يشير المحللون الروس إلى أن الشعب الإيراني ليس لديه موقف موحد بشأن تصرفات روسيا في أوكرانيا.
فالدوائر الرسمية، وكذلك الغالبية العظمى من الإيرانيين، تعتبر العملية العسكرية الروسية الخاصة إجراءً اضطرارياً، وتدعم موسكو بشكل عام. وفي 21 مارس (آذار) 2022 حمل «المرشد» علي خامنئي حلف «الناتو» مسؤولية ما يجري، وتحدث عن العنصرية الصارخة للغرب، كما أن وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية، تتحدث بالسياق نفسه.
في المقابل، ينتقد جزء ملحوظ من المجتمع الإيراني الموقف الرسمي لطهران، حيث تنشر بعض وسائل الإعلام مقالات لمعارضين للتقارب مع روسيا، تُعبرُ عن عدم رضاهم عن السياسة الخارجية للسلطات على هذا المسار، وتلقى صدى إيجابياً في الأوساط الموالية للغرب من الجمهور الإيراني، وحتى لدى بعض النخب الدينية.
الشرق الأوسط
وقد غذى هذه المشاعر معلوماتٌ نشرت حول ما يزعم عن الدور المدمر للاتحاد الروسي في عملية التفاوض بين إيران والدول «الست» بشأن خطة العمل الشاملة المشتركة (خطة البرنامج النووي الإيراني)، حيث يُزعم أن روسيا تطرح شروطاً إضافية تعجيزية بهدف تعطيل المفاوضات، لأنها تخشى منافسة طهران لها في توريد موارد الطاقة للأسواق العالمية في حال رفع العقوبات عن الجمهورية الإسلامية.
ويشير بعض الخبراء الإيرانيين، عبر اتصالات شخصية، إلى التقارب الروسي مع دول الخليج العربية، الأمر الذي يقال إنه يؤثر سلباً على موقف موسكو تجاه إيران، لكنهم لا يلاحظون حقيقة أن كلاً من روسيا ودول الخليج العربية (رغم الانتقادات الجادة لطهران من قبل الأخيرة) معنية بالمصالحة بينهما. وفي الوقت نفسه، تسعى روسيا بصدق لإحياء «الاتفاق النووي» مع إيران، لا سيما أنها في الوضع الدولي الحالي مهتمة بشكل خاص بالسلام والأمن المضمون في هذه المنطقة المهمة بالنسبة لها من العالم.
بطبيعة الحال، تم دحض الشائعات حول وجود أي من أنواع العناصر غير البناءة المزعومة في السياسة الروسية بشأن خطة العمل الشاملة المشتركة، والتي لا يمكن تسميتها إلا شائعات، من قبل الممثلين الرسميين لكل من الاتحاد الروسي وجمهورية إيران الإسلامية، الذين أعلنوا التفاهم الكامل والثقة المتبادلة بين سلطات البلدين خلال المفاوضات الصعبة حول هذه القضية.
ولفت انتباه المحللين الروس حقيقة وجود الرئيس الإيراني السابق، محمود أحمدي نجاد، في معسكر الشخصيات الإيرانية التي تعارض سياسة روسيا والسلطات الإيرانية الداعمة لأعمالها في أوكرانيا. وتجدر الإشارة إلى أنه في الفترة الأخيرة، بات نجاد يظهر بشكل منتظم على القنوات التلفزيونية ويجري مقابلات مع الصحافة الأجنبية. ورغم صعوبة اتهام الرئيس السابق بالاستماع إلى نصائح القادة الغربيين، فإن تقييماته للأفعال الروسية تتماشى جزئياً مع تلك التي سمعناها منهم.
لكن العديد من وكالات الأنباء الغربية التي تبث باللغة الفارسية من أراضي إيران، عبر الأقمار الصناعية، الدعاية المعادية لروسيا وجميع أنواع المعلومات الكاذبة والمشوهة حول الأحداث في أوكرانيا، على مدار 24 ساعة في اليوم، تعكس الحالة المزاجية غير الصديقة لموسكو. ويعتقد الخبراء الروس، وعدد غير قليل من زملائهم الإيرانيين، أن السياسة الإعلامية الضعيفة للسلطات الإيرانية نفسها تساهم أيضاً في ذلك.
«الصدمات التاريخية» للإيرانيين هي سبب آخر يجعل جزءاً من المجتمع الإيراني متوافقاً مع الصور النمطية التي تزرعها البرامج المعادية لروسيا. وهنا، يستعيدون من غياهب النسيان ذاكرة الحروب الفاشلة للإمبراطورية الفارسية مع الإمبراطورية الروسية، والتي فقدت البلاد نتيجتها السيطرة على القوقاز، وكذلك أحداث الحرب العالمية الثانية، المتمثلة بدخول القوات السوفياتية والبريطانية إلى إيران، وما إلى ذلك. وأخيراً، كما أوضح لي أحد المحاورين الإيرانيين، فإن الإيرانيين، وبناءً على تجربتهم، يميلون دائماً إلى التعاطف مع الضعيف ضد القوي الذي تمثله روسيا حسب رأيهم.
لكن، هل يعني هذا أن التعاون الوثيق بين موسكو وطهران قد تصدع؟
بشكل عام، لا أعتقد ذلك. فمصالح إيران تدفعها نحو موسكو، وكذلك تعاطف القسم الأكبر من السكان إلى جانبها. وقد أعلن المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده، بوضوح واتساق الموقف الرسمي لطهران. وبالمناسبة، هو موقف براغماتي للغاية، يعتبر أن الحل في أوكرانيا، كما أكد خطيب زاده، يقوم على التزام ميثاق الأمم المتحدة، والامتثال للاتفاقيات الدولية، والسعي للحوار.
وليس من قبيل المصادفة رد الفعل السلبي الحاد والعنيف للغاية بين السكان، ناهيك عن سلطات البلاد، على المقابلة التي نُشرت مؤخراً لرئيس تحرير جريدة آسيا (Asia) الإيرانية، مع السفير الأوكراني في إيران، سيرغي بوردولياك، في 16 أبريل (نيسان) من هذا العام. فقد وصل به الأمر أن هدد إيران بمشاكل في استيراد المنتجات الزراعية من أوكرانيا بسبب موقفها الرسمي المؤيد لروسيا وعدم استعدادها لمساعدة كييف بالوقود، حيث من المعروف أن إيران تستورد كميات كبيرة من القمح من الخارج، بما في ذلك من أوكرانيا. لكن، تجدر الإشارة هنا إلى معظم وسائل الإعلام الحكومية، بما في ذلك شركة تلفزيون IRIB، ألقت باللوم على الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في مشاكل أوكرانيا.
وتتعزز براغماتية إيران فيما يتعلق بالأحداث في أوكرانيا من خلال منحها الأولوية لحل قضية خطة العمل الشاملة المشتركة (خطة البرنامج النووي الإيراني). فبالنسبة لها، من المهم ألا تعرقل إسرائيل الاستكمال المرتقب لمحادثات فيينا وتوقيع اتفاق جديد. ولدى النخبة الإسرائيلية اعتراضات كثيرة على الصفقة الجديدة، رغم أن هناك بين المتخصصين في الدولة من يعتقدون أنه من الأفضل الحصول على مثل هذه الاتفاقية من عدم وجودها. مع ذلك، أحرزت إيران في السنوات التي تلت الانسحاب من خطة العمل الشاملة المشتركة الأميركية، تقدماً كبيراً في التكنولوجيا ومخزون اليورانيوم المخصب. وكل هذا، بالإضافة إلى الخبرة التي اكتسبتها، سيجعل المسافة التي تفصلها عن صنع قنبلة ذرية، في حال حدوث أزمة محتملة، أقصر بكثير مما كانت عليه في عام 2015، وسيؤدي رفع العقوبات إلى حقيقة أن البلاد ستتلقى عشرات المليارات من الدولارات، مما يقوي القيادة الإيرانية.
بيد أن الخبراء الدوليين ينطلقون من حقيقة أن الحرب غير المعلنة بين إيران وإسرائيل، والتي يتم خوضها على جبهتين: الجبهة العسكرية والجبهة السيبرانية، ستستمر حتى بعد توقيع الاتفاقية. ويتجلى ذلك أيضاً في الخطورة المتزايدة للأحداث التي وقعت على جبهات هذه الحرب غير المعلنة، حيث لا تصل العديد من حلقاتها على الفور لوكالات الأنباء. ومن الأمثلة على ذلك الهجوم الكبير الذي شنته طائرات إسرائيلية مسيرة في فبراير (شباط) من قاعدة في كردستان العراق، على هدف يقع في الأراضي الإيرانية، بالقرب من مدينة كرمانشاه، ما أدى إلى تدمير حوالي مائة طائرة مسيرة إيرانية. وفي 13 مارس، أفاد التلفزيون الإيراني الرسمي بأن إيران وجهت ضربة بصواريخ أرض – أرض إلى قواعد إسرائيلية سرية في منطقة أربيل. وهناك أيضاً أمثلة عديدة على هجمات للقراصنة في المجال السيبراني (الهاكر).