قال ديفيد إغناطيوس إن الهجوم الروسي على أوكرانيا متشابك مع الحرب الدينية. وجاء بمقاله، الذي نشرته صحيفة “واشنطن بوست”: “لو نظر للهجوم الروسي على أوكرانيا أحياناً بأنه تعبير عن كثافة مستعصية لحرب دينية، فهذا لأنها، في جزء منها، متشابكة مع معركة مرّة للسيطرة داخل المجتمع الأرثوذكسي، والتي تدور منذ سنوات عدة”.
واستحضر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التنافس الديني، في مقاله الشهير الذي نشره في تموز/يوليو 2021، والذي وضع فيه الأسس العاطفية للغزو الروسي، وأكد فيه أن روسيا وأوكرانيا “مرتبطتان بعقدة واحدة” وهي المسيحية الأرثوذكسية. وشجب الأوكرانيين أصحاب التفكير المستقل الذين “تدخلوا بشكل صارخ في حياة الكنيسة وجلبوا إليها الانقسام”.
بابا الفاتيكان وبّخ كيريل بطريقة لاذعة، وطالبه بألا يكون “فتى المذبح لبوتين”.
ودعم رؤية بوتين الأسقف كيريل، أسقف الكنيسة الأرثوذكسية في موسكو. إلا أن رؤية بوتين أدت لخلافات داخل المجتمعات الأرثوذكسية وأهم بطريرك للكنيسة الأرثوذكسية الشرقية بارثملو، والذي يشرف من مكانه في اسطنبول اليوم على ميراث ألف وخمسمئة عام للبيزنطية. وخاض بابا الفاتيكان، فرانسيس الأول، في المعركة الداخلية يوم الثلاثاء حيث وبّخ كيريل بطريقة لاذعة، في تصريحات نقلتها الصحيفة الإيطالية كوريري ديلا سيرا، وطالبه بألا يكون “فتى المذبح لبوتين”. وقال إنه نصح كيريل، في حديث عبر زوم تم في 16 آذار/مارس، بالقول: “أخي، نحن لسنا كهنة الدولة، ولا يمكننا استخدام لغة السياسة، بل ولغة المسيح”.
يعود الانقسام بين الكنائس الأرثوذكسية والكاثوليكية الرومانية إلى شقيقين من الحواري وهما بيتر وأندرو.
ردع المؤمنين
ويعود الانقسام بين الكنائس الأرثوذكسية والكاثوليكية الرومانية إلى شقيقين من الحواري وهما بيتر وأندرو. وفي الانقسام العظيم عام 1050 انفصلت الكاثوليكية الرومانية عن الكنيسة البيزنطية.
وقال الكاتب، إننا عادة ما ننظر إلى بوتين كزعيم مستبد علماني، ولكنه مؤمن بالمسيحية الأرثوذكسية، ويرتدي الصليب الذي أعطته إياه أمه عندما كان صغيراً أيام الفترة السوفييتية.
وكان كيريل، حليفه في تعبئة الشعب الروسي، مع الغزو الروسي للدولة السلافية الجارة. وبالنسبة لبوتين والبطريرك ففتح أوكرانيا هو جزء من إعادة النظام وردع المؤمنين المتمردين.
بالنسبة لبوتين والبطريرك كيريل فإن فتح أوكرانيا هو جزء من إعادة النظام وردع المؤمنين المتمردين.
ويرى أن الخلاف الداخلي في الكنيسة الأرثوذكسية يحمل ملامح خلاف عائلي. فالكنيسة الأرثوذكسية الروسية وجدت في كييف عام 988، ثم انتقلت إلى موسكو حيث مارست من هناك هيمنتها على المؤمنين المسيحيين. وعندما حاول بعض المؤمنين الأرثوذكسيين القلقين، في مرحلة ما بعد ثورة ميدان في كييف، الحصول عام 2015 على وضع مستقل “وقيادة أنفسهم” بلغة الكنبية، رفض كيريل الطلب. وبدأ التوتر بالنمو، وحاول بطريرك القسطنطينة بارثملو التدخل والمصالحة، وعقدَ مؤتمراً عالمياً في جزيرة كريت عام 2016 تحت مظلة “المجلس المقدس والعظيم”، وهو اجتماع قاطعه كيريل. وفي عام 2018 وافق بارثملو على الاعتراف باستقلالية الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية عن موسكو. وقرر كيريل قطع العلاقة معه، وأنكر بالتالي سموه على المجتمع الأرثوذكسي في العالم.
وفي خطاب له عام 2019 بمدينة اسطنبول (مركز الكنيسة)، بمناسبة إعلان ولادة الكنيسة الأوكرانية المستقلة، قال بارثملو: “انتظرَ الأوكرانيون المتّقين هذا اليوم المبارك” و”الجائزة المقدسة للعتق، الاستقلال وحكم النفس والتحرر من كل الاعتماد والتدخل الخارجي”.
الثمن الفظيع
واتسمت محاولات موسكو السيطرة خلال السنوات الماضية بطابع الحرب الدينية الباردة. وخاض الأساقفة الروس والأرثوذكس الشرقيين معركة سيادة في أفريقيا وكوريا وسنغافورة ومناطق أخرى. وأنشأ كيريل بطريركية جديدة في أفريقيا، لكي تحل محل بطريرك الإسكندرية الموالي للكنيسة الشرقية. ووصف مقال بمجلة “الخدمة الإخبارية الدينية” بأنها محاولة “لإغراء القساوسة وأبناء الرعية وإضعاف المؤسسة القديمة وتوسيع تأثير روسيا”. وشجب بطريرك الإسكندرية ثيودر الثاني، في رسالة بكانون الثاني/يناير، قرار الكنيسة الأرثوذكسية التدخل في أفريقيا، ووصف الداعين له بأنهم “ذئاب متوحشة تدور بينكم، ولن تحافظ على القطيع”، وذلك بحسب “خدمة الأخبار الدينية”. ويقول ناشط في الكنيسة الشرقية إن المنظمين الأرثوذكس الروس الذين لديهم مال كثير استطاعوا تحويل 200 كنيسة في أفريقيا.
بالنسبة لبوتين، كيريل هو بطريرك صالح لكل المواسم، فقد بارك الغزو قبل حدوثه، ويتجاهل الآن الثمن الفظيع له.
وقال المبجل بيري هاماليس “بدلاً من دعم المؤمنين المحليين، تقوم بطريركية موسكو بتقسيمهم. ونم نشر تصريحاته في مجموعة من المقالات التي نشرها وسام القديس أندرو. وقال أنتوني ليمبراكيس، الذي يرأس الوسام في أمريكا، إن روسيا تحاول محو سلطة بطريركية القسنطينية القديمة واستخدام الأرثوذكسية كسلاح في القومية الروسية وتوسعها.
وقال الأب الكسندر كارلوتسس، المستشار الروحي لوستم القديس أندرو: “عندما يذهب كيريل إلى اختصاصات مثل أفريقيا وكوريا فهذا غزو ديني” و “هنا يحدث الانقسام”. وبالنسبة لبوتين، فكيريل هو بطريرك صالح لكل المواسم، فقد بارك الغزو قبل حدوثه، ويتجاهل الآن الثمن الفظيع له. وقال في خطبة له “لم تهاجم روسيا أحداً”، وتحدث يوم الثلاثاء عندما كانت المدافع والمقذوفات الصاروخية تقصف مهد الأرثوذكسية الروسية.
القدس العربي