين أنقرة والرياض سوف ينعكس بشكل إيجابي كبير على مسار تحسين العلاقات مع القاهرة حليف الرياض الرئيسي في المنطقة.
وقبل يومين، أعلنت قناة مكملين المصرية الفضائية (معارضة تابعة للإخوان المسلمين) التي تبث من تركيا، أنها اتخذت قرارا بإنهاء عملها من تركيا وإغلاق مقرها بشكل نهائي، وبررت ذلك “بالظروف التي لا تخفى على أحد”، كما وعدت باستئناف البث قريباً من خارج تركيا.
وتأتي هذه الخطوة بعد قرابة العام على بداية تضييق السلطات التركية على قنوات المعارضة المصرية التي تبث من إسطنبول، حيث طلبت أنقرة آذار/ مارس 2021 من هذه القنوات وقف برامج العديد من المذيعين المعروفين بمعارضتهم الشديدة للنظام المصري وفرضت عليهم “الالتزام بميثاق الشرف الإعلامي”، وهو ما دفع نحو إغلاق مؤسسات إعلامية ووقف بث العديد من البرامج وانتقال مذيعيها إلى خارج تركيا.
واعتبرت جميع هذه الخطوات بأنها بمثابة “استحقاق” يقدمه الجانب التركي لتحقيق تقدم في مسار تحسين العلاقات مع مصر. وقال سامح شكري وزير الخارجية المصري في تصريح سابق، إن تلك الإجراءات “خطوة” على طريق تهيئة الأرضية لتطبيع العلاقات مع تركيا.
والشهر الماضي، قال تقرير لصحيفة حرييت التركية إن التقدم في مسار تحسين العلاقات بين أنقرة والقاهرة “يسير بشكل بطيء”، لافتاً إلى أن تركيا أغلقت وسائل إعلام تابعة للمعارضة المصرية، إلا أن القاهرة تطالب بتسليمها مطلوبين من الإخوان المسلمين، إلا أن تركيا اقترحت حلا وسطا بتوجه هؤلاء الأشخاص إلى بلد ثالث. كما أشارت الصحيفة إلى أن الجانب المصري يصر على الاعتراف بالرئيس عبد الفتاح السيسي وشرعية نظامه السياسي.
وبحسب مسار السياسة الخارجية التركية في الأشهر الأخيرة، فإن أنقرة لا تجد مشكلة بالاعتراف بالنظام المصري وتقييد كافة أنشطة المعارضة المصرية سياسياً وإعلامياً على أراضيها، إلا أنه يصعب أن تتجاوب مع الضغوط المصرية بتسليمها مطلوبين، نظرا لأن عددا منهم باتوا يحملون الجنسية التركية، والقانون التركي لا يتيح تسليم لاجئين سياسيين حتى من دون حملة الجنسية التركية، وهو ما يرجح اللجوء إلى حل وسط يقضي بمغادرتهم الأراضي التركية إلى دولة ثالثة.
القدس العربي