أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الثلاثاء، أن حكومته تستعد للعمل على مشروع جديد يتيح “العودة الطوعية” لمليون لاجئ سوري من تركيا إلى شمال سويا، في خطوة تأتي مع تعاظم الضغوط الداخلية على الحكومة حول ملف اللاجئين قبيل موعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية “المصيرية” المقررة في يونيو/حزيران من العام المقبل، وهو إعلان قد يحمل في طياته نية لإطلاق الجيش التركي عملية عسكرية جديدة لتوسيع “المناطق الآمنة” لتصبح قادرة على استيعاب هذا العدد من اللاجئين.
تصريحات الرئيس التركي جاءت خلال كلمة له عبر الفيديو في فعالية شارك بها وزير الداخلية سليمان صويلو في إدلب شمالي سوريا، لتسليم منازل بنتها الحكومة وهيئات إغاثية تركية للنازحين، لكنها تأتي بالدرجة الأساسية بالتزامن مع تعاظم ضغوط المعارضة والشارع التركي على الحكومة فيما يتعلق بملف اللاجئين بشكل عام والسوريين منهم الذين يبلغ عددهم قرابة 4 ملايين على الأراضي التركية.
وبنت الحكومة والهيئات الإغاثية التركية على مدى السنوات الماضية عشرات آلاف الوحدات السكنية سواء المؤقتة والأقرب إلى مخيمات الخيام، أو شبه الدائمة المبنية من الطوب والإسمنت المسلح، ووفرت الخدمات الحياتية الأساسية إلى جانب الصحة والتعليم لهذه المخيمات لتوفير حياة أفضل للنازحين في تلك المناطق، وأيضاً ضمن سياسة أوسع تهدف إلى مكافحة ملف الهجرة “خارج الحدود” عبر توفير مقومات الحياة الأساسية التي تساهم في إقناع مئات الآلاف بعدم الهجرة وعبور الحدود نحو تركيا.
وقال أردوغان في كلمته: “نحو 500 ألف سوري عادوا إلى المناطق الآمنة التي وفّرتها تركيا منذ إطلاق عملياتها في سوريا عام 2016″، مضيفاً: “نحضر لمشروع جديد يتيح العودة الطوعية لمليون شخص من أشقائنا السوريين الذين نستضيفهم في بلادنا”، موضحاً أن المشروع سيكون في 13 منطقة في الشمال السوري مثل أعزاز وجرابلس والباب وتل أبيض، وسيوفر “كل الاحتياجات اللازمة للعيش الكريم من مدارس ومستشفيات وبيوت لإخوتنا السوريين”، وذلك بدعم من مؤسسات المجتمع المدني في تركيا والعالم، بحسب أردوغان.
وأضاف الرئيس التركي: “نحن ندعم بقاء المهاجرين خلف الحدود عبر مشاريع العودة الطوعية من خلال بناء المنازل الآمنة”، وتابع: “لا نتعامل مع المناطق الجغرافية التي وطئتها أقدامنا وفقاً لثرواتها الطبيعية، بل نتحرك فقط وفقاً لما تقتضيه حاجة المضطهَدين والضحايا.. نحن ننتقد الموقف العنصري والتمييزي والأناني والمنافِق للغربيين في التعامل مع المظلومين، فنحن لا ننظر إلى جلد أي شخص أو شعره أو لون عينيه أو معتقده أو لغته ونؤمن بأن الله سيمنحنا الأفضل ببركة كل المساعدات التي قدمناها للمظلومين، فنحن اليوم من أكثر الدول التي تقدم المساعدات في العالم”.
وكلما اقترب موعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية التركية المقررة في يونيو/ حزيران 2023، تُصعّد المعارضة التركية من خطابها المعادي للاجئين بشكل عام والسوريين منهم بشكل خاص، وسط وعود كبيرة بإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم في حال فوزها بالانتخابات المقبلة، وهو ما يتوقع أن يدفع الحكومة التركية لمحاولة القيام بخطوات سريعة لسحب ملف اللاجئين من المعارضة قبيل الانتخابات التي توصف بأنها “تاريخية ومصيرية”.
وتُطرح منذ أشهر طويلة في أروقة الحكومة التركية العديد من الحلول التي ظهرت على شكل إجراءات تقول إنها تهدف إلى “تنظيم أوضاع اللاجئين”، وتمثلت هذه الإجراءات في منع الإقامة في الأحياء التي يعيش فيها أعداد كبيرة من اللاجئين، ومنع تسجيل لاجئين جدد في المحافظات الكبرى والتضييق على إجراءات التنقل بين المحافظات والترحيل الفوري لأي لاجئ يفتعل مشكلة أو يرتكب مخالفة، وغيرها من الإجراءات القاسية التي كان آخرها منع زيارات العيد التي يقوم بها اللاجئون في تركيا إلى شمالي سوريا.
لكن هذه الإجراءات لم تنجح حتى اليوم في سحب ملف اللاجئين من يد المعارضة التي صعّدت حملاتها في الأيام الأخيرة بشكل غير مسبوق، وباتت الحملات المتعلقة باللاجئين تتصدر التريند على مواقع التواصل الاجتماعي في تركيا بدون انقطاع، حيث تشير استطلاعات رأي مختلفة إلى أن ملف اللاجئين سيكون من أبرز المحركات في التصويت بالانتخابات المقبلة، إلى جانب إظهارها أن الغالبية العظمى من الناخبين الأتراك يدعمون إعادة اللاجئين وخاصة السوريين إلى بلادهم، وعدم استقبال أي لاجئين جدد خاصة من أفغانستان وباكستان.
ومع تزايد التجاذبات السياسية حول ملف اللاجئين ووصولها إلى درجة غير مسبوقة، تسعى الحكومة التركية لإصلاح كافة الملفات التي تستغلها المعارضة لتعزيز فرص فوزها في الانتخابات المقبلة وأبرزها ملف اللاجئين، وهو ما فتح الباب مجدداً أمام التكهنات حول إمكانية أن تتجه الحكومة التركية نحو تنفيذ عملية عسكرية كبيرة جديدة في شمال سوريا من أجل إقامة مزيد من المناطق الآمنة وإعادة أعداد أكبر من اللاجئين إليها.
ونفذت تركيا في السابق عمليات “درع الفرات” و”غصن الزيتون” و”نبع الفرات” في شمال سوريا، وسيطرت على مناطق مختلفة شرقي وغربي نهر الفرات، وتقول إن قرابة 500 ألف لاجئ سوري عادوا بشكل طوعي من تركيا إلى تلك المناطق التي زودتها بخدمات الأمن والصحة والتعليم وغيرها.
وفي هذا الإطار، يتجه سياسيون ومحللون في تركيا إلى إمكانية أن يتجه الرئيس رجب طيب أردوغان الذي يسعى لضمان فوزه في الانتخابات المقبلة، إلى إقرار عملية عسكرية واسعة في شمال سوريا من أجل تأمين مزيد من المناطق وإعادة تأهيلها لضمان عودة أعداد أكبر من اللاجئين إليها قبيل موعد الانتخابات. وهو سيناريو ممكن، لكنه بحاجة إلى فترة زمنية طويلة تمتد لما بعد الانتخابات، إلا أن مبدأ إجراء العملية وتقديم وعود بإعادة اللاجئين يمكن أن يكون كافياً لتقديم تطمينات ما للناخبين الأتراك.
وفي حال نجحت تركيا في التوصل إلى تفاهمات سياسية وعسكرية مع روسيا وأمريكا، يمكن أن تبدأ التحضير لعملية عسكرية جديدة بهدف إقامة مناطق آمنة جديدة في شمال سوريا، على أن تدخل في مباحثات مع الاتحاد الأوروبي الذي لا يرغب في استقبال مزيد من اللاجئين في ظل استقباله ملايين اللاجئين الجدد من أوكرانيا لتأمين تمويل أوروبي لتزويد هذه المناطق بالخدمات الأساسية والبدء بالضغط على اللاجئين للعودة إلى تلك المناطق، وهو سيناريو يجري بحثه بقوة رغم التعقيدات الكبيرة التي قد تعترض طريقه.
القدس العربي