أي قفلٍ سيفتحه المخلب التركي؟

أي قفلٍ سيفتحه المخلب التركي؟

أطلقت القوات التركية عملية عسكرية جوية وبرّية في ساعة مبكرة من فجر الـ 18 من الشهر الماضي (إبريل/ نيسان) تحت اسم “المخلب ـ القفل”، على مواقع وأهداف لمجموعات حزب العمال الكردستاني في مناطق متينا وزاب وأفشين – باس شمالي العراق.

يقول وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، الذي أشرف على إعلان الساعة الصفر في العمليات، بحضور رئيس الأركان، يشار غولر، وكبارالضباط من مقرّ قيادة القوات الجوية في العاصمة أنقرة، إن “تركيا تنفذ هذه العمليات بشكل يحترم سيادة العراق الصديق والشقيق ووحدة أراضيه”، ويؤكّد أن “المرحلة الأولى من العملية أنجزت بنجاح وفق المخطط المعد لها”. ولا تفاصيل كثيرة عن بقية المراحل من العملية التركية ضد مجموعات حزب العمال الكردستاني، لكن انطلاقها في منطقة زاب، المرسومة باللون الأحمر، على خرائط المؤسّسة العسكرية وجهاز الاستخبارات في تركيا، مقارنةً ببقية المناطق العراقية الحدودية التي طُهِّر القسم الأكبر منها من عناصر “العمّال الكردستاني”. وباتت تجري الإشارة اليها باللون الأخضر، يعني أن للتحرّك التركي، هذه المرّة، أكثر من هدف عسكري وأمني وسياسي، بخلاف سبع عمليات سابقة، جرت تحت شعار المخلب خلال السنوات المنصرمة.

يعكس انطلاق هذه العملية، عقب ساعات من انتهاء زيارة رئيس حكومة إقليم شمالي العراق، مسرور بارزاني، تركيا ولقائه الرئيس رجب طيب أردوغان، وترحيبه بـ “توسيع التعاون ودعم الاستقرار والأمن في شمال العراق”، وإعلان هذه الحكومة لاحقاً أن ساحة العمليات العسكرية التركية بعيدة عن المناطق السكنية، ما يعكس حقيقة وجود تنسيق مسبق بين أنقرة وأربيل في العملية. وربما هذا هو السبب الأهم الذي أغضب بغداد، ودفع الرئاسة العراقية إلى إعلانها بالغ القلق إزاء التحرك العسكري التركي داخل الأراضي العراقية، ووصف ما يجري بأنه “خرق للسيادة وتهديد للأمن القومي”. بغداد منزعجة من العملية العسكرية التركية في الشريط الحدودي الواسع بين البلدين، وتعتبر ما يجري غير مقبول، خصوصاً أنها تجري “من دون تنسيق مع الحكومة الاتحادية العراقية”. لكن بغداد منزعجة أكثر من التقارب الحاصل بين أنقرة وأربيل، لا تريد أن يكون على حساب مصالحها ونفوذها، خصوصاً أن هناك “ما ورائيات” استراتيجية بطابع اقتصادي وسياسي، تقلقها في ضوء هذا الانفتاح التركي مع إقليم كردستان.

للتحرّك التركي، هذه المرّة، أكثر من هدف عسكري وأمني وسياسي، بخلاف سبع عمليات سابقة، جرت تحت شعار المخلب خلال السنوات المنصرمة

هل اكتفاء أنقرة بإبلاغ بغداد بانطلاق العملية فقط، من دون تقديم تفاصيل أمنية وعسكرية وجغرافية، سببه دور مجموعات “الحشد الشعبي” المحسوبة على إيران في العراق ونفوذها، وتلويحها الدائم بالاستعداد للتحرّك نحو المناطق الحدودية لمواجهة القوات التركية في عملياتها العسكرية داخل العراق، دفاعاً عن مجموعات حزب العمّال، بدلاً من التوجه إلى محاربة هذه المجموعات وإخراجها من الأراضي العراقية؟ أم أن أنقرة تريد إخراج عناصر حزب العمال من المربع الأمني الحدودي المشترك مع العراق، ودفعها أكثر نحو الحدود العراقية الإيرانية في قنديل لرمي الكرة في ملعب طهران، بعد تطهير مناطق الحدود التركية العراقية وإسقاط ورقة المثلث الجغرافي الذي يجمع تركيا والعراق وسورية من يد هذه المجموعات بأسرع ما يكون؟

يبدو أن ساحة العمليات بالنسبة إلى تركيا في المرحلة الأولى تمرّ عبر الخط الأمني الحدودي مع العراق في منطقة زاب، وهو ما أسمته أنقرة القفل الذي سيحطمه المخلب، لكونه العقبة الأمنية الأساسية التي تعوق التنسيق الاستراتيجي بين تركيا وأربيل. والرسالة تعني طهران وبغداد قبل غيرهما هنا، لأنها تهدف إلى إسقاط ورقة حزب العمال والمليشيات العراقية المحسوبة على إيران من يدها “كلما دقّ الكوز بالجرّة”. وتذكير بغداد بأنها تقدّم لها الفرصة التي تحتاجها لإنهاء ملفات التوتر الأمني الحدودي بين البلدين، وتتحمل إيران المسؤولية الأكبر فيها. تريد تركيا إنهاء اختراق عناصر حزب العمّال أراضيها عبر القدوم من شمال العراق، لكنها تريد أيضاً رمي قنبلة هذه العناصر في الحضن الإيراني، بعدما نجحت طهران في لعب هذه الورقة ضدها سنوات.

قد يكون “قفل – المخلب” أبعد من عملية كلاسيكية هي الثامنة من نوعها تنفذها القوات التركية في شمال العراق منذ 2019

تتطلع أنقرة أيضاً إلى استغلال الأجواء الإقليمية المرتبطة بالتطبيع والمصالحة مع دول عديدة في المنطقة، والفرص التي تقدّمها لها الحرب الروسية الأوكرانية بهذا الاتجاه. وربما الأهم منع تهديد مصالحها التجارية والنفطية مع أربيل، في ضوء التحضير لخطط نقل الغاز من شمال العراق باتجاه الأراضي التركية في إطار تفاهمات إقليمية أوسع، دُرست مع عواصم غربية وإقليمية عديدة، وبينها بغداد وأربيل، لتجهيز هذا الخط الجديد عبر الأراضي التركية باتجاه أوروبا. ويبدو هنا أن إسرائيل على علم بهذا المشروع الذي تريد تركيا أن يلتقي مع مشروع نقل الغاز الإسرائيلي أيضاً عبر مياه شرق المتوسط إلى تركيا، لدمج الخطين بخط واحد ينقل الغاز إلى أوروبا. الغامض حتى الآن هو الموقف المصري حيال خطّة من هذا النوع، هل ستشارك القاهرة في نقل غازها أيضاً إلى أوروبا عبر هذا الخط التركي الإسرائيلي الذي قد يعبر باتجاه اليونان في محاولة لإعادة رسم التفاهمات في شرق المتوسط، أم أن لمصر رأياً آخر، ولا تريد الالتحاق بخطة من هذا النوع، قبل حسم موضوع المصالحة التركية المصرية وإنهاء ملفات الخلاف والتوتر؟ كان وزير الخارجية، مولود شاووش أوغلو، ينتظر قدوم نظيره المصري، سامح شكري، إلى تركيا استجابة لدعوة إفطار وجهها إليه. خطوة مصرية بهذا الاتجاه قد تساهم في تليين المواقف، وحلحلة عقد كثيرة كما ترى أنقرة. سؤال آخر يحتاج إلى إجابة عنه، يتعلق بفرص إشراك سورية وقبرص بشقيها في المشروع. وهذا يحتاج أولاً إلى تسريع حل الأزمة السورية وإنهاء الملف القبرصي، وكلها “طبخة” إقليمية جديدة قد تكون درست بين أكثر من عاصمة في أعقاب انفجار الوضع على الجبهات الروسية والأوكرانية التي دفعت الجميع إلى البحث عن بدائل جديدة لتوفير الطاقة لأوروبا.

قد يكون “قفل – المخلب” أبعد من عملية كلاسيكية هي الثامنة من نوعها تنفذها القوات التركية في شمال العراق منذ عام 2019، خصوصاً إذا ما أخذنا بالاعتبار الحوار الأميركي التركي المتواصل في هذه الآونة واللقاءات المكثفة على كل المستويات، التي هي مرتبطة بشكل التحالفات والاصطفافات بعد الحرب في أوكرانيا، أكثر مما قد تكون تناقش مسار الحرب بشقها العسكري.

العربي الجديد