نشر موقع مجلة «ذي نيويوركر» مقالاً تحليلياً لروبن رايت، قالت فيه إن “أوكرانيا أصبحت الآن حرب أمريكا”، مشيرة إلى أن الولايات المتحدة تقود تحالفاً من “دول حسنة النوايا” بهدف توسيع الدعم لأوكرانيا وإضعاف روسيا، والبقاء حتى بعد رحيل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وقالت فيه إن أمريكا اجتازت عتبة النيّة للمشاركة قصيرة الأمد وطويلة الأمد في أوكرانيا.
فقد كانت الولايات المتحدة بداية حذرة في الخريف والشتاء عندما حشدت روسيا، القوة النووية وصاحبة الفيتو في مجلس الأمن، أكثر من 150.0000 من قواتها على الحدود مع أوكرانيا، ولم تكن واشنطن راغبة بنخز الدب الروسي، أو استفزاز فلاديمير بوتين شخصيا.
كانت الولايات المتحدة بداية حذرة في الخريف والشتاء، ولم تكن راغبة بنخز الدب الروسي، أو استفزاز فلاديمير بوتين شخصياً.
وبعد يومين من دخول القوات الروسية أوكرانيا، في 24 شباط/فبراير، أكد وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، أن هدف أمريكا، مع حزمة دعم عسكري، الوقوف إلى جانب الشعب الأوكراني. وفي البداية فرض البيت الأبيض عقوبات ضد روسيا، والتي استهدفت عدداً من المصارف والأوليغارش والنخب السياسية والشركات المملوكة من الدولة وعائلة بوتين لدفعه كي يعيد قواته إلى مكانها الذي جاءت منه، وبدون اللجوء إلى تدخّل عسكري في أوكرانيا. وقال جو بايدن، في بداية آذار/مارس، إن “المواجهة المباشرة بين الناتو وروسيا هي حرب عالمية ثالثة، وهو أمر علينا العمل على منعه”.
ولكن الحرب، وبعد تسعة أسابيع، تطورت إلى حرب بالوكالة شاملة مع روسيا وبتداعيات دولية. وبات المسؤولون الأمريكيون يؤطرون الدور الأمريكي من خلال شروط أوسع، والتي تصل إلى حد العدوانية. وبات الهدف الذي تسنده عشرات المليارات من الدولار على شكل دعم، هو “إضعاف” روسيا والتأكيد على سيادة أوكرانيا والديمومة لما بعد بوتين. وأخبر الرئيس الصحافيين يوم الخميس “تعلّمنا على مرّ التاريخ، أنه عندما لا يدفع الديكتاتوريون ثمن عدوانهم، فإنهم سيتسبّبون بمزيد من الفوضى ومواصلة عدوان جديد” و”يستمرون في التحرك، وتزداد معها الكلفة على أمريكا والعالم”.
بايدن: “تعلّمنا على مرّ التاريخ، أنه عندما لا يدفع الديكتاتوريون ثمن عدوانهم، فإنهم سيتسبّبون بمزيد من الفوضى ومواصلة عدوان جديد” و”يستمرون في التحرك، وتزداد معها الكلفة على أمريكا والعالم”.
بعد نفاد الأموال المخصصة، طلب بايدن من الكونغرس حزمة جديدة من المساعدات العسكرية والاقتصادية والإنسانية بـ 33 مليار دولار، وهي آخر حزمة في المساعدات لأوكرانيا. وقال الرئيس “كلفة هذا القتال ليست رخيصة”، ولاحظت مجلة “بوليتكو” أن الدعم الجديد يصل إلى نصف الميزانية الدفاعية الروسية كلها، وكذلك أكثر من نصف ميزانية وزارة الخارجية الأمريكية. وفي الأشهر الخمسة القادمة، ستصل المساعدة الأمريكية إلى أوكرانيا لأكثر من 200 مليون دولار في الشهر. وقال بايدن إن الاستثمار هو ثمن بسيط “لتقليل مخاطر النزاعات في المستقبل”. وبالنسبة لبوتين، تبدو الحرب في أوكرانيا، على الأقل في جزء منها، حربا بالوكالة مع الناتو وقيادته الولايات المتحدة.
وعبّر بوتين، قبل غزوه، وبشكل صريح، عن رهاب من التحالف العسكري وتوسيعه المتزايد إلى الدول التي كانت مرة جزءاً من الاتحاد السوفييتي السابق. وتعاونَ مع الرئيس الصيني شي جينبينغ على نشر وثيقة من خمسة آلاف كلمة لتشكيل تحالف فعليّ بين الأنظمة الديكتاتورية لمعارضة توسيع الناتو.
وحاول بايدن مقاومة هذا التأطير، ففي بداية الغزو لجأت الولايات المتحدة لاستحضار مبادئ السيادة والحكومة المنتخبة ديمقراطياً ووحدة الأراضي الوطنية. ولكن الحرب الأوكرانية الوجودية، باتت، ومنذ الأسبوع الماضي، تبدو وكأنها حرب أمريكا أيضاً.
تحالف النوايا الحسنة
ففي 24 نيسان/إبريل ركب بلينكن ووزير الدفاع لويد أوستن قطاراً بنوافذ معتمة لمقابلة الرئيس الأوكراني فولدومير زيلينسكي في كييف، وهي زيارة رمزية هدفت لتعزيز الدعم الأمريكي. وجاءت الزيارة القوية تعبيرا عن زيادة طموح الأهداف الأمريكية. وقال أوستن للصحافيين قرب حدود بولندا: “نريد مشاهدة روسيا ضعيفة لدرجة لا تستطيع عمل أمور كتلك التي عملتها في غزو أوكرانيا”. أما بلينكن فقال “لا نعرف الكيفية التي ستتكشف فيها الحرب لاحقاً، ولكننا نعرف أن سيادة واستقلال أوكرانيا ستعيش أكثر من فلاديمير بوتين في المشهد”.
وبعد ذلك جمع أوستن قادة دفاع من أكثر 40 دولة، وخارج إطار الناتو، في قاعدة رامشتاين الجوية الأمريكية في جنوب- غرب ألمانيا بهدف تنسيق الدعم لأوكرانيا. وأعلن أوستن، الجنرال المتقاعد، والذي شارك في كل من العراق وأفغانستان، عن تشكيل تحالف من “دول ذات النوايا الحسنة”، والذي سيجتمع شهرياً من أجل “تكثيف” الدعم الدولي و”الانتصار في معركة اليوم والنضالات القادمة”. وفي مناشدته للدعم، قال بايدن “علينا تحمّل دورنا وقيادة التحالف”.
وتعلّق رايت أن التحوّل كان محتوماً، في ظل بربرية الحرب التي أدت لمقتل الآلاف من المدنيين وتحدي روسيا لمواثيق وتعهدات أصول الحكم. وقال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة: “لو ترك هذا على حاله، ولم يكن هناك رد على العدوان، ولو لم تدفع روسيا الثمن، فسينتهي ما يطلق عليه النظام الدولي”. وواصل ميلي في حديثه مع “سي أن أن” “ولو حدث هذا، فإننا سندخل مرحلة خطيرة من عدم الاستقرار”. وتقول المجلة إن الولايات المتحدة تدخلت في أوكرانيا لأربعة أسباب. أولاً، توقفت الدبلوماسية بين أوكرانيا وروسيا، بعد الكشف عن الجرائم التي ارتكبتها القوات الروسية، وبخاصة ذبح المدنيين في بوتشا. كما أن مشاركة روسيا في المفاوضات لم تحمل مصداقية منذ البداية. فبوتين جشع وطموح من الناحية التاريخية، فلدى روسيا مطالب راسخة في جنوب شبه جزيرة القرم وشرق منطقة دونباس، والأرض الواقعة بينهما، إلى جانب البحر الأسود الإستراتيجي. وبوتين ليس مستعداً للتفاوض، أو لا يشعر أنه يتعرّض لضغوط كي يتفاوض بجدية.
بلينكن: “لا نعرف الكيفية التي ستتكشف فيها الحرب لاحقاً، ولكننا نعرف أن سيادة واستقلال أوكرانيا ستعيش أكثر من فلاديمير بوتين في المشهد”.
الأمر الثاني، هو جرأة الولايات المتحدة بسبب ضعف أداء القوات العسكرية الروسية، أضخم الجيوش في أوروبا. وتكهنت تقارير أجهزة الاستخبارات الأمريكية سقوط كييف في 74 ساعة. لكن العاصمة الأوكرانية صمدت، وانسحبت القوات الروسية، ولم تعد واشنطن خائفة بعد من نخز الدب الروسي. إلا أن الوقت ليس إلى جانب أوكرانيا، كما قال ميلي. وتأكدت مظاهر قلقه يوم الخميس، عندما استهدف الروس مدناً أوكرانية، وبعد ساعة من مخاطبة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غويتريش مؤتمراً صحافياً في كييف، ووصف البلد بأنه “مركز لألم ووجع في القلب لا يمكن تحمله”. وجاءت رحلة غويتريش إلى أوكرانيا بعد لقائه مع بوتين في موسكو، وعبّر الأمين العام الذي تجوّل في بوتشا عن موقف واضح من الحرب “كانت الحرب سخافة في القرن العشرين والحرب هي شرّ”.
الأمر الثالث، بشأن توسع الانخراط الأمريكي، أنه انعكاس مخاوف طويلة بين الدول، أو القريبة من الحدود الروسية، وهي أن عدوان بوتين لن يتوقف عند أوكرانيا. وفي 22 نيسان/إبريل أعلن قيادي عسكري روسي أن موسكو تريد السيطرة الكاملة على شرق وجنوب – شرق أوكرانيا من أجل فتح طريق نحو مولدوفا المجاورة، البلد الصغير الداعم للاتحاد الأوروبي، لكنه يعتمد في الطاقة على روسيا. وفي شهادة أمام الكونغرس، يوم الخميس، قال بلينكن إن هناك حاجة ماسة، و”انتهاز الفرص الإستراتيجية” ومعالجة “المخاطر التي يمثلها الطموح الروسي، في وقت تقوم فيه الدول بالنظر إلى أولوياتها وسياساتها وعلاقاتها”.
بوتين مجرم حرب
وأخيراً، فقد أثار حديث موسكو الصارخ بشأن الأسلحة النووية واستخدامها قلق المسؤولين الأمريكيين. وقال المتحدث باسم البنتاغون، جون كيربي، في 27 نيسان/إبريل “لا أحد يريد هذه الحرب أن تتوسّع لأبعد مما هي عليه الآن”. و”بالتأكيد لا أحد يريدها أن تتوسّع، أو يرغب برؤيتها تنتقل إلى المجال النووي”.
وفي الوقت الحالي يحظى نهج بايدن بدعم من الرأي العام، رغم التعب من حربين في أفغانستان والعراق. وبحسب استطلاع أجرته جامعة “كويننبياك”، منتصف نيسان/إبريل، دعم فيه ثلثا المشاركين جهود أمريكا في الحرب، وقالوا إن عليها “مسؤولية أخلاقية” لمساعدة أوكرانيا.
كلما زاد يأس بوتين كلّما أصبح خطابه أكثر جرأة
وفي بلد يعيش حالة استقطاب في موضوعات أخرى، عبّر ثلثا المشاركين في الاستطلاع عن أسوأ المخاوف القادمة. وتعتقد نسبة أعلى من 80% أن بوتين هو مجرم حرب. ويقول تيم مولي الذي حلّل نتائج الاستطلاع لجامعة كويننبياك إن الرأي العام على الحافة عندما يتعلّق الأمر بإرسال قوات إلى أوكرانيا. وفقط 19% من الأمريكيين يوافقون على ضرورة عمل واشنطن المزيد، حتى لو اقتضى الأمر المخاطرة وإرسال قوات أمريكية. وربما أصبح هذا محلاً للامتحان، مع التغيّر في الدور الأمريكي، من رد الفعل على الحرب غير المبررة التي شنّتها روسيا، إلى الدور النشط المؤكد على القيادة الأمريكية والنفوذ. وكلما زاد يأس بوتين كلّما أصبح خطابه أكثر جرأة. وحذّر يوم الأربعاء أنه يستطيع شنّ هجوم مثل البرق لإحباط رد أي دولة تدخلت لإحباطه أو تهديد روسيا. و “لدينا كل الأدوات لهذا، ولا أحد يمكنه التباهي” بملكيتها، في تلميح للترسانة النووية، و”سنستخدمها لو أجبرنا”. ودخلت الحرب الآن مرحلة متباينة كل واحدة تحمل مخاطرها على الولايات المتحدة وأوكرانيا.
القدس العربي