أبوجا/الرباط – تسعى نيجيريا والمغرب لتأمين التمويل لمشروع ضخم لخط أنابيب يهدف إلى نقل الغاز النيجيري إلى شمال أفريقيا والأسواق الأوروبية، في خطوة قال خبراء إنها تأتي ضمن تحرك دولي أشمل لنفض التراب عن مشاريع الغاز على خلفية أزمة الغاز الكبرى سواء على المستوى الإقليمي بعد قرار الجزائر وقف ضخ الغاز إلى المغرب ثم الاستعراض الجزائري على إسبانيا أو على المستوى الدولي بسبب مخلفات التدخل الروسي في أوكرانيا.
ويقول خبراء في الطاقة إن الفضل في بداية هذا المشروع الواعد يعود إلى المغرب الذي عمل على تأمين بدائل له ضمن رؤية أشمل تقوم على تعميق التقارب مع أفريقيا، وقد أخذ هذا المشروع بعدا أكبر خاصة بعد التوتر مع الجزائر وقرارها وقف توريد الغاز إلى جارتها الغربية.
وقررت السلطات الجزائرية عدم تجديد عقد توريد الغاز إلى إسبانيا عبر أنبوب الغاز أوروبا – المغرب العربي “جي أم إي” المار بالأراضي المغربية والذي انتهى في الحادي والثلاثين من أكتوبر الماضي على خلفية اتهامات وجهتها الجزائر إلى الرباط دون أيّ أدلة، من بينها التورط في الحرائق التي شهدتها منطقة القبائل الصيف الماضي ودعم حركات انفصالية جزائرية.
أوروبا تنظر إلى خط المغرب – نيجيريا كركيزة ضمن بدائلها الممكنة في حال قررت حظر استيراد الغاز من روسيا
وتفاجأ الجزائريون بأن سعيهم لاستثناء المغرب من الغاز أمر غير ممكن خاصة بعد أن عبّرت إسبانيا عن استعدادها لتمكين المغرب من كميات إضافية من الغاز عبر نفس الأنبوب الذي أوقفت الجزائر العمل به، ما اعتبرته تحديا إسبانيا لها، وحذّرت الجزائر الأربعاء الماضي من أنها ستوقف إمدادات الغاز إلى إسبانيا إذا باعت أيّ غاز جزائري إلى دول أخرى، في إشارة إلى المغرب.
ورغم أن التلويح الجزائري لا يعدو أن يكون مجرد تهديد كلامي، إلا أن مراقبين اعتبروا أن الجزائر تدرك أن توتير العلاقة مع إسبانيا من خلال لعب ورقة الغاز سيثير غضب أوروبا كلها، وهي التي تبحث الآن عن زيادة إمدادات الغاز تحسبا لوقف الغاز الروسي، وأنها لا تقبل بأيّ مناورات أو مغامرات من الجزائر أو غيرها، ولأجل هذا سيزيد الاهتمام بالخط الرابط بين نيجيريا والمغرب.
وكانت الجزائر سعت إلى “تسريع تنفيذ مشروع أنبوب غاز جزائري – نيجيري” ومحاولة تغيير اتجاه المشروع ليمر عبر أراضيها، لكن نيجيريا لم تظهر أيّ اهتمام بالفكرة الجزائرية.
وبات مشروع الغاز نيجيريا – المغرب مثار اهتمام دولي واسع، فأوروبا تنظر إليه كركيزة ضمن بدائلها الممكنة في حال قررت حظر استيراد الغاز من روسيا، والأخيرة تجد بدورها في تمويل هذا المشروع الكبير فرصة لاستباق أيّ تحرك غربي نحو أفريقيا وقطع الطريق أمام محاولات عزلها عبر بدائل جديدة.
وأعلن وزير الدولة النيجيري للموارد البترولية تيميبر سيلفا أن روسيا أبدت اهتمامها بالاستثمار في مشروع خط أنابيب الغاز النيجيري – المغربي، مضيفا “كان الروس معي في المكتب الأسبوع الماضي. إنهم يرغبون بشدة في الاستثمار في هذا المشروع وهناك الكثير من الأشخاص الآخرين الذين يرغبون أيضا في الاستثمار في المشروع”.
ووقعت نيجيريا والمغرب لأول مرة اتفاقية بشأن المشروع في ديسمبر 2016. وإلى جانب ربط البلدين، من المتوقع أيضا أن يربط خط الأنابيب البالغ طوله 5660 كيلومترا بعض البلدان الأفريقية الأخرى بأوروبا.
وقال الوزير النيجيري إن هذا الخط الذي يأمل النيجيريون أن يبدأ في 2023 “سينقل غازنا عبر العديد من البلدان في أفريقيا وأيضا على طول الطريق إلى حافة القارة الأفريقية حيث يمكننا الوصول إلى السوق الأوروبية كذلك”.
وأضاف “نريد أن نمدد خط الأنابيب هذا على طول الطريق إلى المغرب. في الوقت الحالي ما زلنا في مرحلة الدراسات، وبالطبع نحن في مرحلة تأمين التمويل اللازم لهذا المشروع والكثير من الجهات تبدي اهتماما”. وتابع “هناك اهتمام دولي كبير واهتمام لمستثمرين بالمشروع، لكننا لم نختر بعد المستثمرين”.
وتحاول أوروبا أن تنوع بدائلها لتعويض الغاز الروسي، لكن الأمر ليس بالسهولة التي يتحمس لها البعض من السياسيين. وحذّرت المفوضية الأوروبية بعد اجتماع طارئ لوزراء الطاقة في الدول السبع والعشرين في بروكسل، من أن الاتحاد الأوروبي عليه أن يستعد لتوقف الإمدادات الروسية، وذلك ضمن مساع أوروبية لرفع الدفع بالروبل كما تفرضه روسيا.
ودفعت بولندا وبلغاريا مقابل مشترياتهما بالعملة المنصوص عليها في عقديهما مع شركة غازبروم ورفضتا فتح حساب ثان بالروبل. وردا على ذلك علّقت شركة الغاز الروسية عمليات التسليم معتبرة أن البلدين تخلفا عن السداد.
كيلومترا طول خط الأنابيب الذي سيربط بعض البلدان الأفريقية إضافة لنيجيريا والمغرب
وأكدت المفوضة الأوروبية للطاقة الإستونية كادري سيمسون أنه “لا توجد تهديدات فورية للإمدادات، لكننا لن نتمكن من التعويض عن 150 مليار متر مكعب من الغاز المشتراة من روسيا من مصادر أخرى”. وأضافت “يمكننا التعامل مع استبدال ثلثي إمدادات الغاز الروسي”.
وشددت سيمسون على ضرورة قيام الدول الأعضاء بتعبئة احتياطاتها فيما أشارت وزيرة الانتقال البيئي الفرنسية باربرا بومبيلي إلى الحاجة “لتنويع طريقة إنتاج الكهرباء والتدفئة”. وبحث الوزراء وقفا تدريجيا لمشتريات النفط والمنتجات البترولية الروسية بهدف تجفيف التمويل الأوروبي للحرب التي يقودها الكرملين في أوكرانيا.
وقالت بومبيلي إن “حزمة عقوبات جديدة قيد الإعداد، لكن ذلك لم يكن موضوع مجلس الطاقة هذا”. وأكدت سيمسون “نعمل على مروحة جديدة من العقوبات”.
وتابعت “في اجتماع الثلاثاء (أمس) لهيئة المفوضين في ستراسبورغ (على هامش جلسة للبرلمان) ستحدد رئيسة (المفوضية الأوروبية) أورسولا فون دير لايين القرار الذي يتم التوصل إليه”. وبحسب مصدر أوروبي وضعت الصيغة النهائية للاقتراح وستعتمده المفوضية.
من جانبه قال الوزير الألماني روبرت هابيك “أعتقد أن المفوضية ستقترح حزمة عقوبات سادسة، بما في ذلك وقف استيراد النفط الروسي”. وسيقدم الاقتراح إلى الدول الأعضاء لإقراره اليوم الأربعاء. وقال الوزير الألماني إنه مع ذلك “لا أعلم ما إذا كان هذا الأمر سيكون ممكنا بحلول نهاية الأسبوع”.
وفي حال اتفاق الدول السبع والعشرين على هذا الإجراء، فإن وقف مشتريات النفط والمنتجات البترولية من روسيا سيكون تدريجيا، خلال فترة تتراوح بين ستة وثمانية أشهر، لكن مع إجراءات ذات أثر فوري، كما أوضح مسؤول أوروبي.
العرب